في غضون بضعة أسابيع، سيأتي ما يقارب المليون ونصف المليون مشجع كرة قدم إلى دولة قطر، للمشاركة في حضور كأس العالم 2022، حيث سيتنقّل الكثير منهم بين الدوحة ومدن مجاورة، مثل دبي وأبوظبي والرياض وغيرها، وسوف يجد هؤلاء خليجاً جديداً وسط ثروة طاقة بقيمة 3.5 تريليون دولار، بفضل الحرب الروسية في أوكرانيا، بحسب وصف مجلة Economist الأمريكية.
اتجاهات جديدة في دول الخليج تزامناً مع طفرة النفط والغاز
تسير أحدث طفرة في النفط والغاز جنباً إلى جنب مع اتجاهات أعمق، مثل إعادة هندسة تدفقات الطاقة العالمية، استجابة للعقوبات الغربية المتبادلة بين روسيا والغرب، وكذلك تغير المناخ. بالإضافة إلى إعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مع تكيفها مع عالم متعدد الأقطاب؛ حيث لم تعد أمريكا ضامناً موثوقاً للأمن.
والنتيجة هي مظهر خليجي جديد، مقدر له أن يظل محورياً لعقود قادمة. ومع ذلك، لكن ليس واضحاً ما إذا سيكون مصدراً للاستقرار الدائم، كما تقول المجلة الأمريكية.
وتنتمي دول الخليج إلى منطقة مرت بها عقدان مروعان. وسط الحروب والانتفاضات، لقي مليون شخص مصرعهم بعنف في الشرق الأوسط وانخفضت حصته من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 4٪ في عام 2012 إلى 3٪.
وقطعت أمريكا وجودها العسكري في أعقاب الكوارث في العراق وأفغانستان، تاركة الحلفاء القدامى، بما في ذلك دول الخليج، خائفين من الفراغ الأمني الذي تملأه إيران ووكلاؤها.
وتواجه القوى الثلاث الخليجية للطاقة، وهي: قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، انخفاضاً طويل المدى في الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، حتى مع معاناتها من انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ.
عوامل جديدة تبرز قوة الخليج ونفوذها
لكن في الوقت نفسه، هناك عاملان قويان جديدان يلعبان دوراً هاماً:
1- تغيّر الاتجاهات في أسواق الطاقة
العامل الأول هو التغيرات في أسواق الطاقة، فيمكن لدول الخليج بالأسعار الحالية أن تكسب 3.5 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة؛ حيث تعمل العقوبات الغربية على روسيا على إعادة توجيه كيفية تداول الطاقة حول العالم. ومع تدفق الإنتاج الروسي إلى الشرق، من المتوقع أن يصبح الخليج مورداً أكبر للغرب.
واستجابة لأسواق الطاقة الضيقة، تعمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على تكثيف الاستثمار الرأسمالي في النفط بهدف طويل المدى، يتمثل في أن تكون هذه الدول آخر من يقف في هذه الصناعة، وتتمتع بأقل التكاليف وأقل عمليات الاستخراج.
وتهدف الرياض وأبوظبي معاً إلى زيادة الإنتاج من 13 مليون برميل يومياً إلى 16 مليوناً على المدى المتوسط، حيث سترتفع حصتهما في السوق مع تضييق الحكومات في جميع أنحاء العالم على الانبعاثات وانخفاض الطلب العالمي على النفط.
ومع توسع قطر في مشروع حقل الشمال في السنوات القليلة المقبلة، ستصبح الدوحة بالنسبة للغاز الطبيعي المسال، ما تمثله تايوان بالنسبة لأشباه الموصلات المتقدمة: فإنتاجها السنوي المستهدف يعادل 33٪ من إجمالي الغاز الطبيعي المسال الذي يتم تداوله في جميع أنحاء العالم في عام 2021؛ لذا فإن التوقيت الآن في صالحها، وسط ضغط عالمي للغاز.
2- تحالفات جديدة في المنطقة
العامل القوي الثاني بحسب الإيكونوميست، هو وجود تحالف جديد للقوى في الشرق الأوسط. فعلى مدار مدى العقد الماضي، أنشأت إيران مجال نفوذ عبر الحزام الشمالي بما في ذلك العراق ولبنان وسوريا. لكن رد الفعل كان على قدم وساق، مع تقارب معظم دول الخليج ومصر وإسرائيل ودول أخرى، مع بعضها البعض. وينعكس ذلك في "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية، التي وقعتها إسرائيل في عام 2020 من كل من الإمارات والبحرين.
