هل تستطيع إسرائيل “إسكات” المقاومة بالضفة الغربية قبل الانتخابات، أم أن العكس أكثر احتمالاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/11 الساعة 10:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/11 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
قوات الاحتلال الإسرائيلي تطلق الرصاص على الفلسطينيين / الأناضول

ترى الصحافة العبرية أن إسرائيل غيرت في الأشهر الأخيرة استراتيجية التعامل مع الضفة الغربية المحتلة، ويتساءل الإسرائيليون إذا ما كانت محاولات الجيش لإخماد "النيران" تؤدي لنتيجة عكسية؟

ومنذ إعلان قيام إسرائيل عام 1948، مثلت الأساطير والرواية جزءاً رئيسياً من الوجود الإسرائيلي ذاته، من الجيش الذي لا يقهر إلى الأمن الذي لا يمكن اختراقه، وفي هذا السياق تريد الحكومة الإسرائيلية الحالية أن "تُسكت" تماماً أي صورة من صور المقاومة من جانب الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

وعلى سبيل المثال، خرجت إسرائيل، بعد أربعة أشهر، بنتائج "تحقيقها"، الذي يبدو وكأنه "اعتراف" بمسؤولية جيش الاحتلال عن قتل شيرين أبو عاقلة، فقال جيش الاحتلال، الإثنين 5 سبتمبر/أيلول 2022، إن التحقيقات الإسرائيلية في مقتل صحفية قناة الجزيرة خلصت إلى أنه من المحتمل أن يكون جندي إسرائيلي قد أطلق عليها الرصاص دون قصد، لكن لم يتم استهدافها عمداً.

ماذا تقول إسرائيل عن سياستها في الضفة؟

صحيفة Haaretz الإسرائيلية نشرت تحليلاً عنوانه "هل إسرائيل تُخمد النيران في الضفة الغربية، أم تؤججها؟"، رصد كيف أن إسرائيل تنتهج منذ سنوات سياسة محاربة ما تراه "إرهاباً" في الضفة الغربية (المحتلة)، بطريقة "جز العشب": فالاعتقالات والاستجوابات المستمرة وجمع المعلومات الأمنية التي يتبعها اعتقال الأشخاص المطلوبين هي الطريقة الوحيدة لإحباط الجزء الأكبر من "الهجمات الإرهابية".

توصيف إسرائيل للمقاومة الفلسطينية على أنها "إرهاب" ليس جديداً بطبيعة الحال، لكن حقيقة الأمر هي أن الرواية الإسرائيلية، ورغم الدعم غير المحدود من منصات التواصل الاجتماعي الأمريكية، لم تعد تجد آذاناً مصغية لدى أغلب دول العالم.

فمحاولات إسرائيل التنصل من جريمة قتل شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة، لم تنجح حتى الآن في إقناع حليفها الأكبر، الولايات المتحدة، برئاسة جو بايدن. كانت شيرين قد تعرضت للاغتيال بدم بارد برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي، أصابتها في الوجه مباشرة، بينما كانت تستعد مع مجموعة من المراسلين والإعلاميين لتغطية قيام قوات الاحتلال بمداهمة لمخيم جنين في الضفة الغربية، كما أظهرت مقاطع الفيديو التي صورت الجريمة.

وزير الدفاع، بيني غانتس / رويترز

وعلى الفور انطلقت الدعاية الإسرائيلية لمحاولة طمس معالم الجريمة، من خلال الزعم بأن مقتل أبو عاقلة، التي تحمل الجنسية الأمريكية، جاء نتيجة "تبادل لإطلاق النار" مع "مطلوبين أمنيين"، وهو الوصف الذي تستخدمه قوات الاحتلال للإشارة إلى الشباب الفلسطينيين، لكن لقطات الفيديو أظهرت مجموعة المراسلين، ومن بينهم أبو عاقلة، يرتدون الخوذ والسترات الواقية التي تحمل كلمة "صحافة/ Press" المميزة، ولا يوجد غيرهم في المشهد، وفجأة تعرضوا لإطلاق الرصاص لتُصاب شيرين أبو عاقلة بطلقة مباشرة في الوجه وتسقط أرضاً، فيما يبدو كعملية "إعدام" مرتبة، بحسب شهود العيان.

