من آسيا وإفريقيا إلى أوروبا والأمريكتين، كان العقد الأخير عقداً مليئاً بالاحتجاجات المناهضة بالحكومات، والتي نجحت في الإطاحة بالقادة السياسيين، ولكن أبرز ما كان في تلك الاحتجاجات هي الشعارات التي اتخذها المتظاهرون للتعبير عن غضبهم، فما هي أبرز رموز الاحتجاج في العالم؟
أبرز رموز الاحتجاج في العالم
في العقد الأخير نشأت العديد من الرموز القوية من الاحتجاجات، وكانت هذه الصور والشعارات والتحالفات بمثابة تذكير بالمطالب الشجاعة للعدالة والكرامة التي يتقاسمها المتظاهرون في جميع أنحاء العالم، والتي سنتعرف إليها في هذا التقرير:
الشاي بلبن في تايوان وميانمار وتايلاند وهونغ كونغ
تحالف "الشاي بلبن" أو "الشاي بحليب" هو حركة تضامن ديمقراطي عبر الإنترنت، مكونة من مستخدمي الإنترنت من هونغ كونغ وتايوان وتايلاند وميانمار.
ويعتبر الشاي بلبن رمزاً للتضامن ضد الصين من قبل سكان جنوب شرق آسيا؛ لأنه في العديد من دول جنوب شرق آسيا يتم استهلاك الشاي تاريخياً مع الحليب، بينما في الصين ليس كذلك.
ففي تايوان يتناولون شاي الفقاعات المصنوع من الحليب، وكذلك الأمر في هونغ كونغ وتايلاند وميانمار ولكن باختلافات بسيطة.
قصّة الرمز بدأت في أبريل/نيسان 2020، عندما اندلعت معركة رقمية شرسة بين مستخدمي الإنترنت التايلانديين والسفارة الصينية على تويتر، وأدت إلى تضامن المستخدمين في كل من هونغ كونغ وتايوان وميانمار وتوحدهم ضد الصين التي تعتبر دولهم جزءاً من جمهوريتها.
فيما تطورت حركة الشاي بلبن لتصبح حركة احتجاجية ديناميكية متعددة الجنسيات تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانتشرت على تويتر تحت وسم (MilkTeaAlliance#).
(SOS) في فنزويلا
سئم الفنزويليون من معدلات التضخم المرتفعة والمستويات المرتفعة للجريمة، ونزلوا إلى الشوارع في أوائل عام 2014 للتعبير عن إحباطهم من حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.
أصبح شعار "SOSVenezuela" صورة دائمة للتجمعات الجماهيرية.
ووفقاً لما ذكره موقع HuffPost بدأت الحملة من قبل مجموعة ناشطة مقرها كاراكاس Un Mundo Sin Mordaza (عالم بلا رقابة)، والتي نظمها المتظاهرون لتوضيح "SOS" لدعم النشطاء الفنزويليين.
وقالت مُنظمة الاحتجاج أنابيل نافارو إنّ وسائل الإعلام مُكممة من قبل الحكومة الوطنية، ونحن بحاجة إلى أن يكون لنا صوت في بلدنا، حيث حرية التعبير باتت على المحك.
ومع اتساع نطاق الاحتجاجات، قامت الحكومة بقمعها، واشتبكت العصابات الموالية للحكومة بعنف مع النشطاء، وقامت قوات أمن الدولة بهدم حواجز الاحتجاج واعتُقل الآلاف.
قُتل ما لا يقل عن 43 متظاهراً، من مؤيدي ومعارضي الحكومة، في أعمال العنف التي أعقبت ذلك.
ورغم تراجع حدّة الاحتجاجات خلال الصيف، فإن فنزويلا شهدت استمرار الاضطرابات بشأن معدلات الجريمة، ونقص السلع الأساسية التي تزامنت مع تراجع شعبية مادورو.
عباد الشمس في تايوان
تجمّع أكثر من 100 ألف متظاهر، مُعظمهم يحمل عباد الشمس بيده في العاصمة التايوانية تايبيه في مارس/آذار 2014، متهمين حكومتهم بالتوقيع سراً على صفقة تجارية مثيرة للجدل مع الصين.
احتل الطلاب المحتجون مبنى البرلمان لمدة ثلاثة أسابيع، قبل أن توافق حكومة تايوان على مزيد من التدقيق في تعاملاتها مع الصين.
يشك العديد من التايوانيين بشدة في النفوذ الصيني في الجزيرة، التي لا تزال الصين تعتبرها جزءاً من أراضيها، وتُعرف لدى الكثيرين حول العالم باسم "الصين تايبيه".
