يعمل الجيش الأمريكي منذ سنوات على الاستعداد للعمل في بيئة صعبة، يُمنع فيها استخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ما يعني سيناريو قتالياً تُشوَّش فيه الملاحة والاتصال عبر نظام تحديد المواقع العالمي أو تُقاطَع أو تُختَرَق أو تُعطَّل. فلماذا تعمل الجيوش الحديثة على ذلك، وكيف يمكن لجنودها القتال كـ"العميان" في أرض المعركة؟
ماذا يعني فقدان نظام الملاحة (GPS) بالنسبة للجيوش؟
يقول تقرير لمجلة National Interest الأمريكية، إن العديد من المخططين العسكريين الأمريكيين افترضوا لسنوات أن إحدى الخطوات الأولى التي من المحتمل أن يحاول فعلها خصم قوة عظمى -مثل روسيا أو الصين- في الحرب، هي تعطيل أنظمة GPS الأمريكية.
وفي حالة تدمير هذه الأنظمة سيفقد الجيش الأمريكي قدرات الملاحة والاستهداف والاتصالات، بالإضافة إلى القدرة على تشغيل الأنظمة غير المأهولة المبرمجة لاتباع نقاط طريق GPS. لمواجهة هذا التحدي يعمل الجيش على تحديد طرق بديلة لإنشاء تقنيات تحديد المواقع والملاحة والتوقيت (PNT).
لكن كيف سيقاتل الجيش إذا أعماه هجوم تشويش ناجح على نظام تحديد المواقع العالمي؟ يكمن أحد الحلول في برنامج يسمى أنظمة توقيت الملاحة المؤكدة لتحديد المواقع (MAPS).
ومنح الجيش الأمريكي صفقة بقيمة 500 مليون دولار لشركة Collins Aerospace، للحصول على أنظمة MAPS في السنوات المقبلة. وفي حين أن بعض التفاصيل الفنية غير متوفرة لأسباب أمنية، يقول مقال من المكتب التنفيذي لبرنامج الجيش والاستخبارات والحرب الإلكترونية والمستشعرات، إن النظام يقدم وسائل حماية متطورة ضد التشويش.
يقول المقال: "تستخدم MAPS وسائل حماية محسّنة لمكافحة التشويش والانتحال لتوفير PNT مضمون للجنود على منصات الجيش في البيئات المتنازع عليها. توزع أنظمة MAPS تقنيات PNT على الأنظمة على متن الطائرة والعملاء الذين يدعمون الملاحة وقيادة المهمة والحرائق والمناورة".
ما أبرز الأسلحة التي يمكن استخدام التقنية الجديدة فيها؟
يتمثل النهج المتبع مع MAPS في تأمين أنظمة GPS، مع دمج تقنيات PNT الجديدة، لتوفير اتصال لا يعتمد على GPS. قال المقدم أندرو جونستون، مدير المنتج Mounted Assured PNT للمجلة الأمريكية: "تضمن أنظمة MAPS الوصول إلى نظام تحديد المواقع العالمي العسكري الحديث، وتدمج مصادر إضافية لـPNT، لتشمل تقنيات التوقيت والملاحة البديلة". وأضاف: "الهدف هو توفير قدرة تمكين حاسمة للعمليات متعددة المجالات والجيش بحلول 2030، ما يضع الظروف للجنود للقتال وتحقيق الفوز".
وتقول مجلة ناشونال إنترست، إنه من المنطقي أن يخطط الجيش لدمج أنظمة MAPS في المركبات القتالية التكتيكية والمصفحة، نظراً لمدى اعتماد تقنيات تتبع القوة المركبة على المركبات على نظام تحديد المواقع العالمي. تخطط الخدمة لوضع خرائط على دبابة أبرامز القتالية، ومركبة برادلي القتالية، وبالادين هاوتزر، ومركبة سترايكر القتالية وهامفي.
أفاد الجيش أيضاً أنه سيستخدم MAPS مع دفاع جوي قصير المدى، وقدرة حماية غير مباشرة من الحرائق، وكلاهما يتطلب تتبعاً دقيقاً لتهديدات العدو القادمة والقدرة على إطلاق صواريخ اعتراضية حركية.
