عالم آثار أوروبي مشهور يدعس بقدمه رأس فرعون مصري. بهذا المشهد الاستفزازي تزين إحدى المدن الفرنسية ساحاتها الأشهر بتمثال فني مثير للجدل، وذلك على الرغم من الدعوات المصرية المتواصلة المنادية بإزالته.
وتجدد الاستنكار على مواقع التواصل بعد تداول صور للتمثال، الذي يُظهر عالم الآثار الفرنسي جان فرانسوا شامبليون الذي فك رموز اللغة الهيروغليفية، وهو يضع قدمه على رأس فرعون مصري.
التمثال الذي من المفترض وفقاً للمسؤولين الفرنسيين، أن يشير إلى "الإنجازات الأثرية التي حققتها الحملة الفرنسية في مصر"، أثار مزيداً من الجدل في الآونة الآخيرة، بعد تداول نشطاء وثائق وتسجيلات تكشف جرائم الاستعمار الأجنبي الذي وقعت فيه معظم الدول العربية.
وعلى خلفية وفاة الملكة إليزابيث الثانية، التي حكمت بريطانيا العظمى، إحدى أبرز الدول الاستعمارية التي عرفها التاريخ، جدد البعض استنكارهم مواصلة دول متقدمة مثل فرنسا "الاحتفاء" بماضيها "الاستعماري".
تاريخ تمثال شامبليون الذي فك رموز حجر رشيد
نحت الفنان الفرنسي فريديريك أوغست بارتولدي التمثال الرخامي الذي يصور شامبليون واقفاً بقدمه اليسرى على رأس فرعوني، في العام 1875.
وقد تم عرضه في حديقة "Parc Egyptian" التي أنشأها عالم المصريات الفرنسي أوغست مارييت، وشارك في المعرض العالمي لعام 1877 الذي كان يحتفي آنذاك بنهاية الحرب بين فرنسا وبروسيا (ألمانيا اليوم).
وقد كان من المفترض في الأصل نقل التمثال إلى مسقط رأس شامبليون، لكن التمثال لم يجد الدعم المادي الكافي لذلك ظل منصوباً في باريس.
وفي عام 1878، تم وضع التمثال في موقعه الحالي بساحة كوليج دو فرانس، أو الكلية الفرنسية Collège de France في وسط باريس، وهي أحد أهم مراكز التعليم العالي بالعاصمة.
استنكار متجدد ولكن دون جدوى
التمثال المثير للجدل لطالما أثار غضب علماء المصريات المصريين ووزارة الآثار في الحكومات المتعاقبة منذ وقت تنصيب التمثال، وحتى اليوم.
وكان التحرُّك الرسمي الأبرز ما حدث عام 2013، عندما أرسل بعض علماء الآثار المصريين عريضة إلى وزارتي الخارجية والآثار يدينون فيها التمثال باعتباره "ازدراءً للحضارة المصرية". وحثوا الحكومة الفرنسية على إزالة "التمثال المخزي".
وقال وزير الآثار المصري الأسبق محمد إبراهيم، لبوابة الأهرام أونلاين الإنجليزية آنذاك، إنه أرسل شكوى رسمية بشأن التمثال إلى السفير الفرنسي لدى مصر ووزير الثقافة الفرنسي.
وقال أيضاً إن "مثل هذا التمثال يزعج العلاقة الثقافية بين مصر وفرنسا، التي كانت جيدة منذ الحملة الفرنسية لمصر". في المقابل، لم تتخذ الحكومة الفرنسية أي إجراء بشأن هذه القضية حتى اليوم.
وفاة الملكة إليزابيث جددت "جرح" الاستعمار الذي لم يندمل
إلى ذلك، أثارت وفاة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا الأطول حكماً في تاريخ المملكة المتحدة، نقاشاً دولياً حول بعض الشخصيات التاريخية الأبرز في تاريخ استعمار مصر.
وتداول خبراء وأستاذة في التاريخ وعلوم المصريات قصصاً لأبرز الآثار والنصب التذكارية من حول العالم، وتاريخها العنصري والإمبريالي.
لذلك تعرَّض الماضي الأوروبي الاستعماري لمزيد من التدقيق خلال الأيام التي تلت وفاة الملكة في 8 سبتمبر/أيلول عام 2022، ومن بين القضايا العالقة كان تمثال الباحث الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، بسبب إرثه من السرقة والاستغلال للحضارة المصرية الذي لم يتم تعويض مصر عنه حتى الآن.
كان شامبليون هو الشخصية المؤثرة والمحورية في فك رموز حجر رشيد واللغة المصرية القديمة. وقبله، كان يُعتقد أن الهيروغليفية رموز صوفية لها قوة سحرية، وليست نظاماً أدبياً أو لغة كاملة.
ومع ذلك، فإن التمثال الموجود في Collège de France يسلط الضوء على الجانب المظلم من إرث شامبليون؛ والماضي الفرنسي من الاستعمار والهيمنة على الحضارة المصرية بدون وجه حق.
هذه الرؤية الاستعمارية فسرها النشطاء في شكل وتصميم تمثال شامبليون المثير للجدل، والذي تظهر فيه قدم شامبليون على رأس فرعوني.
تاريخ فرنسا وبريطانيا الاستعماري المستمر
وبحسب موقع Nile FM للإذاعة المصرية، فقد ذكر علماء الآثار أن التمثال يسلط الضوء على سرقة فرنسا لتاريخ مصر، وإهانة التراث الفرعوني، ولا شيء آخر.
حيث جلبت فرنسا بشكل غير قانوني، القطع الأثرية ضمن حملاتها الاستكشافية من خلال وزارة السياحة المصرية، التي كانت دائماً تحت سيطرة الفرنسيين خلال الاستعمار الممتد منذ (1798 وحتى 1801).
وتم عرض معظم الآثار والتحف المصرية القديمة في متحف اللوفر بدون مسوغ قانوني أو حتى اتفاقات رسمية مع السلطات المصرية صاحبة الشأن والملكية الأصلية للمحتويات.
لذلك يعتبر النشطاء على مواقع التواصل أن مواصلة نصب مثل هذه التماثيل المهينة كتمثال شامبليون ما هي إلا "جريمة ضد الإنسانية" تحتفي بتاريخ فرنسا في استعمار مصر واستغلالها، بحسب موقع Al-Monitor للأخبار الدولية.
وفي أكثر من مناسبة أرسلت مجموعات رسمية من علماء الآثار المصريين التماساً إلى وزارتي الخارجية والآثار يدينون فيه التمثال، ولكن بلا جدوى، ما يُعد "جانباً متناقضاً من إرث فرنسا للعالم".
إذ تعد فرنسا أحد أماكن ولادة مفاهيم الديمقراطية في العصر الحديث، ولكن الفلاسفة الفرنسيين اعتبروا أن الحرية والمساواة والديمقراطية كانت مخصصة للبيض، وأن المستعمرات مجرد لها أن تسترشد بهذه القيم.
وأدى هذا التناقض إلى قيام فرنسا والإمبراطورية البريطانية بإنشاء محميات ومستعمرات وانتداب في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والعالم، لا تزال تداعياتها مستمرة حتى يومنا هذا.