سيدة باتت من أشهر الشخصيات الغامضة التي عرفها التاريخ.. إنها جوليا براون أو "العمة جوليا"
كما يطلق عليها سكان لويزيانا الواقعة بالمنطقة الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية، في البداية كان جميع سكان المنطقة يقصدون العمة جوليا لعلاجهم من الأمراض؛ لكنها سرعان ما تحولت إلى لعنة حلَّت بالمنطقة، وفقاً لسكان لويزيانا.. فما قصتها؟
قصة لعنة العمة جوليا براون
عُرفت جوليا براون في ولاية أريزونا الأمريكية، وخاصة في المناطق المحيطة بمستنقع "مانشاك"، على أنها أشهر سحرة الفودو في المنطقة، وفي هذا النوع من السحر يقوم الساحر بطقوس خاصة متمثلة بغرس دبابيس في دُمى أو حرقها قصد إصابة شخص ما باللعنة، ويصنف الفودو على أنه نوع من السحر الأسود.
وُلدت جوليا براون عام 1845، وشهدت خلال حياتها الظلم والمآسي التي تعرض لها أبناء قريتها بعد الحرب العالمية الأولى، حصلت جوليا على قطعة أرض في محيط المستنقع، بنت فوقها منزلها المحاط بالأشجار الضخمة المعمرة.
ساعدتها تربة المستنقع في الحصول على العديد من الأعشاب الطبية التي استخدمتها في مساعدة أبناء قريتها ومعالجتهم، فحسب أقاويل سكان المنطقة، أكدوا أنها كانت امرأة مرحة محبة للحياة.
لكن وبعدما كانت تعالج الناس، تحولت جوليا من شخصية ذات قلب طيب إلى شخصية ترى العالم بسوداوية؛ ما دفعها إلى "لعن" المنطقة بعد وفاتها وحتى يومنا هذا.
وفاة جوليا براون وبدء اللعنة
عُرفت جوليا براون بجلوسها على شرفة منزلها وعزفها على القيتارة كما كانت دائماً ما تردد الجملة التالية: "يوماً ما سأموت وسيموت كل شيء معي يوماً ما سأموت وسآخذ المدينة معي".
توفيت العمة جوليا في الـ29 من سبتمبر/أيلول سنة 1915 عن عمر ناهز الـ70 سنة، فاجتمع الأهالي لدفنها حسب عادات وتقاليد المنطقة؛ لتبدأ قصة اللعنة والكوارث الطبيعية في المنطقة، فحسب أقاويل السكان المحليين الذين سمعوا القصة عن آبائهم أو أجدادهم قالوا إنه فور وضع الجثمان في القبر ضرب إعصار المنطقة والأماكن المجاورة لها ما تسبب في وفاة كل من في المنطقة كما اقتلعت المدينة من جذورها.
الناجون والذين يعدون على رؤوس الأصابع هم الذين استطاعوا الوصول إلى القطار الذي مر قبل تحطم السكة الحديدية بدقائق فقط، إلا أنهم شاهدو حجم الدمار والخسائر التي تسبب بها الإعصار الضخم.
بعد هدوء العاصفة في الصباح الأول من أكتوبر/تشرين الأول بدأت خسائر الإعصار تظهر على المنطقة حيث تسبب في وفاة 300 شخص وخسائر مادية عديدة، فكل مباني المدينة اختفت بالإضافة إلى كيلومترات من السكة الحديدية.
هذا ما دفع أهالي المنطقة الناجين بربط الحادثة بوفاة العمة جوليا وقصة جملتها الشهيرة، لتبدأ منها قصة لعنة تم استحضارها كلما ضربت كارثة طبيعية المنطقة منذ وفاة جوليا حتى الآن.
الكوارث الطبيعية المدمرة والحقيقة العلمية
ليس فقط في سنة 1915 بل ما تلاه من أعوام وصولاً إلى يومنا هذا، توالت المصائب والكوارث في تلك المنطقة، حيث أصبحت تتصدر أعلى معدلات الجرائم والاختطافات في الولايات المتحدة، حسب إحصائيات أدلت بها مجلة mental floss .
كما استمرت العواصف بضرب المنطقة من بداية سنة 1915 إلى إعصار كاترينا سنة 2005، بالإضافة إلى حوادث انهيار الجسور الغريبة والتغيير البيولوجي الذي طرأ على المستنقع، فبحسب تقرير لنفس المجلة تعددت الروايات حول لعنة العمة جوليا التي تسببت في هذه الكوارث المتتالية.
الرواية الأولى بعنوان "الانتقام للأرض"
حسب رواية أدلى بها مجموعة من السكان لـ"ناشيونال جيوغرافيك" مفادها أن سوء الحالة المادية لسكان المنطقة لم يسمح لهم بزراعة القطن الذي يتطلب تكلفة عالية لإنتاجه وبيعه للمصانع التي كانت قريبة من المدينة، ما جعلهم يلجؤون إلى عملية التحطيب العشوائي للأشجار المعمرة، وبيعها لمصنع موَّل السكان بالأدوات الخاصة بالتحطيب.