وبالعودة إلى تحليل هآرتس لِما يحدث في الضفة الغربية، نجد أنه خلال الشهرين الماضيين كانت معظم الاعتقالات في شمال الضفة الغربية تستهدف من أطلقوا النار على جنود إسرائيليين هناك، ومن البديهي أنه في كل مرة يظهر فيها الجيش لتنفيذ عملية اعتقال يحدث احتكاك يؤدي أحياناً إلى مقتل فلسطينيين، وهذا يغذي الرغبة في الانتقام، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية بطبيعة الحال.

فهل كل هذه التحركات الإسرائيلية ضرورية؟

هذا السؤال طرحته الصحيفة العبرية، مشيرة إلى نشر الجيش الإسرائيلي نتائج تحقيقاته في مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي قُتلت في مايو/أيار خلال عملية اعتقال في جنين.

ولأول مرة، اعترف الجيش أنه من المحتمل جداً أن أبو عاقلة قُتلت على يد جندي من وحدة دوفديفان السرية. وقوبل الإعلان الإسرائيلي بانتقاد فلسطيني، وطالبت وزارة الخارجية الأمريكية الجيش الإسرائيلي بالحد من نشاطه في الضفة الغربية.

ولكن في مساء اليوم الذي نُشر فيه الاعتراف الإسرائيلي "المضلل"، عادت قوات جيش الاحتلال إلى جنين لهدم منزل شاب فلسطيني قتل ثلاثة إسرائيليين في أبريل/نيسان.

إسرائيل
جنديان من القوات الإسرائيلية بالقرب من الضفة – رويترز

ووصف نير دفوري، من القناة 12 الإخبارية، هذا الحدث بأنه أكبر عملية عسكرية تنفذها إسرائيل منذ شهور، حيث دخل حوالي 400 جندي المدينة. وقُتل فلسطيني كان يصور تبادل النيران في بث مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي برصاص جنود. وبات واضحاً أن جهود إسرائيل المعلنة لإخماد النيران هي ما تؤججها أيضاً.

هذا هو توصيف الصحيفة الإسرائيلية لما ترتكبه قوات الاحتلال في الضفة الغربية بشكل عام، وفي مخيم جنين بشكل خاص، فما هو الدافع وراء تكثيف جيش الاحتلال الاعتداءات المتكررة هناك؟

هذا السؤال يشبه كثيراً التساؤلات التي أثارتها جريمة مقتل شيرين أبو عاقلة، ثم الاعتداء الإسرائيلي على جنازتها ومداهمة منزلها، فهل تلك الاعتداءات الإسرائيلية دليل على القوة، أم مؤشر على اليأس في مواجهة الفلسطينيين الرافضين الاستسلام للاحتلال كأمر واقع؟

كان موقع Middle East Eye البريطاني قد نشر، في أعقاب مقتل أبو عاقلة واعتداءات إسرائيل على جنازتها، تحليلاً عنوانه "إسرائيل القوية لا تشعر بالأمان، لهذا لن تسمح للموتى بأن يرقدوا في سلام"، عَقَد مقارنة بين إسرائيل 2022 وإسرائيل عام 2001 خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

رصد التحليل مقارنةً بين جنازة فيصل الحسيني، وزير شؤون القدس في السلطة الفلسطينية والمسؤول البارز بمنظمة التحرير الفلسطينية، ووصول جثمانه إلى مثواه الأخير في يونيو/حزيران عام 2001، حيث انطلق موكب الجنازة من المقاطعة في رام الله، ليشق طريقه إلى المسجد الأقصى، مروراً بحاجز قلنديا.

