حين عثرت ميريام رودريغيز على وشاح ابنتها المفقودة كارمن بين الأوساخ في مزرعة قديمة مهجورة بالمكسيك، استدعت الشرطة للبحث والتنقيب، وبالفعل عثرت الشرطة في المزرعة على بقايا جثة ابنتها.
بالنسبة للشرطة كانت هذه نهاية البحث عن البنت المفقودة، وبالنسبة لميريام كانت هذه بداية رحلتها لتحقيق العدالة.
رعب الكارتل في المكسيك
في عام 2014، كان سكان مدينة سان فرناندو في المكسيك لا يزالون مفجوعين من المذبحة التي ارتكبها كارتل "لوس زيتاس"، وهي إحدى أخطر عصابات الجريمة المنظمة التي تنتشر في المكسيك وعلى الحدود مع أمريكا، والمعروفين بوحشيتهم وتعذيب ضحاياهم والتمثيل بجثثهم.
إحدى أشهر جرائمهم كانت في عام 2011 بمدينة سان فرناندو، بعد أن قتلوا ما يقرب من 200 شخص، تم اختطاف معظمهم من الحافلات في الشوارع، وبعد أن طلبوا فدية من عائلاتهم قاموا بقتلهم بدم بارد.
وكان الجميع مرعوباً من قوة الكارتل التي تبدو لا تقهر، لأنها كانت تنتقم من كل من يسعى خلفها سواء كانوا الشرطة أو وحدات مكافحة الجريمة المنظمة، فكانوا لا يترددون في قتل عوائل الشرطة والقضاة وتهديدهم.
وهو ما أدى إلى نزوح جماعي من المنطقة، وضمن ذلك لويس ابن ميريام رودريغيز، ومعه غادر كثيرون آخرون، ولكن أخته "كارين" البالغة 16 عاماً، قررت البقاء لإنهاء تعليمها، إضافة إلى العمل والمساعدة في متجر والدتها.
اختطاف كارين وبداية مأساة ميريام رودريغيز
في عام 2014، كانت كارين رودريغيز تقود سيارتها في الطريق إلى منزلها، عندما اعترضت سيارةٌ طريقها وأجبرتها على التوقف، وهاجمها رجال مسلحون واقتادوها إلى سيارتهم.
خلال أيام بحثت الشرطة عن أي دليل يقود لمكان كارين ولكن دون جدوى، حتى اتصل أفراد الكارتل بعائلتها وطالبوهم بدفع فدية؛ قيمتها ألفا دولار.
لم تواجه ميريام رودريغيز وزوجها أي مشكلة في الحصول على قرض الفدية من البنك، فقد شهدت المدينة العديد من عمليات الاختطاف لدرجة أن البنك قدم خدمات اقتراض الأموال لدفع الفدية.
كانت مطالب الكارتل متعبة ومثيرة للقلق لعائلة رودريغيز؛ خوفاً من أن يقوموا بخطف من يسلمهم المال أيضاً، ولكن لم يكن لدى العائلة خيار آخر، طلب أفراد العصابة من الأب تسليم الأموال في عيادة صحية قريبة، ثم غيّروا مكان اللقاء، إلى مقبرة قريبة.
نفذت العائلة كل طلبات العصابة، وسلمت المبلغ في المكان المطلوب، وكان لدى عائلة رودريغيز أمل في عودة ابنتهم، وحاولوا بكل الطرق، حتى إنهم دفعوا المال لعضو في الكارتل، زعم أن اسمه "ساما"، الذي ادعى أنه لم يختطف كارين، ولكن يمكنه المساعدة في إيجادها.
لكن بعد أيام من دفع المبلغ المتفق عليه للعصابة، انقطعت الاتصالات، ولم يسمعوا أي خبر عن ابنتهم المفقودة مرة أخرى.
أُم حزينة تقرر مطاردة أخطر عصابة في المكسيك
بعد أن توقفت الشرطة عن البحث، ولم يبدُ أي أحدٍ آخر مهتماً بالقضية، بسبب تكرار الحوادث المماثلة في المدينة، قررت ميريام رودريغيز البحث عن ابنتها بنفسها، وبدأت بـ"ساما"، الشخص الذي ادعى أنه يريد مساعدتهم.
