تخوض الكويت، اليوم الخميس، استحقاقاً مفصلياً لمجلسها النيابي المعروف إعلامياً باسم "أمة 2022″، حيث يتنافس 305 مرشحين في الانتخابات النيابة الكويتية، بينهم معارضون بارزون، و22 امرأة يسعين للعودة إلى مقاعدهن بعد غياب عن برلمان 2020.
وتأتي الانتخابات النيابة الكويتية بعد أشهر من الأزمة بين مجلس الأمة (البرلمان) والحكومة، أدت لإصدار مرسوم أميري بحلّ البرلمان السابق في 2 أغسطس/آب الماضي.
والمجلس النيابي هو السلطة التشريعية الوحيدة بالبلاد، ومدّته الدستورية 4 أعوام، ويتألف من 50 عضوًا منتخبًا.
انعقد البرلمان الكويتي لأول مرة في تاريخه عام 1963، وكان آخر مجلس منتخب في 2020.
أسباب حل البرلمان السابق
في 2 أغسطس/آب، تم حلّ مجلس الأمة الكويتي بمرسوم أميري، بعد شهرين من الإعلان عنه، والدعوة إلى انتخابات جديدة للمرة الأولى في عهد الأمير نواف الأحمد، ويعد هذا الحل هو العاشر في تاريخ البلاد، إذ تم حل البرلمان آخر مرة قبل ذلك في عام 2016.
وجاء هذا الحل بسبب خلاف حاد بين كتل المعارضة في البرلمان سبقته استقالة الحكومة، بعد احتقان كبير بين النواب والوزراء وزيادة وتيرة الاستجوابات، فضلاً عن مطالبة نواب من المعارضة برحيل "الرئيسين"، رئيس الحكومة صباح الخالد ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم.
وفي 28 من أغسطس/آب 2022، صدر مرسوم بدعوة الناخبين لانتخابات مجلس الأمة، وحُدّد اليوم الخميس الموافق 29 سبتمبر/أيلول موعداً للاقتراع.
برلمان الكويت حالة فريدة
وقد سبقت الكويت باقي دول منطقة الخليج في تبني نظام برلماني، وتشكّل البلاد حالة فريدة من نوعها في محيط مجلس التعاون الخليجي، وتوصف بأنها "شبه ديمقراطية" بالمقاييس العالمية، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
فالعلاقة بين مؤسسة الحكم والبرلمان في الكويت يمكن أن توصف بأنها علاقة تعاون تشوبها الصراعات المتكررة واتهام النواب للحكومة بمحاولة تجاوز الدستور أو إلغاء الحياة البرلمانية، أو اتهام الحكومة للنواب بتعطيل التشريعات التي تعود بالنفع على المواطنين.
يتكون المجلس من 50 عضواً يتم اختيارهم من قبل الشعب من خلال الانتخاب العام السري المباشر، فضلاً عن وزراء الحكومة الذين يشترط الدستور ألا يزيد عددهم على ثلث إجمالي الأعضاء (أي 16 وزيراً). وبإمكان الحكومة اختيار عضو برلماني أو أكثر لمنصب وزير، فيكون في هذه الحالة وزيراً في السلطة التنفيذية ونائباً في السلطة التشريعية، ويسمى "الوزير المحلل".
شروط الترشح
في 29 أغسطس/آب 2022، فتحت إدارة شؤون الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية باب الترشّح في الانتخابات النيابة الكويتية، وأغلقته في 7 سبتمبر الجاري.
وكانت أبرز شروط الترشح أن يكون المرشح كويتي الجنسية واسمه مدرجاً بجداول الانتخابات، وألا تقل سنّه يوم الانتخاب عن 30 عاماً، وألا يكون أدين بحكم نهائي في جرائم المساس بالذات الإلهية ولا الأنبياء ولا الأمراء.
عدد الدوائر والناخبين
بلغ عدد أصوات الناخبين في الدوائر الخمس التي يحق لها الإدلاء بالأصوات 795 ألفاً و911 صوتاً، منهم 388 ألفاً و99 رجلاً و407 آلاف و812 امرأة.
تنقسم الكويت إلى 5 دوائر انتخابية، وكل دائرة يفوز فيها 10 مرشحين.
وتضم تلك الدوائر 759 لجنة أصلية وفرعية، منها 368 لجنة للرجال، و391 لجنة للنساء.
