في فترة حكمها التي استمرت 70 عاماً، سافرت الملكة إليزابيث الثانية عبر العالم كما لم يسافر زعيم آخر قط، لكن يبدو أنها تخطت إسرائيل عن عمد، وخلال زيارتها للأردن في عام 1984، أقرب نقطة على الأراضي المحتلة، وجدت الملكة المستوطنات الإسرائيلية "محبطة" وطائرات سلاح الجو "مخيفة". فكيف كانت علاقة الملكة الراحلة إليزابيث مع إسرائيل؟
ما قصة امتناع الملكة إليزابيث عن زيارة إسرائيل؟
في عام 1986، كانت مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية، تزور إسرائيل. وتجرأ الصحفي في صحيفة Haaretz الإسرائيلية، ديفيد لانداو، الذي صار لاحقاً رئيس تحرير الصحيفة، على سؤالها متى ستزور الملكة تل أبيب؟ وردت "المرأة الحديدية" بالقول: "لكني هنا". وفي عام 2014، قبل فترة وجيزة من وفاته، حصل لانداو على "وسام الإمبراطورية البريطانية"، لمساهماته في العلاقات الإسرائيلية البريطانية، لكنه لم يسأل الملكةً مباشرة عن سبب امتناعها عن زيارة إسرائيل، كما تقول هآرتس.
تقول الصحيفة الإسرائيلية، إنه كلما سُئِل الممثلون البريطانيون الرسميون عن سبب مقاطعة الملكة لإسرائيل يأتي الجواب متلعثماً: "عندما يكون هناك سلام دائم في المنطقة". وهذا بالطبع لم يمنع الملكة من زيارة الدول العربية، لم تلغِ الملكة هذه المقاطعة طوال السنوات الـ70 التي اعتلت فيها العرش، على الرغم من كونها صاحبة أفضل سجل سفر بين زعماء العالم، إذ زارت أكثر من 120 دولة، وقطعت مسافة نحو مليون ميل (1.6 مليون كم) في جولاتها. وتساءل لانداو ذات مرة: "هل هناك دولة عضو أخرى في الأمم المتحدة تتعامل معها العائلة المالكة البريطانية بمثل هذا الازدراء المتسق والمدروس؟".
ويفسر مطلعون على هذه المسألة أنَّ وزارة الخارجية البريطانية هي التي تقرر مثل هذه الأشياء، وأنها تفعل ذلك بدافع نكاية مفترضة. ويرجع هذا إلى رغبة "الانتقام" من العمليات الإسرائيلية العنيفة ضد الانتداب البريطاني في فلسطين، وإقامة دولة على أنقاضها، من بين أسباب أخرى. بينما قال آخرون إنَّ البريطانيين يخشون استعداء العالم العربي؛ ولهذا السبب لن تُظهر الملكة وجهها هنا.
لكن لو أرادت ذلك حقاً لكان بإمكان الملكة زيارة المكان. وكتب لانداو في صحيفة Haaretz: "النتيجة المحزنة، والحتمية، هي أنها هي نفسها جزء من هذه المؤامرة البريطانية البغيضة لحرمان إسرائيل من تلك البقايا المزعجة للشرعية، التي في مقدور زيارةٍ ملكية منحها أو حجبها". وفي المقال الذي كتبه منذ أكثر من عقد من الزمان، دعا لانداو الملكة إلى "التخلص من الموانع الكريهة وإنهاء هذه المقاطعة"، حسب تعبيره.
العائلة المالكة لم تمتنع عن زيارة إسرائيل
لكن في الوقت نفسه، زار بعض أفراد العائلة المالكة البريطانية إسرائيل على مر السنين، لكن قصر باكنغهام دائماً ما بذل قصارى جهده، لتوضيح أنَّ الزيارة ليست ملكية ولا رسمية. وهكذا كان في عام 1994، عندما جاء الأمير فيليب لتسلم جائزة "صالحون بين الأمم" نيابةً عن والدته التي دُفِنَت في القدس.
وفي عام 1995، جاء الأمير تشارلز، أمير ويلز آنذاك، لحضور جنازة رئيس الوزراء إسحاق رابين. ولم يطرأ تغيير على هذا الوضع إلا في الذكرى السبعين لإعلان قيام إسرائيل الذي يوافق عند الفلسطينيين ذكرى النكبة، في عام 2018، عندما وصل الأمير ويليام في زيارة، وُصفت بأنها "رسمية"، حتى لو كانت بلا معنى.
