خلال الأيام الماضية تولت ليز تراس منصب زعيمة البلاد، لتحل محل رئيس الوزراء السابق المعرض للفضائح بوريس جونسون.
وهذا التغيير الجديد جاء نتيجة سقوط جونسون بعد سلسلة من الفضائح التي تسببت في سيل من استقالات كبار الشخصيات الحكومية، ما جعل جونسون غير قادر على التمسك بمنصبه، بعدها بدأت مسابقة جديدة واستمرت لشهرين داخل حزب المحافظين بزعامة جونسون لاختيار زعيم جديد. وظهرت ليزا تراس كفائزة واضحة لتصبح ثالث رئيسة وزراء في بريطانيا، ولترث بلداً يبدو أنه "يترنح من كارثة إلى أخرى" خاصة في الجانب الاقتصادي.
وجونسون، الذي فاز بواحد من أكبر التفويضات السياسية في عام 2019 بعد أن قاد المحافظين إلى أكبر أغلبية لهم في وستمنستر منذ فوز مارجريت تاتشر في انتخابات عام 1987، لم يستطع ترجمة فوزه إلى أجندة حكم فعالة. ولقد خلفته تراس في وقت اضطرابات كبيرة داخل الحزب وعلى الصعيد الوطني.
وريشي سوناك، الذي هزمته تراس، حصل في الواقع على دعم غالبية نواب حزب المحافظين. لكنه لم يستطع توليد الثقة بين أعضاء حزب المحافظين البالغ عددهم 1,60,000 فرد، الذين رأوه منفصلاً للغاية عن حياتهم اليومية. وإن دوره كمستشار خلال الوباء وعمليات الإغلاق وتأكيده على أنه يريد أن يكون مديراً مسؤولاً للمالية العامة، وبالتالي عدم الإعلان عن خفض ضريبي مثل منافسه جعله غير محبوب حقاً في رتبة حزب المحافظين.
وربما تكون تراس قد فازت بتقديم نفسها على أنها الوريثة المزعومة لتاتشر، ولكن نظراً لخلفيتها كعضو سابق في الديمقراطيين الليبراليين الذين أرادوا ذات مرة إلغاء النظام الملكي وأرادوا أيضاً البقاء في الاتحاد الأوروبي، فإن المحافظين التقليديين يشككون في قدرتها على توحيد الحزب بعد معركة قيادة مضطربة. كما استهدف السياسي البريطاني سوناك سياساتها الاقتصادية من خلال الإشارة إلى أنه يفضل خسارة سباق قيادة حزب المحافظين بدلاً من "الفوز بوعد كاذب".
التحدي الأكبر أمام ليز تراس
أعتقد أن ملف الاقتصاد سيكون التحدي الأكبر؛ حيث يمر الاقتصاد البريطاني بإحدى أصعب مراحله، فقد تجاوز التضخم 10%، ووصل الجنيه الإسترليني عند أدنى مستوياته مقابل الدولار الأمريكي منذ سنوات، وتضخم المستوى المعيشي لدى البريطانيين وسط إشارات على أن الاقتصاد البريطاني قد يدخل في حالة ركود في الأشهر المقبلة.
قد تكون رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة حريصة على إنعاش الاقتصاد من خلال خفض الضرائب، ولكن هناك خطر يلوح في الأفق من أن يؤدي ذلك إلى ضغوط تضخمية وتدمير المالية العامة. ولا تزال احتمالية حدوث اضطرابات اجتماعية عالية مع تحول الضائقة الاقتصادية إلى ضائقة مجتمعية أكبر. وليس من المستغرب أن يتم وضع خطط طوارئ من قبل شرطة المملكة المتحدة لإدارة الاضطرابات المدنية.
كما أن العامل الكبير وراء دوامة التضخم في المملكة المتحدة وخارجها هو الحرب في أوكرانيا، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة على مستوى العالم.