في عام 2006، أعيد تقسيم الكويت إلى 5 دوائر انتخابية بدلاً من 25، وأصبح لكل ناخب الحق في منح صوته لأربعة مرشحين بدلاً من اثنين كما كان الحال في السابق. وكان الهدف هو محاربة ظاهرة شراء الأصوات وإجراء "الانتخابات الفرعية" التي جرَّمها القانون، وهي عبارة عن انتخابات استباقية تقوم بها الكتل والتجمعات السياسية لاختيار مرشحيها بغرض حشد التأييد لهم، تمهيداً لدخول الانتخابات البرلمانية أو البلدية.
وفي عام 2012، بدأ العمل بنظام الصوت الواحد بعد تعديل قانوني أصدره أمير الكويت بمرسوم بموجب الدستور. ويرى مؤيدو هذا النظام أنه نجح في القضاء على ما يُعرف بظاهرة "نواب الصوت الثاني" الذين ينجحون بفضل حلفائهم من النواب ذوي الشعبية والذين يطالبون ناخبيهم بمنح صوتهم الثاني لهؤلاء النواب الأقل شعبية.
أما معارضوه فيقولون إنه أدى إلى تفشي ظاهرة شراء الأصوات، والتصويت وفقاً للانتماءات القبلية والعرقية، ما أدى برأيهم إلى انتخاب نواب موالين بشكل تام للحكومة، حسبما ورد في تقرير "بي بي سي".
305 مرشحين و65 منسحباً
في 22 سبتمبر/أيلول الجاري، أغلقت إدارة شؤون الانتخابات باب انسحاب المرشحين من الاستحقاق مسجلةً 65 منسحباً.
وبلغ عدد المرشحين في الدوائر الخمس 305، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الكويتية الأربعاء، منهم 22 امرأة.
ووفق صحيفة القبس المحلية دشّن المرشحون في الدوائر الخمس حملاتهم الانتخابية التي اتخذت مسارين: الأول عبر المقارّ الانتخابية، والثاني عبر منصّات التواصل الاجتماعي.
أول تصويت بالبطاقة المدنية
يُدلي كل ناخب بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، وذلك لأول مرة في تاريخ الانتخابات البرلمانية، ضمن الشروط التي فرضها سباق "أمة 2022".
وستكون البطاقة المدنية بمثابة بطاقة انتخابية، وستفرض على الناخب التصويت بمكان إقامته الفعلي والدائم، وهو ما قد يغيّر من خارطة توزيع الناخبين، على غير ما كان سابقاً من التصويت في غير مكان الإقامة.
هل يعود التمثيل النسائي إلى "أمة 2022″؟
في 2005 وافق مجلس الأمة على السماح للمرأة بممارسة حقوقها السياسية، وترجم ذلك بانتخابات 2009 بنجاح 4 مرشحات، واستمرّ وجودهن في المجالس المتعاقبة، قبل أن يخلو مجلس 2020 من أي تمثيل نسائي للمرة الأولى منذ إقراره.
وقد شكت مرشحات في انتخابات عام 2020 من تعرضهن لشائعات وحملات شرسة تطرقت إلى أمور شخصية، وسعت إلى تداول فتوى تحرم إعطاء الصوت الانتخابي لامرأة.
رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم أبرز الغائبين
يعدّ مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة السابق، أبرز الوجوه الغائبة عن الانتخابات النيابة الكويتية 2022.
وفي 7 سبتمبر/أيلول الجاري، أصدر الغانم بيان اعتذار عن عدم الترشح للانتخابات البرلمانية الحالية.
وتعد هذه أول مرة يغيب فيها الغانم عن مجلس الأمة منذ عام 2006 حين فاز بمقعده البرلماني الأول.
وسبق أن انتُخب الغانم رئيساً للمجلس لـ3 دورات برلمانية متتالية منذ عام 2013 حتى حلّ المجلس الشهر الماضي.
وبغياب الغانم ينتظر مجلس الأمة عقب الانتخابات اختيار رئيس عاشر له، حيث تعاقب عليه 9 رؤساء أوّلهم عبد اللطيف الغانم.
أبرز المرشحين والعائدين في الانتخابات النيابة الكويتية
يشهد سباق أمة 2022، وفق تقارير صحفية، عودة السياسي البارز، رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون، بعد سنوات من الغياب.
وقال السعدون في مؤتمر جماهيريّ أوائل سبتمبر الجاري إن "المرحلة الحالية خطيرة ومفصلية وتحدّد مسار الكويت"، وفق ما نقلته صحيفة "الأنباء" المحلية.
