بينما تتعرض أوروبا لخطر التجمد برداً بسبب وقف إمدادات الغاز الروسي، وارتفاع أسعار النفط، بينما لا تجد إيران من يشتري نفطها وغازها الوفيرين، في مشهد مأساوي للجانبين، ولكنه مفيد تماماً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدما أدت السياسات الأمريكية إلى منع تدفق الغاز الإيراني إلى الأسواق الدولية وبصورة أقل النفط.
فمع استمرار الصراع في أوكرانيا، قررت الحكومة الروسية تسديد ضربة موجعة للأوروبيين من خلال استهداف إمدادات الغاز الطبيعي. وأعلن الكرملين مؤخراً أنه سيغلق خط أنابيب نورد ستريم 1 الحيوي حتى يرفع الغرب العقوبات عن روسيا.
ويتوقع أن تمر أوروبا بشتاء قاسٍ للغاية. فقد تزامنت هذه الخطوة مع ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا بالفعل وشعور المستهلكين والشركات بالأزمة. والآن، تواجه القارة احتمالاً شبه مؤكد لتقنين الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي خلال الأشهر الأبرد في العام، حسبما ورد في تقرير لموقع The Intercept الأمريكي.
ويحذر السياسيون من احتمالات اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسي هائلين في الاتحاد الأوروبي، وهو سيناريو يحلم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تسعى حكومته إلى معاقبة حلفاء أوكرانيا على دورهم في الحرب.
ومع بحث الدول الأوروبية اليائس عن طريقة لاستبدال إمدادات الطاقة الروسية، هناك من الناحية النظرية منتج رئيسي واحد للغاز الطبيعي يمكن أن تساعد احتياطياته في تهدئة الأسواق العالمية إذا أمكن الاستفادة منها؛ وهي جمهورية إيران الإسلامية، حسب موقع The Intercept الأمريكي.
إيران لديها ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم، وها هي تلوح به لأوروبا
وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، على الرغم من أنَّ إمدادات الغاز الإيراني مقطوعة حالياً عن السوق بسبب العقوبات الأمريكية.
ووسط المحادثات الجارية في فيينا لرفع العقوبات مقابل فرض قيود على برنامج إيران النووي -التي، إذا نجحت، ستجعل النفط والغاز الإيرانيين نظرياً في متناول العالم مرة أخرى- يلوح السياسيون الإيرانيون إلى ازدياد إلى قدرتهم على تخفيف أزمة أوروبا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كناني، في مقابلة مؤخراً: "نظراً لمشكلات إمدادات الطاقة في أوروبا الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، يمكن لإيران أن توفر احتياجات أوروبا من الطاقة إذا رُفِعَت العقوبات المفروضة عليها".
وأدلى مستشار فريق المفاوضات الإيراني في فيينا، محمد مراندي، بتصريحات مماثلة لقناة الجزيرة الأسبوع الماضي، وربط بين أزمة الطاقة في أوروبا والعقوبات المفروضة على إيران، مضيفاً أنَّ "إيران تريد صفقة، لكن الأوروبيين بحاجة إلى اتفاق". كما ألقى ماراندي الضوء بانتظام، على الشبكات الاجتماعية، على التفاوتات المتزايدة بين أوروبا والولايات المتحدة، فيما يتعلق بالحصول على الطاقة نتيجة للأزمة.
ولكنها لا تستطيع استخراجه أو تصديره
ومع ذلك، هذه المزاعم بأنَّ إيران يمكن أن تتدخل بسرعة لحل مشكلات أوروبا مبالغ فيها إلى حد ما. إذ على الرغم من أنَّ إيران لديها احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، لكنَّ خط الأنابيب والبنية التحتية اللازمين لشحن الغاز الإيراني غير موجودين في الوقت الحالي لتصديره إلى أوروبا.
لتوضيح الأمر ببساطة، لا يوجد زر يمكنه بضغطة واحدة توصيل إمدادات الغاز الإيراني سريعاً إلى أوروبا ومساعدتها على التأقلم مع الشتاء القادم.
بيّد أنَّ هناك جزءاً صغيراً من هذه المزاعم الإيرانية حقيقي؛ فالولايات المتحدة مسؤولة جزئياً عن مأزق أوروبا، وفقاً لتقرير موقع The Intercept .
فالعلاقة بين أزمة الغاز في أوروبا وإخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمفاوضات الجارية الآن في فيينا؛ حسب الموقع الأمريكي.
والمفاوضات الحالية التي هي في حد ذاتها مجرد محاولة لإنقاذ صفقة نووية كانت قائمة بالفعل قبل 7 سنوات. وكانت تلك هي الصفقة التي تستطيع المساعدة في تخفيف آلام أوروبا الحالية.
