تبدو السيناريوهات لما هو قادم في مصر خطيرة، لدرجة أن جميع من في الشوارع يخشى مجرد الاقتراب منها أو تخيلها، لكنها تظل بادية في الأفق، حتى نظام الحكم نفسه يتنبأ بأيام سوداء قادمة، ويهيئ الشعب لها عن طريق أبواقه الإعلامية، مع محاولة فاشلة لإلقاء اللوم على الحرب الروسية- الأوكرانية وقبلها جائحة كورونا.
على الناحية الأخرى، يتوقع المعارضون لنظام "3 يوليو" انفجاراً شعبياً شبيهاً بثورة يناير 2011، لكنه أمر صعب الحدوث لسببين؛ أن المعارضة المصرية ليس لها وجود داخل مصر حتى يمكنها تطويع الانفجار أو توجيه الغضب الشعبي ليسلك مساراً سياسياً وتفاوضياً كما حدث في 25 يناير 2011. السبب الثاني هو أن انحياز الجيش للثوار في 25 يناير 2011 كان العامل الحاسم في الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، وهو موقف لن يتكرر نظراً لدخول وتوغل الجيش في الحياة السياسية والاقتصادية المصرية بشكل يجعله شريكاً واضحاً في الحكم وبالتالي يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الأوضاع.
لكن يبقى مسار الانفجار سيناريو قائماً ومحتملاً في ظل الضغط المتزايد على المصريين، لكنه سيكون عشوائياً، بلا رأس، وتكمن خطورته على مصر في عدم القدرة على تخيله، وقد تفلح الضربات الأمنية في إخضاعه، لكنها قد تؤدي أيضاً إلى تحوله لصراع أهلي، له أبعاد طبقية وسياسية.
وفي الحالتين سيتكبد الشعب المصري والدولة المصرية خسائر فادحة.
هل هذا الانفجار المرتقب نتيجة للأزمة الاقتصادية فقط؟
الحق أن الأزمة الاقتصادية ستكون السبب المباشر، ولكن السبب الرئيسي هو سياسات نظام الحكم المصري المستمرة منذ 2013 والقائمة على الاستبداد والقمع السياسي والاجتماعي.
ينتهج الرئيس السيسي منهجاً في الحكم قائماً على الصدام مع الطبقات المتوسطة والفقيرة للشعب المصري وتحميلها مسؤولية المشاكل الاقتصادية ومسؤولية حلها.
كذلك الإنفاق غير المدروس على مشروعات البنية التحتية، وعقد صفقات سلاح مليارية، واقتناء طائرات رئاسية فخمة وبناء قصور رئاسية، كلها أمور فاقمت من الاحتقان الشعبي. ناهيك عن التعامل الأمني والإعلامي المستفز الذي يصنف أي دعوة لمقاومة الفساد مهما كانت محدوديتها وبعدها عن العمل السياسي بأنها "إرهاب" ومحاولة انقلاب على الدولة، وآخرها كان اعتقال مُنظِّم حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتحسين سرعة الإنترنت في مصر!
خطورة هذا الأسلوب أنه أفقد الغالبية العظمى من الشعب المصري الأمل في إصلاح الأحوال طالما استمر هذا النظام في الحكم. وللأسف الشديد طوال السنوات الثماني الماضية لم يفلح داعمو النظام الدوليون والإقليميون في إثنائه عن هذا الأسلوب الذي يفاقم حالة الاحتقان المصاحبة للمشاكل السياسية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب المصري بشكل مستمر منذ أواخر عهد مبارك وحتى اليوم، والتي تسوء يوماً بعد يوم.
وحسب ما هو واضح، فإن قادة النظام الحالي ليسوا ممن يقبلون النصيحة أو يعملون بمشورة الغير، بل لا يقبلون بأي مساحة اختلاف معهم؛ لذا فمن الصعب أن يغيروا طريقة حكمهم، ولو حتى بشكل مرحلي حتى تمر الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم.
هل هناك ظواهر تؤكد حدوث انفجار شعبي قريب؟
أبرز ما يؤكد ذلك هو ما شهدته مصر في الشهر الأخيرة من جرائم قتل فردية أو جماعية غير مسبوقة وأغلب من قاموا بها أشخاص عاديون ليست لهم سوابق إجرام.
وانتشار جرائم القتل هو غالباً دليل على احتقان داخل المجتمع وتمهيد لحدث جلل.
لكن هل لا يدرك نظام الحكم المصري فداحة ما قد تسببه هذه الأزمة؟
المؤكد أنه يدرك، ولكنه يتعامل معها كأي نظام ديكتاتوري بمزيد من تشديد القبضة الأمنية، ويراهن على قدرتها على إسكات أي تذمر قد يحدث. وكذلك يراهن على عدم وجود قوى سياسية معارضة داخل مصر يمكنها الحشد ضده.
ولكن، كلا الرهانين غير مضمون بنسبة كبيرة؛ لأن القوة الأمنية لم تختبر في مواجهة حقيقية مع احتجاج شعبي قوي طوال فترة حكم الرئيس السيسي، ولأن عدم وجود قيادة للانفجار يمثل خطورة على النظام الحاكم أكثر مما لو كانت هناك قيادة يمكنها وضع مطالب وإتاحة الفرصة للتفاوض.
هل يمكن تفادي هذا الانفجار؟
نعم يوجد مساران يمكن من خلالهما تخفيف الاحتقان السياسي والاقتصادي وتفادي كارثية نتائجه، وكلا المسارين بيد الرئيس السيسي أو الداعمين له؛ الأول إزاحة السيسي من سدة الحكم برضاه، أي أن يستقيل الرئيس مفسحاً المجال لغيره، ومجيء وجوه جديدة بحزمة إصلاحات اقتصادية وسياسية عاجلة تهدئ الغضب الشعبي.
والثاني أن يقوم الرئيس السيسي نفسه بتصحيح مساره، بمصالحة وطنية شاملة وإيقاف أو على الأقل ترشيد الفساد الذي نخر في عظام الدولة.
وكلا المسارين مرهون بإدراك الداعمين والمحيطين بخطورة الوضع الحالي وما قد يسببه من مشاكل ستتخطى حدود مصر بكل تأكيد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.