وتتعلق هذه "الكتلة الناشئة جزئياً"، بحسب الإيكونومست، بتطوير دفاعات مشتركة ضد الطائرات بدون طيار، والصواريخ الإيرانية، باستخدام التكنولوجيا الإسرائيلية على الأرجح. لكنه أيضاً رهان على أن التجارة يمكن أن تجعل هذه البلدان أكثر ثراءً في منطقة ذات روابط عابرة للحدود.
وقام الإسرائيليون بأكثر من نصف مليون رحلة إلى الإمارات، بينما استثمرت دول الخليج 22 مليار دولار في مصر هذا العام. وقد تنضم المملكة العربية السعودية والأردن يوماً ما إلى اتفاقيات أبراهام، رغم أن ذلك قد يظل احتمالاً ضعيفاً بسبب عدم رغبة إسرائيل في إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
يأمل أعضاء هذه الكتلة الناشئة في زيادة روابطهم الاقتصادية مع بقية العالم. ففي فبراير/شباط، وقعت الإمارات اتفاقية تجارية ضخمة مع الهند، وكما لندن وهونغ كونغ، تأمل دبي أن تصبح مركزاً مالياً آخر لرواد أعمال في العالم.
منطقة الخليج ستظل لاعباً مهماً في الشؤون العالمية لعقود قادمة
ترى الإيكونومست أنه من المرجح أن تظل منطقة الخليج تلعب دوراً هاماً في الشؤون العالمية في العقود القادمة، كما كانت في القرن العشرين، على الرغم من أن بعض الاستراتيجيين الأمريكيين يرى أن أهميتها ستتلاشى. وفي مجال النفط والغاز، قد ترتفع حصتها من واردات أوروبا من أقل من 10٪ اليوم إلى أكثر من 20٪ في المستقبل القريب.
وبلغ الثقل الاقتصادي لدول الخليج في منطقة الشرق الأوسط أعلى مستوياته منذ عام 1981، عند 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، وسوف يرتفع أكثر. وفي مجال التمويل، ستنمو الأصول الاحتياطية والسيادية الخليجية البالغة 3 تريليونات دولار، مما يؤدي إلى مزيد من الاستثمارات في الخارج، مثل حصة قطر في العرض الأخير لشركة السيارات الفاخرة بورش. وفي الدبلوماسية، يتوقع أن تستعرض دول الخليج عضلاتها أكثر في مناطق أخرى، مثل القرن الإفريقي.
مع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي قد لا يجلبه العصر الجديد هو الاستقرار، لأن عوامل القوة ذاتها التي وراء هذه الفرص، تخلق أيضاً تقلبات. وتقول الإيكونومست إن السعي وراء ترتيب أمني يعتمد بدرجة أقل على أمريكا في الخليج قد يأتي بنتائج عكسية. قد يؤدي عدوان إيران إلى سباق تسلح إقليمي تغذيه ريع الطاقة، تماماً كما أدت الطفرات النفطية في السبعينيات إلى انفجار الإنفاق العسكري. إذا حصلت إيران على سلاح نووي، فقد ترغب دول مثل المملكة العربية السعودية في الحصول على قنبلة خاصة بها.
ومع ذلك، فإن أكبر مصدر محتمل لعدم الاستقرار يكمن في الداخل، إذ تحاول دول الخليج الآن اتباع مسار اقتصادي يحير العقل. إنهم يخططون لتوسيع إنتاج الوقود الأحفوري لمدة 20 عاماً ثم خفضه بعد عام 2045. ومن الممكن أن نرى كيف سينجح ذلك من الناحية النظرية: يجب إعادة استثمار الإيجارات الضخمة بسرعة في اقتصاد عالي التقنية قائم على الطاقة المتجددة، وأنظمة الطاقة والهيدروجين وتحلية المياه، التي تتمتع بديناميكية كافية لخلق ملايين فرص العمل لعدد كبير من الشباب. وفي الممارسة العملية المهمة ضخمة/ حتى لو نجحت، فإنها ستجعل أهداف المناخ لاتفاق باريس بعيدة المنال.