روسيا اختبرت تشويش أنظمة الملاحة التابعة لحلف الناتو
في عام 2020، اتهم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، روسيا بالتشويش على إشارات GPS، خلال تدريبات عسكرية في النرويج. وحينها قالت الحكومة النرويجية إن التشويش جاء من شبه جزيرة كولا، الواقعة في مقاطعة مورمانسك الروسية، ولكن تلك المرة الأولى التي تشوش فيها روسيا على أنظمة الناتو، حيث اتهمت النرويج أيضاً موسكو بذلك خلال مناورة "زاباد" العسكرية الروسية عام 2017.
ومع تدهور العلاقات بين موسكو وحلف شمال الأطلسي خلال العقد الماضي، اكتسبت أنظمة الملاحة الروسية GLONASS أهمية استراتيجية دفاعية-هجومية جديدة لروسيا. حظر الكرملين نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على الأراضي الروسية في عام 2014، مشيراً إلى "مخاوف تتعلق بالأمن القومي"، نابعة من الخوف من أن أمريكا قد تخرب البنية التحتية الروسية المعتمدة على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
في الوقت نفسه، أنشأت روسيا بقوة شبكات GLONASS لتعزيز نفوذها في مناطق الصراع. في سوريا، يزعم الكرملين أنه تم استخدامه بنجاح لتنسيق التفجيرات الدقيقة ضد القوات المعارضة للأسد، مع تقليل الحاجة إلى وجود جنود روسيين على الأرض.
كما يسهّل نظام GLONASS على الجيش الروسي اتباع الإجراءات المضادة الإلكترونية (ECM)- مثل التشويش- ضد الطائرات بدون طيار المعادية، دون التأثير سلباً على حلفائهم في النظام السوري.
ويعد نظام GLONASS أكثر من مجرد بديل تقني، هو بالنسبة لموسكو بديل استراتيجي وثقل موازن لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS). في هذا السياق يتضح أن إنشاء محطات GLONASS هو جزء أساسي من مشروع بناء النفوذ الروسي في القطب الشمالي.
أنظمة تحديد مواقع روسية بديلة لـGPS الأمريكي
وتعتبر روسيا أن جهودها لتطوير ونشر نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية الخاص بها كقوة موازنة لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS). ووُلد نظام GLONASS، أو "النظام العالمي للملاحة الساتلية"، كمشروع سوفييتي في سبعينيات القرن الماضي، لإنشاء نظام ملاحة فضائية قائم على الأقمار الصناعية، في سياق سباق الفضاء المستمر في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
قوبلت هذه الجهود ببعض النجاح التقني، وتم إطلاق أكثر من عشرين قمراً صناعياً GLONASS خلال العقد التالي. نافست GLONASS نظيرتها الأمريكية في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) بحلول عام 1990، ولكنها سقطت بسبب نقص التمويل بعد الانهيار السوفييتي.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهتماماً نشطاً بتحديث GLONASS، للوصول إلى التكافؤ مع التطورات التي حققها نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). أدى ذلك إلى تقديم GLONASS-M الذي يدوم طويلاً، ليليه نظام GLONASS-K المحسن بشكل أكبر. وفي عام 2015 تم الانتهاء رسمياً من نظام GLONASS، وفقاً لمواصفات وزارة الدفاع الروسية.
تم بناء GLONASS وGPS على مبادئ تصميم مماثلة، وبالتالي يتمتعان بتكافؤ تقريبي في الأداء في معظم حالات الاستخدام المعاصرة. في حين أن GLONASS تفتخر بدقة أفضل قليلاً على ارتفاعات عالية، فإن ضعفها الحالي الرئيسي هو النقص النسبي في المحطات في مناطق معينة. علاوة على ذلك، يتمثل العيب الرئيسي في إنتاج أقمار GLONASS الصناعية في الاعتماد المفرط على المكونات الأجنبية، وهو مصدر قلق أمني تأمل روسيا في معالجته في العام 2022، بإصدار نسخة GLONASS-K2.