وقتها تلفّح التابوت بالعلم الفلسطيني، الذي رفعه الناس على طول الطريق إلى مثواه الأخير، في أثناء مروره بين شوارع القدس الشرقية المحتلة وحتى مرقده الأخير في الأقصى.

الانتخابات في إسرائيل

تقول هآرتس إنه لا مناص من الاعتراف بأن السياسة لها دور فيما تقوم به القوات الإسرائيلية من مداهمات في الضفة الغربية المحتلة، إذ يستعد يائير لابيد، رئيس الوزراء، ووزير الدفاع بيني غانتس، للانتخابات، وأكثر ما يخشيانه أن يُنظر إلى أي خطوة ملموسة مع الفلسطينيين على أنها علامة ضعف وتوجه يساري. وفي الجوار يستعد زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو للانقضاض في حال وقوع أي هفوة.

وقائد الجيش أفيف موخافي، مثله مثل رئيس الأفرع الأمنية الأخرى، يدرك أن الإشراف السياسي ليس هو الأقوى، لذا فهو يتحرك باستقلالية، حتى علناً. وكثيراً ما يبدو أنه يسعى لإرضاء الرأي العام، وفي إسرائيل لا توجد إلا طريقة واحدة لتفعل ذلك: لا تتهاون مع "العرب"، بحسب الصحيفة العبرية.

"فهل يخمد الجيش النيران أم يصب الزيت عليها، سواء أكان ذلك عن قصد أم عن غير قصد؟ القادة السياسيون خائفون بعض الشيء، والقوى في الميدان تتصرف كالعادة، ودورة الدماء مستمرة"، بحسب تحليل هآرتس.

والنتيجة هي أن بعض التحركات تأتي من مستويات منخفضة تميل إلى العدائية دائماً. ولا يحتاج كوخافي أن يشرح ما يريده بالتفصيل، فهذه المستويات المتوسطة تقرأ أفكاره وتتصرف بناء على ذلك. وهكذا تبدو عملية موسعة في جنين، وتصاعُد التوترات في الحرم القدسي خلال الأعياد اليهودية المقبلة سيناريو محتمل.

الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت يائير لابيد/ GettyImages

يوم الأربعاء، 7 سبتمبر/أيلول، هبّت عاصفة خفيفة بين إسرائيل والولايات المتحدة. ففي أعقاب تحقيق الجيش في مقتل أبو عاقلة، قال الأمريكيون إنهم ينتظرون من إسرائيل أن تراجع قواعد اشتباك الجنود في الضفة الغربية. وردّ لابيد وغانتس بهجوم من شقين: لا أحد سيأمر قواتنا المقاتلة بأن تعرّض نفسها للخطر، وقائد الجيش وحده هو من يضع قواعد الاشتباك.

وتراجعت واشنطن سريعاً: وقال الأمريكيون إن هذا كان مجرد تصريح عام، وإنها لا تلزم الإسرائيليين بذلك. ولكن رغم الغضب الشديد في إسرائيل، فليس أكيداً أن تصريح الأمريكيين كان في غير محله، ففي النهاية لا تبدي واشنطن اهتماماً كبيراً بما يحدث في الضفة الغربية، ووسائل الإعلام غير مبالية (خصصت القناة 12 نصف دقيقة الأسبوع الماضي لتعلن نتائج تحقيق الجيش في وفاة الصحفية) والمحاكم لا تتدخل أبداً. وربما لن يضير الجيش أن يشعر أن أحدهم يراقبه.

الخلاصة هنا هي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمارس اعتداءاته في الضفة الغربية المحتلة بصورة غير مسبوقة دون تردد أو حساب لما قد تؤدي إليه تلك الاعتداءات، فالساسة الإسرائيليون يستعدون للانتخابات المقبلة، ويريد كل معسكر أن يظهر بصورة الأكثر قدرة على "إسكات" الفلسطينيين، فإلى أين تصل الأمور؟

تحميل المزيد