وأضافوا أنهم لم يكتفوا بذلك بل قاموا بسرقة تربة المستنقع الغنية بالأسمدة وبيعها للمدن المجاورة، هذه الممارسات أغضبت جوليا براون كثيراً، فلجأت إلى مدير الشركة التي تولت عملية التحطيب بالمنطقة لتقنعه بالعدول عن قطع الأشجار، لكن دون أي جدوى.
وبحكم أنها ساحرة فودو امتلكت جوليا رابطاً كبيراً مع الأرض، وأحست بأن المستنقع يختنق والنباتات التي كانت المستحضر الأساسي لصناعة أدويتها بدأت تختفي؛ ما جعلها تقوم بإلقاء لعنة لمعاقبة الحطابين.
المؤيدون للقصة يستدلون على صحتها بزوال القرى التي كان يعيش بها الحطابون، بفعل إعصار ضرب المنطقة؛ ما جعلها غير صالحة للعيش بسبب الدمار الذي حل بها.
الرواية الثانية بعنوان "الوحدة سبب التغيير"
حسب تقرير لمجلة mental floss نفسها، صرَّح بعض المحللين في القضية بأن العمة جوليا رغم مساعدتها للناس فقد كانت تشعر بالوحدة، حيث كان الناس يقصدونها للعلاج فقط، ولم يكن أحد يقصدها بغية التحدث معها أو الاطمئنان عليها.
كما كانوا دائماً يمرون بجانب منزلها دون أن يلقوا عليها التحية حتى، وبالتالي شعرت بأن سكان المنطقة كانوا يقومون باستغلالها، فألقت لعنتها المشهورة للانتقام منهم.
رأي العلم حول قضية العمة جوليا
عادة ما لا يأخذ العلماء والباحثون أمر اللعنة بجدية، بل يعتمدون على الحقائق العلمية لتفسير ما جرى في ولاية أريزونا الأمريكية.
نرجع إلى خلفية صحة وجود العمة جوليا؛ فهي شخصية حقيقية وُجدت في السجلات لامرأة من أصل إفريقي باسم جوليا برنارد، وُلدت سنة 1845 في لويزيانا، وتزوجت من عامل يدعى سلستون براون سنة 1880، بعد 20 سنة قامت الحكومة بتسليم أرض إلى زوجها، والتي ورثتها بدورها عنه سنة 1914.
أما بخصوص الإعصار المدمر الذي حدث سنة 1915، فالعلم لم يكن قد توصل بعد إلى الأجهزة الملاحية التي تنذر باقتراب الأعاصير، مما أدى إلى عدم معرفة الأهالي بالأمر، وعدم أخذهم الاحتياطات اللازمة لدرء الخطر.
كما يرجح العلماء أن سبب وقوع الأعاصير المتكررة في المنطقة هو موقعها الجغرافي الذي تتقاطع به الرياح الباردة مع الساخنة؛ ما يتسبب في حدوث الكثير من هذه الكوارث الجوية.
بخصوص الجرائم المتكررة وحالات الاختفاء، يرى المحللون -حسب وثائقي عُرض على ناسيونال جيوغرافيك- أن لويزيانا من الولايات الفقيرة، والحصول على الأسلحة فيها أمر سهل بالمقارنة مع غيرها.
كما أكد مدرب الملاحة والخبير في شؤون حوادث السفن كريس ريد أن أهم أسباب تصادم السفن بالجسور المتكررة هو ارتفاع مستوى المياه، والذي يحمل معه المخلفات وجذوع الأشجار المقطوعة؛ مما يجعل السفن تغير مسارها، فتتسبب هي الأخرى في اصطدامات مع الجسور؛ ما يؤدي إلى انهيارها.
فيما يخص المستنقع، يرى الباحثون والعلماء الجيولوجيون أن ما يتسبب في التغيير الأيكولوجي في المستنقع هو عدة أسباب، أولها عملية التحطيب العشوائي التي تؤدي في غالبية الأحيان إلى اقتلاع الأشجار من جذورها، وهو ما يؤدي إلى انجراف التربة، والثاني هو أحد الحيوانات الذي يتغدى على بعض النباتات؛ ما تسبب في تلف التربة.
كما أن الدراسات المجرية على تربة المستنقع أوضحت أن نسبة الملوحة قد ارتفعت، كما يرجعون الأمر إلى سببين؛ الأول هو تسرب مياه البحر إلى المستنقع، ما عزز في ارتفاع الملوحة به، أما السبب الثاني فيعود إلى السد الذي بُني بنهر المسيسيبي؛ مما أدى إلى توقف قدوم التربة الجديدة للمستنقع، وبالتالي قُضي على الغطاء النباتي للمستنقع.
رغم كل ما توصل إليه العلم، إلا أن سكان المنطقة والأماكن المجاورة لها لا يزالون يُرجعون الأمر إلى لعنة العمة جوليا، متجاهلين حقيقة الأحداث الواقعة بالولاية.