في عام 1966 وأثناء حرب فيتنام، أعلن وزير الدفاع الأمريكي روبرت ماكنمارا، عن مبادرة جديدة تسمى "مشروع 100 ألف"، يدعو المشروع لقبول تجنيد المتطوعين أو التجنيد الإلزامي، لأولئك الذين كانوا لا يستوفون معايير التجنيد في اختبار القدرات العقلية والجسدية، للانضمام للجيش الأمريكي، بمعدل 100 ألف رجل سنوياً.
وأوضح ماكنمارا أن هؤلاء الرجال سيتم تزويدهم بتدريب إضافي ودعم تعليمي أو مهني من أجل تحويلهم إلى أفراد فعالين، وبعد انتهاء فترة خدمتهم، سيتمتعون بمهارات تؤهلهم لفرص العمل المستقبلية، وبذلك يرفعون مكانتهم الاقتصادية.
وكل ذلك كان جزءاً من خطة رئيس أمريكا حينها ليندون جونسون، للقضاء على الفقر، لكن الهدف الحقيقي لمشروع "100 ألف"، لم يكن له اي علاقة بمحاربة الفقر أو توفير الفرص، وما حدث بعد ذلك على الجبهات في حرب فيتنام كان كارثة بكل المقاييس.
حرب فيتنام تحتاج المزيد من الجنود
مع احتدام الحرب في فيتنام عام 1964، بدأ عدد الرجال المتطوعين أو الذين يتم تجنيدهم إجبارياً في الجيش الأمريكي ينخفض؛ لذلك أمضى الرئيس الأمريكي حينها ليندون جونسون، ووزير الدفاع روبرت ماكنمارا، عامين في محاولة إقناع كل من الكونغرس والبنتاغون، لتغيير متطلبات القدرات المطلوبة للانضمام للقوات المسلحة.
بحلول عام 1966، رضخ المسؤولون في البنتاغون والكونغرس لجونسون وماكنمارا، اللذين أعلنا عن خطتهما المسماة مشروع "100 ألف" وكانت حجة ماكنمارا وجونسون أن الخطة تهدف إلى تجنيد الشباب والمتطوعين "دون المستوى المطلوب"، من "خلفيات فقيرة" لتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
ومع اتخاذ قرار تخفيض المتطلبات في اختبارات القدرات العقلية والبدنية، توافد الآلاف من المتطوعين الطامحين لتحسين وضعهم الاقتصادي بعد انتهاء خدمتهم، وتم تجنيد غيرهم ممن أصبحت الشروط تنطبق عليهم الآن.
كان البعض يعانون من إعاقات جسدية، وكانت هناك حالة مؤكدة لتجنيد شخص مصاب بالتوحد، والبعض الآخر يعانون من زيادة أو نقص الوزن، والعديد منهم يعانون من ضعف القدرات العقلية لدرجة كبيرة، وكان بعضهم لا يجيد القراءة والكتابة، بل في بعض الأحيان من المهاجرين الذين لا يتحدثون الإنجليزية بشكل جيد.
أجرى المسؤولون عن التجنيد الاختبارات نيابة عنهم، وكان تزوير نتائج الاختبار ممارسة شائعة، وكان موظفو التجنيد يائسين للغاية، لدرجة أنهم كانوا سيوقعون على قبول الأسماء وتزوير الأوراق لجنود مشروع "100 ألف" الذين لم يتمكن بعضهم من كتابة اسمه.
وبمجرد انضمامهم إلى الجيش الأمريكي، تم التعامل مع جنود "مشروع 100 ألف" مثل أي جندي آخر؛ وإرسالهم للجبهات، على الرغم من تعثرهم في برامج التدريب العسكري، ووجود العديد من التقارير الشهرية، عن النتائج السيئة وأدائهم المتعثر في فترة التدريب.
حتى إن بعض الجنود لم يستطيعوا إنهاء الركض في ميدان التدريب، لأنهم ارتبكوا من الأسهم التي كانت تهدف إلى توجيههم في الاتجاه الصحيح.
