مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لتوقيع اتفاقيات التطبيع بين دول خليجية وإسرائيل، والتي عرفت بـ"اتفاقيات أبراهام"، لم تتحقق بعدُ واحدة من أهم الصفقات الجانبية المرتبطة بتطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع دولة الاحتلال: وهي صفقة بيع طائرات إف-35 الشبحية لدولة الإمارات. فما الأسباب وراء ذلك؟
لماذا لا تزال صفقة طائرات إف-35 الإماراتية معلّقة؟
ظلت صفقة طائرات إف-35 معلقةً، منذ ديسمبر/كانون الأول 2020، نتيجة القلق حيال التفوق العسكري النوعي للاحتلال، والعلاقات الخليجية مع الصين. حيث أشرفت إدارة ترامب في أشهرها الأخيرة على المفاوضات بين الولايات المتحدة والإمارات، حول صفقة بيع تشمل 50 طائرة إف-35 مقاتلة، و18 طائرة إم كيو-9 ريبر المسيرة، وذخائر متقدمة بقيمة نحو 10 مليارات دولار من إنتاج شركات Lockheed Martin وGeneral Atomics وRaytheon.
وكان من شأن هذه الصفقة "التاريخية"، كما تصفها صحيفة Haaretz الإسرائيلية، أن تجعل الإمارات العربية المتحدة أول دولةٍ عربية تحصل على مقاتلات إف-35 وطائرات ريبر المسيرة، ما أثار التساؤلات الفورية حول تأثير ذلك على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة، وهو التفوق المنصوص عليه بموجب القانون الأمريكي.
وتمتلك إسرائيل في ترسانتها حالياً 50 مقاتلة إف-35 لايتنيغ الثانية من تصنيع Lockheed Martin. بينما تسعى الإمارات لشراء طائرات إف-35 منذ سنوات طوال.
وأثارت عملية البيع المقترحة ردود أفعال متضاربة من جانب مسؤولي الاحتلال، حيث نفى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال آنذاك، وجود أي علاقة مباشرة بين صفقة بيع الأسلحة وبين التطبيع الإسرائيلي-الإماراتي في البداية.
لكن نتنياهو ووزير دفاعه بيني غانتس قالا بعد شهرٍ من التطبيع، إنهم لن يعارضوا عملية البيع، لأن الولايات المتحدة ستضمن الحفاظ على التفوق العسكري النوعي للاحتلال. ثم زعم غانتس وغيره من مسؤولي الاحتلال الأمنيين لاحقاً أنهم لم يعلموا بتفاصيل المفاوضات الجارية.
بينما أعلنت إدارة ترامب أنها ستمضي قدماً في الصفقة، للمرة الأولى، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، قبل شهرين من توقيع الاتفاق رسمياً في آخر أيام ترامب بالمنصب. لكن إدارة ترامب قررت مراجعة الصفقة رسمياً بعد توليها المسؤولية، وتركتها معلقةً حتى أبريل/نيسان من عام 2021.
ما علاقة الصين بعرقلة هذه الصفقة؟
بُعيد ذلك بدأ مسؤولو الولايات المتحدة في التعبير عن مخاوفهم خلال تلك الفترة، عبر تسريبات وسائل الإعلام، التي تحدثت عن ازدهار العلاقات الإماراتية مع الصين.
وربما كانت المشكلة الأكثر إلحاحاً بالنسبة للأمريكيين هي استخدام شبكات الجيل الخامس من شركة هواوي داخل الإمارات، بعد اتفاق البلدين على إنشائها عام 2019. وتخشى الولايات المتحدة أن بناء شبكة الهاتف المحمول المتطورة، التي تضم مئات الأبراج الخلوية، بالقرب من قواعد طائرات إف-35 قد يساعد الصين في تعقب وجمع المعلومات الاستخباراتية المرتبطة بالمقاتلات سراً.
وازداد تقارب العلاقات بين الصين والإمارات أكثر إبان جائحة كوفيد-19. إذ اتفق البلدان على بناء مصنع لإنتاج لقاح سينوفارم، كما ستستخدم الإمارات التطبيقات الصينية لإدارة وتتبع عمليات التطعيم.