كما تشهد الانتخابات النيابة الكويتيةعودة حركة العمل الشعبي (حشد) المعارضة وإنهاء مقاطعتها للانتخابات ببيان في أغسطس/أب 2022، فضلاً عن دفعها بـ3 مرشحين، باسل البحراني ومتعب الرثعان ومحمد الدوسري.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت إن ما يميز الانتخابات النيابة الكويتية هذ العام هو مشاركة الكثير من المعارضين البارزين الذين ابتعدوا عن العمل السياسي طيلة عشر سنوات، أمثال محمد مساعد الدوسري، الذي أكد أنه قرر العودة إلى العمل السياسي بعد تصريحات ولي العهد الكويتي مشعل الأحمد الجابر آل الصباح، التي تعهد فيها "بعدم التدخل في سير الانتخابات".
وقال هذا المرشح الذي ينتمي إلى "حركة العمل الشعبي" التي قاطعت الانتخابات عدة مرات: "إن سبب هذه العودة هو مضمون الخطاب الذي ألقاه ولي عهد الكويت نيابة عن أمير البلاد في حزيران/يونيو 2022، وهو خطاب تضمن تعهدات والتزامات صريحة وواضحة بعدم التدخل في المسار الانتخابي وحماية الديمقراطية".
إذ قال ولي العهد الكويتي في خطاب للأمة: "لن نتدخل في اختيارات الشعب لممثليه، ولن نتدخل كذلك في اختيارات مجلس الأمة القادم في اختيار رئيسه أو لجانه؛ ليكون المجلس سيد قراراته ولن نقوم بدعم فئة على حساب فئة أخرى".
كما عاد تجمّع "المنبر الديمقراطي" المعارض للانتخابات بعد مقاطعتها عبر مرشحه عزام بدر العميم، وفق بيان نشره الأخير في أغسطس/آب الماضي.
فيما رشحت الحركة الدستورية الإسلامية المعروفة باسم "حدس"، والمحسوبة على جماعة الإخوان، 5 مرشحين في الدوائر الخمس، وأبرزهم النائب السابق أسامة شاهين.
ومن أبرز نواب المعارضة في المجلس السابق الذين ترشحوا مجدداً، حسن جوهر، بخلاف نواب بارزين سابقين، منهم أستاذ القانون عبيد الوسمي.
لا توجد أحزاب رسمية ولكن كتل ذات انتماءات سياسية معروفة
ولا توجد في البلاد أحزاب سياسية بالمعنى المتعارف عليه، ولكن هناك تيارات وتكتلات سياسية، مثل الحركة التقدمية الكويتية، والمنبر الديمقراطي، والحركة الدستورية الإسلامية وغيرها.
وهناك الكثير من المطالبات من قبل شخصيات سياسية وأكاديمية وإعلامية بضرورة وجود أحزاب سياسية مُشهَرة توضع لها قوانين تنظم عملها على غرار الكثير من التجارب الديمقراطية التي تعتمد التعددية الحزبية في العالم.
ويرى هؤلاء أن ذلك سيكون من شأنه تركيز البرلمان على قضايا ذات أولوية لمصلحة المجتمع ككل، بدلاً من أن يكون تركيز كل نائب أو مجموعة صغيرة من النواب على مصالح شخصية يجري التصارع من أجلها.
وربما كان غياب أحزاب سياسية لها برامج عمل محددة، وبقاء السلطة التنفيذية تحت رئاسة عضو من الأسرة الحاكمة -التي عادةً ما يشغل أعضاء منها مناصب وزارية رفيعة- من أبرز الأسباب التي تحدو بالبعض إلى وصف تجربة الكويت بأنها تجربة "شبه ديمقراطية"، أو "ديمقراطية لم تكتمل"، حسب وصف "بي بي سي".
فإحدى سمات النظام السياسي الكويتي أن البرلمان يشرِّع ويراقب، ولكنه لا يشكِّل الحكومة، ويجعل هذا الوضع هناك ميلاً لدى نواب البرلمان، لإظهار قوتهم السياسية تجاه الحكومة، بينما في أغلب برلمانات العالم ذات النظام البرلماني، تكون الحكومات مدعومة بظهير برلماني مقابل أقلية معارضة، ما يكفل لها تجنب المجابهات المتوالية مع الأغلبية البرلمانية التي تكون في صفها عادة.
ورغم ما يبدو أنها صراعات لا نهائية بين الحكومة ونواب البرلمان الكويتي، يقول تقرير "بي بي سي": "تظل تجربة الكويت البرلمانية تجربة فريدة ميزتها عن باقي البلدان في محيطها الجغرافي. فالكويت هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي يستطيع برلمانها أن يعترض على القوانين، ويستجوب الوزراء ويسحب الثقة عن الحكومات".