وفي عهد جونسون، كانت بريطانيا مؤيداً مبكراً وقوياً لجهود أوكرانيا لمقاومة الغزو الروسي.
أما تراس فقد وقفت بصفتها وزيرة الخارجية، بشكل مباشر وراء سياسة جونسون في أوكرانيا، حيث دعمت نقل الأسلحة الثقيلة إلى كييف بين تدابير أخرى. وأكدت من جديد دعمها لأوكرانيا، وتعهدت في وقت مبكر في سباق قيادة حزب المحافظين بأن أول مكالمة هاتفية لها مع زعيم أجنبي ستكون مع الزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
لكن الحرب والمتاعب الاقتصادية البريطانية تتقاطع بطريقة أخرى قد تثير مشاكل لرئيسة الوزراء الجديدة؛ فموقف تراس المتشدد قد يواجه تحدياً بسبب أزمة طاقة هذا الشتاء. كما نعلم أن البلدان في جميع أنحاء أوروبا تعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية، وأن هذه الإمدادات تتناقص بشكل مطرد منذ بدء الحرب.
وما قد يضاعف من مشاكل تراس هو حقيقة أن المملكة المتحدة في طريقها إلى الركود بحلول نهاية العام، وفقاً لبنك إنجلترا، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1٪ في الربع الثاني من هذا العام، ويعتقد المحللون أن الربع الثالث سيضع البلاد في ركود تقني.
ويبدو أن الكثير من الأشياء في المملكة المتحدة تفشل ببساطة في الوقت الحالي. وأوقات الانتظار لتلقي الرعاية الصحية هي الأطول في التاريخ الحديث، حيث تقول الجمعية الطبية البريطانية إن هذا يرجع جزئياً إلى أن الوباء وضع دائرة الصحة الوطنية تحت ضغط أكبر، ولكنه أيضاً بسبب نقص الموظفين وعدم كفاية التمويل. وهناك مشاكل مماثلة في التوظيف والتمويل في الرعاية الاجتماعية والمدارس والجامعات والحكومة المحلية.
وطوال هذا العام، أضرب عمال النقل والصحفيون والمحامون وعمال القمامة وعمال البريد. وفي العديد من الحالات، ألقى رؤساء النقابات باللوم على الحكومة لفشلها في تلبية مطالبهم وكسر الجمود.
وسيكون لهذه الإضرابات تأثير واضح على الإنتاجية والنمو الاقتصادي، وهو أمر تعهدت تراس بتحسينه في خطتها الاقتصادية.
بطبيعة الحال، تدخل تراس منصبها وسط وضع عالمي معقد. أوكرانيا لا تزال تحت الغزو الروسي، والصين لا تزال تهدد تايوان. ثم هناك فوضى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي لا تزال تسبب مشاكل كبيرة في كل من بريطانيا وخارجها، وأخيراً وفاة الملكة إليزابيث.
وتعرف تراس هذه المشاكل جيداً، لكنها قد تجد أن كونها رئيسة للوزراء يتطلب دبلوماسية أكثر مما أظهرته في كثير من الأحيان في دورها السابق، حيث اتخذت موقفاً متشدداً مع أوروبا وتجاه كل من روسيا والصين.
ويمكن القول إن الخطر الأكبر على تراس يأتي من نوابها المحافظين. حيث لم تحدد الكيفية التي تخطط بها لمعالجة أي من القضايا المذكورة أعلاه، وزملاؤها البرلمانيون بعيدون عن الثقة في أن لديها الإجابات.
وفي السر، يقول البعض إنها قد تُجبر حتى على ترك منصبها قبل الانتخابات المقبلة، ما يعني أن حزب المحافظين لديه 5 قادة منذ عام 2010. وإذا علمتنا السنوات الخمس الماضية أي شيء، فهو أن هذه يمكن أن تكون قبلة الموت لأي رئيس وزراء في منصبه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.