الغاز الإيراني كان يمكن أن يكون بديلاً للروسي بالسوق الأوروبي
على الرغم من أنَّ إيران اليوم تفتقر إلى البنية التحتية لخطوط الأنابيب لربط إمدادات الغاز الطبيعي بالأسواق الأوروبية، فقد كانت هناك فرصة لتطوير تلك الوسائل بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
وكان خبراء الطاقة الأوروبيون في ذلك الوقت، يتحدثون بالفعل عن فوائد فتح طريق جديد يضمن تدفق الغاز الإيراني للأسواق الدولية، وهو مسار كان من شأنه مساعدة أوروبا على تنويع إمداداتها على المدى الطويل وفطمها عن التبعية الروسية.
لكن لم يتحقق الاستقرار السياسي اللازم لمثل هذه التطورات، وهنا يأتي دور الولايات المتحدة، حسب الموقع الأمريكي.
فعقب التوصل إلى الاتفاق النووي الأصلي في يوليو/تموز 2015، كان من شأن تأكيد التنفيذ الكامل للاتفاق في يناير/كانون الثاني 2016 أن يطلق الغاز الإيراني إلى أسواق التصدير.
ولكن بعد 5 أشهر، انتُخِب ترامب، وصار من الواضح للإيرانيين أنَّ الاتفاق النووي لم تعد قيمته تتجاوز الورقة التي كُتب عليها.
ومن خلال مشاهدة هذه الأحداث، أدرك العالم بسرعة أنَّ إمدادات الطاقة الإيرانية لن تكون موثوقة؛ الأمر الذي منح الدول الأخرى حافزاً ضئيلاً لمساعدة إيران في بناء بنيتها التحتية للغاز الطبيعي.
وبحلول الوقت الذي انسحب فيه ترامب من الصفقة بالكامل في عام 2018، صار توصيل إمدادات الغاز الطبيعي الإيراني محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للمستثمرين الأوروبيين.
فبسبب الرئيس المتقلب وأنصار سياسات الأمن القومي المتشددة في واشنطن، الذين لم يبالوا تماماً بالمخاوف الأوروبية، ضاعت تلك الفرصة لرسم مسار مختلف لعالم الطاقة اليوم، حسب الموقع الأمريكي.
وبذلك، فإنَّ التصرفات الأمريكية المتهورة في الشرق الأوسط على مر السنين عملت على تقييد يدي أوروبا، ومنعها من تطوير سياسة للطاقة مستقلة من شأنها السماح لها بمقاومة التنمر من روسيا الذي تعامي منه اليوم.
ولو سُمِح للصفقة بالازدهار، دون الإشارة الواضحة بعد أقل من عام إلى انهيارها الوشيك، لربما كانت البنية التحتية للغاز الطبيعي الإيراني موجودة الآن.
والنتيجة أدت العقوبات الأمريكية إلى تعزيز سيطرة روسيا على سوق الغاز الأوروبي بل والعالمي، وبينما كان دافع العقوبات الأمريكية على إيران ينبع من أن طهران تمثل خطراً على المصالح الغربية في الشرق الأوسط، فإن روسيا تبين أنها تمثل خطراً مباشراً على الغرب نفسه.
الأمر تكرر مع النفط ومع فنزويلا أيضاً
ولا يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي فحسب؛ إذ يمكن للنفط الإيراني أيضاً أن يخفف من تكاليف الطاقة في جميع أنحاء العالم، لكن النفط مقيد بالمثل بسبب العقوبات الأمريكية، رغم أن قدرة طهران على ضخ نفطها بالأسواق بسرعة أعلى كثيراً قدرتها على تصدير الغاز، حيث أن لديها طاقة إنتاج نفط معطلة، ولديها نفط مخزن في ناقلات عملاقة ينتظر رفع العقوبات.
ومع تأرجح الاقتصاد العالمي بالفعل على حافة الهاوية بسبب الحرب، يقول خبراء الطاقة إنَّ عودة احتياطيات النفط الإيرانية -التي يوجد لها بالفعل الكثير من البنية التحتية- يمكن أن تساعد في سد "فجوة بحجم روسيا" في الأسواق العالمية.
ولكن احتمال عودة النفط أو الغار الإيراني للأسواق تتراجع مع تضاؤل الآمال مجدداً في إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
كما ساهمت الولايات المتحدة في تعزيز مكابنة روسيا في سوق النفط، أيضاً عبر فرضها عقوبات على فنزويلاً، التي لديها أكبر احتياطي نفطي في العالم.
وهكذا ساهمت السياسات الأمريكية هذه في جعل بوتين زعيماً للنفط والغاز في العالم، وهو الأمر الذي تدفعه ثمنه أوروبا الآن أكثر من غيرها.