في صيف 1979 حاول المخرج "روجيرو ديوداتو" جعل فيلمه "Cannibal Holocaust" أو "محرقة آكلي لحوم البشر" واقعياً قدر الأمكان، ولكن كان آخر ما يتوقعه أن يتم القبض عليه بتهمة قتل أبطال الفيلم، بعد اختفائهم بشكل غامض وظهور مشاهد مقتلهم وتعذيبهم في الفيلم.
أما الفيلم فأصبح محظوراً في أكثر من 50 بلداً، بسبب المشاهد الدموية، والفظائع التي قام بها المخرج من أجل الحصول على "لقطات واقعية".
"محرقة آكلي لحوم البشر" فيلم رعب تجاوز الحدود
يحكي فيلم "Cannibal Holocaust" قصة مجموعة من صانعي الأفلام الوثائقية المفقودين في الأدغال، بعد أن قاموا برحلة إلى غابات الأمازون المطيرة لإنتاج فيلم عن قبائل آكلي لحوم البشر، ولكن يتم العثور على معداتهم، وبعد الكشف عن اللقطات الخاصة بهم قررت محطة إخبارية تلفزيونية أمريكية بث الأشرطة.
ويتابع الفيلم قصته بعرض تلك اللقطات المستردة، وهنا تبدأ المشاكل مع هذا الفيلم، فمن من أجل تصوير تلك المشاهد بأقرب ما يكون للواقعية، سافر طاقم الفيلم إلى الأدغال على الحدود بين كولومبيا والبرازيل.
وهناك اتفقوا مع قبيلة من القبائل الأصلية للتصوير في قريتهم، ويشاركون في الفيلم في دور آكلي لحوم البشر، رغم أنهم كانوا من قبيلة مسالمة، استخدم المخرج روجيرو ديوداتو اسم القبيلة الحقيقي، وصورهم على أنهم متوحشون متعطشون للدماء.
ولم يتوقف هنا، بل أمرهم بذبح عدة قرود وخنزير وسلحفاة أمام الكاميرا، من أجل "الواقعية" في الفيلم، وتضمن الفيلم لقطات اغتصاب وقتل وتعذيب وحشي للأبطال البيض، على أيدي أفراد القبيلة، وهو ما شوّه سمعة سكان تلك المناطق بين الجمهور الذي كان يجهل الحقيقة، وظن البعض أن ذلك الفيلم كان وثائقياً حقيقياً، عن طبيعة تلك القبيلة، فضلاً عن الإساءة وسوء المعاملة لأفراد تلك القبيلة أثناء التصوير، ومنها عندما حشد الطاقم السكان الأصليين في كوخ عشبي وأشعلوا فيه النيران، من أجل تصوير مشهد للفيلم، وتعرض بعضهم للاختناق.
منع فيلم "محرقة آكلي لحوم البشر" والقبض على المخرج
في عام 1980، وبعد 10 أيام من العرض الأول للفيلم في ميلانو بإيطاليا، صدر أمر بمصادرة "محرقة آكلي لحوم البشر" بموجب القانون، بسبب ما يحتويه من لقطات دموية للغاية ومشاهد اغتصاب، وانتهى الأمر باتهام ديوداتو بالفحش.
بعد عام واحد تم عرض الفيلم في فرنسا، وبدأت وسائل الإعلام في التكهن بأن مشاهد الموت ربما كانت واقعية للغاية، لأنها كانت حقيقية، خاصة بعد اختفاء أبطال الفيلم بشكل غامض بعد انتهاء التصوير.
فصدر أمر بإلقاء القبض على المخرج، وأصبحت الصحف تتحدث عن الموضوع بكثرة، فكانت تلك التغطية دعاية كبيرة ومجانية للفيلم، وكان هذا بالضبط ما يريده المخرج "روجيرو ديوداتو"، لأن اختفاء الممثلين بعد انتهاء التصوير كان بتدبير منه، من أجل إثارة الشك حول مصيرهم.
وكان اتفق معهم على أن يختفوا عن الأضواء لمدة سنة على الأقل، ولكن حين تم القبض عليه ظهر الممثلان في برامج حوارية تلفزيونية، ليثبت المخرج للجميع أنهم على قيد الحياة، ونشر مقاطع وراء الكواليس لباقي الممثلين الذين ظهروا يُقتلون في الفيلم.
لكن هذا لم يمنع السلطات في حوالي 50 دولة من منع عرض الفيلم في دور السينما، ولكن بسبب الدعاية الكبيرة والضجة الإعلامية نجح الفيلم في مبيعات شرائط الفيديو، واستغرق الأمر حتى عام 2011، لتحصل نسخة كاملة من الفيلم على موافقة لعرضها في دور السينما.أما "ديوداتو" فلم يبدِ الندم على تصوير ذلك الفيلم، إنما رد على اتهامه بتشويه سمعة السكان الأصليين قائلاً: "لكن هذا جزء من تقاليدهم، إنه شيء موروث، عندما يخوضون معركة يُقتل زعيم القبيلة الخاسرة ويؤكل من قبل الفائزين، إنه جزء من ماضيهم، إنهم لا ينكرون ذلك".
لكنه أبدى الندم على شيء واحد فقط، وهو ذبح الحيوانات وقتلها من أجل التصوير، ويقول: "في شبابي كنت أقضي الكثير من الوقت في الريف بالقرب من الحيوانات، وبالتالي غالباً ما أرى لحظة وفاتها".
ويكمل: "إن موت الحيوانات، على الرغم من أنه لا يُطاق، خاصة في العقلية الحضرية الحالية، فإنه يحدث دائماً من أجل إطعام شخصيات الفيلم أو الطاقم، سواء في القصة أو في الواقع".