لم تكن تعرف اسمه الحقيقي ولا أي معلومات أخرى عنه سوى شكله، وكونه عضواً في أخطر كارتل مكسيكي.
لم يكن أحد يجرؤ على مساعدتها؛ خوفاً من انتقام العصابة، لكنها لم تستسلم، وبدأت في البحث على منصات التواصل الاجتماعي، والمجموعات الخاصة بسكان المدينة عن أي أثر لـ"ساما".
واكتشفت في النهاية صورة رجل على فيسبوك، يشبه "ساما"، يقف بجانب امرأة ترتدي زي متجر لبيع الآيس كريم، بحثت ميريام عن اسم ومكان المتجر، واكتشفت أن المتجر يقع على بعد ساعتين في مدينة أخرى.
انتظرت ميريام خارج محل الآيس كريم لأسابيع وظلت تراقبه، حتى تمكنت أخيراً من تعقُّب المرأة التي بدت أنها صديقة "ساما".
تنكرت ميريام في هيئة عاملة في وزارة الصحة، بارتداء الزي الرسمي الذي كانت تمتلكه من وظيفة سابقة. وطرقت أبواب جيران صديقة "ساما" للحصول على معلومات بحجة أنها كانت تجري مسحاً محلياً.
لم ترد ميريام الانتقام من "ساما" أو قتله، ولكن أرادت إجابات، وأملها أن تتمكن من نقل أي معلومات يتم الحصول عليها إلى السلطات وربما الحصول على العدالة ومعرفة مصير ابنتها.
ومع الأدلة من تحقيقها، وجدت ميريام ما يكفي للشرطة للقبض على "ساما".
اعترف "ساما" بمكان كارين، وبعد البحث وجدت الأم وشاح ابنتها في مزرعة مهجورة أبلغهم ساما بعنوانها، وبعد التنقيب في المزرعة المهجورة وجدت الشرطة بقايا جثة كارين مدفونة مع جثث أخرى.
ورغم اعتراف ساما بأسماء أفراد العصابة الآخرين، فإن الشرطة لم تستطع العثور عليهم.
جهود ذاتية من ميريام رودريغيز تُحقق العدالة
لم تستسلم ميريام، ولم تنتظر الشرطة للقبض على أفراد العصابة المتورطين في قتل ابنتها، قصت ميريام شعرها وصبغته وانتحلت شخصية عاملة صحية، ومسؤول انتخاب، للحصول على أسمائهم وعناوينهم.
واختلقت الأعذار لمقابلة عائلاتهم، كانت تلتقي الجدات وأبناء العم الذين قدموا لها دون علمهم، أصغر التفاصيل عن قتَلة كارين.
كانت تعرف واحداً تلو الآخر وكل ما يتعلق بهم؛ عاداتهم، وأصدقائهم، وبلداتهم، وطفولتهم، في غضون ثلاث سنوات، ألقت ميريام القبض على 9 أفراد من الـ10 المسؤولين عن خطف ابنتها، وزجت بهم في السجن.
انتقام الكارتل من ميريام في عيد الأم
تفاني ميريام جلب لها الشهرة في المكسيك والدعم من عوائل الضحايا الذين مروا بمحنة مشابهة لمحنتها، ولسوء الحظ جلب لها كثيراً من الأعداء الخطرين. كانت رودريغيز أماً في الخمسينيات من عمرها، تقاتل واحدة من أخطر العصابات في المكسيك، تتكون من أفراد يتراوح عددهم بالآلاف.
في 10 مايو/أيار عام 2017، وبينما احتفل المكسيكيون بعيد الأم، قُتلت ميريام بالرصاص على يد أفراد من العصابة نفسها خارج منزلها، ولكنها لم تغادر هذا العالم قبل أن تحقق العدالة لابنتها، وقبل أسابيع من مقتلها، كانت سلمت عاشر متهم وآخِر مشتبه به متورط في قتل ابنتها.