وطالبت إدارة بايدن بضمانات على ألا تنقل الإمارات أي مواد مرتبطة بالتكنولوجيا العسكرية الأمريكية إلى الصين أو إلى أي طرفٍ ثالث، مع ضمان الحفاظ على التفوق العسكري النوعي للاحتلال، والتعهد بعدم استخدام الأسلحة المذكورة في الحروب الجارية داخل اليمن وليبيا.
وردت الإمارات قائلةً إنها تتمتع بسجل موثوق على صعيد حماية التقنيات العسكرية الأمريكية، لكن المفاوضات ظلت جاريةً بعد شهر أبريل/نيسان، وامتدت طوال صيف عام 2021. وبدأت خيبة الأمل تكبر داخل الإمارات في الوقت ذاته، لأن الولايات المتحدة تملي عليها استخدامها للأسلحة بطريقة يمكن اعتبارها تعدياً على سيادتها.
ثم قالت الولايات المتحدة إنها تنوي المضي قدماً في الصفقة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لكن الإمارات يجب أن تبرهن على فهمها للالتزامات الضرورية قبل وأثناء وبعد تسليم الطائرات. وبعد شهرٍ واحد، أبلغت الإمارات الأمريكيين بأنها ستُعلّق المحادثات مؤقتاً، بحجة "المتطلبات الفنية، والقيود التشغيلية المرتبطة بالسيادة، وتحليلات التكلفة مقابل الفائدة".
وبعد تجميد المحادثات بوقت قصير، وقعت الإمارات صفقةً بقيمة 19 مليار دولار مع فرنسا لشراء 80 مقاتلة رافال، لتسير على نهج دول مثل منافستها قطر واليونان ومصر وكرواتيا، لكن الصفقة الجديدة ليست بديلاً عن مقاتلات إف-35 بالنسبة للإمارات، بل هي ضمانة تحوّط وإشارة على نفاد صبر الإمارات وشكوكها حول نهج بايدن في التعامل مع الشرق الأوسط.
هل تتحرك صفقة الطائرات الشبحية الآن؟
تقول صحيفة هآرتس، إنه إذا تحركت الصفقة بعد تجميدها المطول، فسوف تطالب الولايات المتحدة على الأرجح بمعلومات حول المشتريات العسكرية الإماراتية المستقبلية. وبجانب قلقها حيال العلاقات الإماراتية-الصينية، فمن المرجح أن تكون الولايات المتحدة قلقةً للغاية أيضاً حيال شراء الإمارات لأنظمة الدفاع الجوي الروسية بانتسير-إس1.
لكن بايدن أعاد تقويم علاقاته مع الخليج بصورةٍ واضحة على مدار الأشهر الماضية، ليكللها بزيارته لقمة الخليج في جدة بالمملكة العربية السعودية، شهر يوليو/تموز الماضي. وسلط الرئيس الأمريكي الضوء على العلاقات الثنائية الأمريكية-الإماراتية أثناء زيارته، والتي يعتبرها المسؤولون الأمريكيون ضروريةً في مواجهة أزمة الطاقة العالمية التي أثارها الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وجاء نص اجتماع الرئيس الأمريكي بنظيره الإماراتي محمد بن زايد "ليؤكد على التزامهما بتعميق التعاون الأمني المكثف، الذي زاد البلدين أماناً، وأسهم بشكلٍ رئيسي في سلام واستقرار المنطقة". ولا تزال الإمارات في الوقت ذاته ملتزمةً تجاه الولايات المتحدة، باعتبارها شريكتها الأمنية الرئيسية.
وبعد زيارة بايدن للشرق الأوسط، وافقت وزارة الخارجية على صفقة محتملة بقيمة 2.2 مليار دولار لبيع صواريخ أنظمة ثاد، ومحطات التحكم في الحرائق والاتصالات، وغيرها من المعدات المرتبطة. ثم أخطرت الوزارة الكونغرس بشأن الصفقة، فهل يحرك ذلك صفقة الطائرات الشبحية؟.