وبعد ذلك بعامين، زار والده تشارلز، الذي يُتوَج ملكاً لبريطانيا الآن، إسرائيل لحضور منتدى الهولوكوست الدولي، الذي عقد بمناسبة مرور 75 عاماً على تحرير السوفييت لمعسكر أوشفيتز النازي. ومع ذلك، حافظت الملكة على مقاطعتها.
هل يحب جميع الإسرائيليين الملكة إليزابيث؟
في جميع الأحوال، تقول هآرتس إن "ليس كل الإسرائيليين يريدون مثل هذه الزيارة". كتب أحد المعلقين على موقع Haaretz على الإنترنت: "إليزابيث الثانية هي ابنة الملك جورج السادس، الذي شُنِق باسمه يهود يقاتلون من أجل الحرية، والملك الذي قطع أسطوله البحري طريق اللاجئين إلى أرض إسرائيل، ما أدى إلى موتهم. ابنة الجلاد غير مرحب بها في إسرائيل".
وذكر آخرون أحداثاً أخرى في ماضي عائلة الملكة إليزابيث، وخاصة عمها، الملك إدوارد الثامن، الذي تتضمن "قائمة خطاياه" التعاطف مع النازيين. في عام 2015، نشرت صحيفة التابلويد البريطانية The Sun فيلماً عائلياً من عام 1933، تظهر فيه الأميرة حينها، البالغة من العمر سبع سنوات وهي تلقي التحية النازية جنباً إلى جنب مع والدتها وأختها وعمها. وأعرب القصر عن خيبة أمله من انتشار اللقطات القديمة، لكنه امتنع عن شرح خلفية ذلك.
كانت أقرب نقطة من إسرائيل وصلت إليها الملكة في عام 1984، خلال جولة في الأردن. وقدمت خلال الزيارة بعض التعليقات التي اعتُبِرَت معادية لإسرائيل. ومن بين هذه التعليقات، ورد أنَّ الملكة انزعجت عندما حلّقت طائرات إسرائيلية في سماء المنطقة، بينما كانت تنظر إلى الضفة الغربية من الجانب الآخر من النهر. وتمتمت حينها: "كم هي مخيفة". وردت زوجة الملك حسين، الملكة نور: "إنه أمر فظيع". وفي وقت لاحق، عندما أُطلِعت على خريطة للضفة الغربية عليها علامات المستوطنات، قالت: "يا لها من خريطة مُحبِطة".
لكن علاقتها بإسرائيل "الودية" وقادتها لم تتأثر
لكن في الوقت نفسه، فإن عدم زيارة الملكة لإسرائيل لم يؤثر على دعمها للإسرائيليين وقادتهم والجالية اليهودية طوال فترة حكمها، كما يقول تقرير لصحيفة Times of israel. حيث تمتعت الملكة إليزابيث الثانية، "بعلاقة طويلة ودافئة" مع الجالية اليهودية البريطانية، منذ بداية حكمها عام 1952 وحتى سنواتها الأخيرة.
في مايو/آيار من عام 1952، بعد عدة أشهر فقط من وفاة والدها الملك جورج السادس، التقت الملكة بالحاخام الأكبر البريطاني وقادة الجالية اليهودية البريطانية. بعد شهر، كان مسؤولون يهود وكذلك السفيرة الإسرائيلية حاضرين في تتويجها في وستمنستر أبي.
وبمناسبة اليوبيل البلاتيني لها في يونيو/حزيران الماضي، كتبت ماري فان دير زيل، رئيسة مجلس النواب، لليهود البريطانيين، أن الملكة إليزابيث كانت "صخرة للأمة" وقد طورت "تاريخاً طويلاً من المشاركة مع الجالية اليهودية".
وطيلة عقودها كملكة للمملكة المتحدة، أقامت الملكة إليزابيث علاقات ودية مع شخصيات يهودية بارزة بالإضافة إلى علاقات ودية مع القادة الإسرائيليين وقامت بتكريمهم، رغم عدم زيارتها لتل أبيب.
واستضافت الملكة العديد من القادة الإسرائيليين في المملكة المتحدة على مدار عقود، وأقامت لهم استقبالاً خاصاً. وفي عام 2008، منحت الملكة إليزابيث الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز وسام مايكل وسانت جورج الفخري، في قصر باكنغهام.
وفي عام 2000، افتتحت الملكة أول نصب تذكاري دائم لبريطانيا لـ"محرقة اليهود"، كما عملت كراعٍ لصندوق يوم ذكرى الهولوكوست في المملكة المتحدة منذ إنشائه في عام 2005 حتى نقلته إلى الأمير تشارلز في عام 2015.