وأطلق الطلاب على الاحتجاجات اسم "حركة عباد الشمس"، ووفقاً لصحيفة New York Times الأمريكية، يرمز عباد الشمس إلى الضوء الذي أراد المحتجون تسليط الضوء عليه في علاقة تايوان بالصين، فضلاً عن المطالبة الأوسع بمزيد من الشفافية الحكومية.
رفع اليد في أمريكا
أثار حادث إطلاق النار القاتل على المراهق الأسود الأعزل مايكل براون على يد ضابط شرطة أبيض في أغسطس/آب 2014 اضطرابات استمرت أسابيع في فيرجسون بولاية ميسوري الأمريكية.
ووصف شاهد عيان أنّ براون رفع يديه في الهواء قبل مقتله، لتصبح لفتة الاستسلام هذه، شعاراً للمتظاهرين في أمريكا تصاحبها شعار "ارفعوا أيديكم، لا تطلقوا النار"، ليصبحا رمزاً لغضب الأمة من تكتيكات الشرطة الوحشية وعدم المساواة العرقية.
وانتشرت احتجاجات أخرى في أنحاء الولايات المتحدة وخارجها بعد أن رفضت هيئة محلفين كبرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 توجيه الاتهام إلى ضابط شرطة فيرجسون دارين ويلسون بقتل براون.
بعد أيام، قررت هيئة محلفين كبرى أخرى في نيويورك عدم توجيه الاتهام إلى ضابط شرطة أبيض آخر لقتل إريك غارنر، الذي توفي بعد فترة وجيزة من احتجازه من قبل الشرطة.
أصبحت كلمات غارنر الأخيرة، "لا أستطيع التنفس" ، التي كررها 11 مرة ، شعاراً آخر للاحتجاجات، إلى جانب "حياة السود مهمة".
المظلات في هونغ كونغ
في سبتمبر/أيلول 2014 أيضاً، بدأ الطلاب والمتظاهرون المعارضون في هونغ كونغ في تنظيم اعتصامات لمطالبة الصين بالتراجع عن خطتها لفحص المرشحين لأول انتخابات قيادة في الإقليم.
عندما حاولت شرطة هونغ كونغ ردهم بالضرب بالغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل، قام المتظاهرون بحماية أنفسهم بالمظلات، مما خلق منها رمزاً دائماً للتحدي السلمي، وسرعان ما امتلأت شوارع هونغ كونغ ووسائل التواصل الاجتماعي بصور المظلات.
كانت "حركة المظلة" ، كما أصبحت معروفة، أكبر تحد في هونغ كونغ لسلطة الصين منذ أن سلمت بريطانيا العظمى الإقليم في عام 1997، بشرط أن تحتفظ ببعض الحكم الذاتي في شؤونها.
الرقم 43 في المكسيك
فُقد 43 طالباً من كلية المعلمين الريفية في إجوالا في المكسيك، وتعرض الطلاب لكمين من قبل الشرطة، وهم في طريقهم للمشاركة في احتجاج ولم يشاهَدوا مرة أخرى.
قالت الحكومة المكسيكية حينها إن أعضاء عصابة مخدرات محلية اعترفوا بقتل الطلاب، بالتواطؤ مع عمدة البلدة وقوة الشرطة المحلية ، وتم التعرف على رفات طالب واحد على الأقل.
لكن بعض المراسلين وأقارب الطلاب يزعمون أن الحكومة المكسيكية أخفت المعلومات الحقيقية.
أثار اختطاف الطلاب وقتلهم المفترض احتجاجات في جميع أنحاء المكسيك وحول العالم، مما تسبب في أزمة سياسية للرئيس إنريكي بينيا نييتو.
رسم المتظاهرون "43" عدد الطلاب المفقودين على الجدران، وعلى وجوههم، وعلى لافتات الاحتجاج.
"أصبح الطلاب المفقودون على الفور رمزاً للأزمة الأمنية في البلاد، والتي أسفرت بالفعل عن مذابح لا حصر لها وأكثر من 20 ألف حالة اختفاء، والتي يلقي المتظاهرون باللوم فيها على مزيج من الجماعات الإجرامية المتحاربة والفساد والإهمال المستشري في البلاد.
تحية الأصابع الوسطى الثلاثة في تايلاند وميانمار
في سبيل المطالبة بإبعاد الجيش عن السياسة، بعد انقلاب تايلاند في عام 2014، خرج المتظاهرون إلى الشوارع معبرين عن رفضهم، رافعين أصابعهم الثلاثة الوسطى مع طيّ الإبهام والخنصر التي اقتبسوها من سلسلة الأفلام الأمريكية Hunger Games.