النتائج الكارثية لمشروع "100 ألف" في الجيش الأمريكي
بين عامَي 1966 و1972، تم قبول حوالي 350 ألف رجل، ضمن مشروع "100 ألف" في الجيش الأمريكي، وعلى عكس تزوير نتيجة التدريب، فإن القتال على الأرض في "حرب فيتنام" ليس شيئاً يمكن تزويره.
نتيجة لذلك فقد قُتل 5478 جندياً من مشروع "100 ألف"، بنسبة تعادل ثلاثة أضعاف الجنود العاديين، وأصيب نحو 20 ألف بجروح من بينهم 500 تم بتر أحد أطرافهم.
ولم يكن جنود مشروع "100 ألف" يمثلون خطراً على أنفسهم فحسب، لكن وجود جنود لا يفهمون حتى الأوامر الأساسية يشكل خطراً على كل من حولهم.
في إحدى المرات، قُتل ضابط على يد جندي منهم؛ لأن الضابط حاول الدخول للقاعدة العسكرية، بعد أن أعطى كلمة المرور، لكن الجندي أصيب بالارتباك وأطلق النار وقتل الضابط، وفي حالات أخرى أهملوا التعامل مع البنادق بالشكل الصحيح، فيتسببون في مقتل زملائهم عن طريق الخطأ.
كانت الشكوى الشائعة بين الجيش الأمريكي هي أن جنود المشروع "100 ألف" تخلوا عن مواقعهم، وأظهروا القليل من الفهم لكيفية التصرف في جبهات القتال.
وصف أحد المحاربين القدامى تجاربه في القتال إلى جنبهم قائلاً: "تحدثوا بصوت عالٍ للغاية وأحدثوا الكثير من الضجيج أثناء التنقل، ولم يعرفوا ما يجب أخذه في الأدغال أو حتى كيفية ارتدائه بشكل صحيح، ولم يتمكنوا من الاستجابة لأوامر القتال الأساسية، وأطلقوا الكثير من الذخيرة".
وليس هذا فقط تعرض جنود مشروع "100 ألف" للإهانة أو الأذى من بقية الجنود، وصلت إلى حد دفعهم إلى مقدمة تشكيلات جنود الجيش الأمريكي في أدغال فيتنام، ليصبحوا كبش فداء في حال وجود أي كمين أو حقول ألغام أو فخاخ من المقاومة الفيتنامية.
التسريح من الجيش الأمريكي والعودة للوطن صدمة أخرى
عام 1971 بدأت وزارة الدفاع الأمريكية في إنهاء البرنامج تدريجياً، وبالنسبة لأولئك الذين نجوا من الحرب، كانت الظروف التي تنتظرهم، أسوأ من تلك التي قبل انضمامهم للجيش، على عكس وعود الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع، لتحسين ظروفهم الاقتصادية.
بسبب سوء أدائهم في الجبهات وأخطائهم المتكررة، تم تسريح 180 ألف جندي منهم بشكل "غير مشرف"، وهذا يعني عدم حصولهم على أي منافع من الجيش بعد انتهاء الخدمة، بما في ذلك المساعدة في الإسكان والرعاية الصحية والاستشارات الوظيفية، مما أدى بالعديد منهم إلى البطالة، وفي بعض الحالات أصبحوا بلا مأوى.
وحتى أولئك الذين حصلوا على عمل، كسبوا أقل من أقرانهم، وكانوا أكثر عرضة للطلاق، وأصيب الكثيرون منهم بصدمات نفسية من القتال، آخرون تأثروا سلباً بالمعاملة القاسية والمسيئة التي تلقوها من زملائهم في الخدمة أثناء وجودهم في الجيش.
ومع ذلك، رفض وزير الدفاع الأمريكي روبرت ماكنمارا الاعتراف بمشاكل وعواقب مشروع "100 ألف"، لكنها بقيت مسجلة على أنها واحدة من عدد من الإخفاقات الأمريكية في حرب فيتنام.