وفي العام 2021 استخدم متظاهرون في ميانمار ذات الإشارة ضد الانقلاب العسكري في البلاد، وفقاً لما أكدته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وأشارت الصحيفة إلى أن انتشار هذه التحية وسط الحركات الاحتجاجية، التي يقودها الشباب، تُظهر أن المتظاهرين يستلهمون من بعضهم البعض استراتيجيات مواجهة السلطة، لافتة إلى أن التحية ظهرت أيضاً في الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية التي قادها الشباب في هونغ كونغ ضد سيطرة الصين، وهي ما ألهمت بدورها الشباب في تايلاند للتظاهر ضد الحكومة المدعومة من الجيش.
البطة المطاطية في هونغ كونغ والبرازيل وروسيا
في العام 2013 استخدم المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية في هونغ كونغ البط القابل للنفخ لحماية أنفسهم من خراطيم المياه التي لجأت إليها الشرطة لتفريقهم، وفقاً لما ذكرته وكالة مونتي كارلو.
وكان من المفترض أصلاً أن تكون البطة القابلة للنفخ بمثابة قارب للنشطاء الذين أرادوا الاقتراب من البرلمان التايلاندي خلال مناقشته إصلاحات محتملة للدستور، نظراً لأنه يقع على ضفة نهر.
لكنّ هذه المحاولة باءت بالفشل بفعل كثافة انتشار الشرطة، ولجوئها إلى استخدام خراطيم المياه والغاز المسيّل للدموع ضد الحشد.
لكن سرعان ما انتشرت على شبكة الإنترنت صور المحتجين وهم يحتمون بالمراكب الصفراء، وهي على شكل بط، ويستخدمونها دروعاً.
ومنذ ذاك اليوم في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، أصبحت البطة الصفراء رمزاً للاحتجاجات التي تهز تايلاند منذ أشهر، وترفع مطالب إصلاحية عدّة، من بينها ما يتعلق بالنظام الملكي الذي يعتبر التطرق إليه من المحرّمات.
كما ظهرت البطة الصفراء في صربيا في عام 2015، في بلجراد حينما أراد السياسي الصربي "ألكسندر فوتشيتش" تمويل مشروع تطوير لضفة النهر، من شأنه أن يحجب المناظر الطبيعية عن السكان، مما استفز مشاعرهم فخرجوا للتظاهر والاحتجاج، حاملين في أياديهم بطًّا مطاطيًّا أصفر لرفض السيطرة على ضفة النهر.
كما كانت دمى البط المطاطية العملاقة موضوع احتجاجات في البرازيل عام 2016 خلال حملة للإطاحة باليسارية، ديلما روسيف، التي كانت تتولى الرئاسة آنذاك.
وأصبح البط الأصفر أيضاً رمزاً للاحتجاج في روسيا عام 2017 عندما ظهر أن رئيس الوزراء آنذاك ديمتري ميدفيديف يمتلك العديد من العقارات الفاخرة، يضم أحدها بركة بُني في وسطها منزل للبط.
ضفيرة الشعر في إيران
توفيت فتاة إيرانية تبلغ من العمر 21 عاماً بعد أيام من اعتقالها على يد ما يسمى بـ"شرطة الأخلاق" لمزاعم تتعلق بعدم امتثالها للقواعد الصارمة المتعلقة بغطاء الرأس، مما خلف موجة غضب عارمة في إيران وخارجها.
ويقول شهود عيان إن الفتاة، مهسا أميني، قد تعرضت للضرب على يد شرطة الأخلاق أثناء اعتقالها في طهران، بينا نفت الشرطة الإيرانية هذه المزاعم مؤكدة أنها الفتاة أصيب بمشكلة في القلب أدى إلى وفاتها بعد أيام.
في حين تنوعت أساليب التعبير عن هذا الغضب، ولعل أبرزها حالياً الاحتجاجات المستمرة منذ أيام في طهران ومدن إيرانية أخرى، لتشرع خلالها النساء على قص شعرهن تضماناً مع ما تعيشه السيدات في إيران من قمع.
في الوقت ذاته، تضامن عدد من الرسامين الكاريكاتيريين مع النساء الإيرانيات من خلال رسم العديد من الرسومات التي تظهر شعرهن الذي بات يؤرق النظام في طهران، مما جعل ضفيرة الشعر الرمز الأساسي لهذه الاحتجاجات.
قد يهمك أيضاً: يلاحقون غير المحجبات ويغرّمون من تضع طلاء الأظافر.. قصة تأسيس "شرطة الأخلاق" في إيران