تثير الأزمات والفوضى في العراق دهشة الكثيرين حول العالم بشأن ما يجري في بلاد الرافدين، التي لا تكاد تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى، ولكنّ مركزاً أمريكياً قدم لمواطنيه درساً لا ينسى حول دور بلادهم فيما آل إليه العراق.
إذ قارن موقع Responsible Statecraft الأمريكي بين أضرار جائحة كورونا التي استمرت نحو عامين على النظام التعليم الأمريكي وما حدث للعراق خلال الأعوام الـ30 الماضية.
فقد ألغت الجائحة التقدم الذي أُحرِز على مدار 20 عاماً في مقررات القراءة والرياضيات بين طلاب المدارس الابتدائية داخل الولايات المتحدة، حسبما قالت صحيفة New York Times الأمريكية.
وشدّد المعلقون على التأثير الكبير لهذا الأمر على سُبل حياة أولئك الأطفال، وعلى الاقتصاد الأمريكي بالتبعية، خلال فترةٍ عصيبة من تاريخ البلاد.
ومن السهل تصور مثل هذه التأثيرات. إذ أصبح هيكل سوق العمل يتطلب مهارات حاسوبية ومعارف أكبر بشكلٍ متزايد، ويعتمد الحراك المالي والاجتماعي الصعودي على النجاح في توجيه هذه السوق.
بينما تحتاج الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة لوجود هذه المهارات في سوق العمل من أجل تطبيق الحوكمة الفعالة، فضلاً عن الدفاع الوطني. ولهذا يُعتبر تأثير الجائحة عميقاً على التعليم، وعلى مستقبل البلاد بالتبعية.
ويجب أن تساعد هذه الأنباء السيئة الأمريكيين على إدراك تأثيرات الصراعات العنيفة والعقوبات الاقتصادية على مختلف الدول حول العالم. إذ تتعرض مثل تلك الدول لتأثيرات تعادل تأثير أسوأ الجوائح بصفةٍ سنوية، حسبما قال تقرير لموقع Responsible Statecraft.
لماذا لا يجب أن يُلام أهل العراق على ما أصاب بلادهم؟
من السهل بالطبع أن نُحمِّل المسؤولية عن هذه الظروف للعيوب الاجتماعية الكامنة عندما ننظر إلى عدم الاستقرار السياسي، وتفكك الطبقة الوسطى، ومعدلات الفقر المرتفعة، وسوء الأداء الاقتصادي في دولة كالعراق مثلاً.
وربما تلعب العوامل الثقافية دورها، لكن يظل من الصعب تحديدها ومن شبه المستحيل قياسها. بينما يمكننا مراقبة وتحديد العوامل العامة الأخرى مثل تدمير الأنظمة التعليمية، والتأثيرات النفسية والغذائية على الأطفال الذين يكبرون للمشاركة وتغيير الحياة في أوطانهم.
إذ عاشت أنظمة التعليم والصحة العامة العراقية تحت وطأة الضغط الشديد منذ حرب الخليج الأولى، حيث فرضت الأمم المتحدة عقوباتها على العراق في أعقاب ذلك الصراع المحتدم القصير، مما ضاعف تأثيرات الحرب نفسها وأطال أمدها. وأدت عوامل مثل الندرة، والتضخم، وتآكل القدرة الإدارية، وجولات القتال المتجدد إلى إلحاق ضررٍ شديد بتعليم الأطفال وصحتهم.
ثم جاءت حرب الخليج الثانية (الغزو الأمريكي للعراق)، والحرب الأهلية التي أثارتها لإنهاء ما بدأته الحرب الأولى، وتدشين 12 عاماً من العقوبات.
الجيل الذي وُلد خلال العقوبات والحرب مطلوب منه النهوض بالبلاد
وتحوّل الجيل الضائع إلى مضربٍ للأمثال، ثم أصبح مسؤولاً عن تحقيق رفاه البلاد.
لكن هذا الجيل ليس مجهزاً لمثل هذه المهمة الكبيرة بعد أن صدمته الحروب وسوء التعليم. ووثّق الباحثون أوجه ارتباطٍ مشابهة بين إخفاقات التعليم بسبب الصراع والعقوبات، والنتائج السياسية والاقتصادية السلبية مستقبلاً. كما وثّقت مؤسسة The Quincy Institute البحثية تدمير أنظمة التعليم والرعاية الصحية في سوريا بسبب الحرب والعقوبات.
وبينما نحاول داخل الولايات المتحدة التكيّف مع التأثيرات طويلة الأمد لجائحةٍ واحدة على الأطفال الأمريكيين، يجب أن نفكر أيضاً في تداعيات الحرمان من التعليم على الاستقرار السياسي مثلاً داخل المجتمعات التي مزقتها الحرب والعقوبات. إذ تُعد تكلفة الصراع، على أدمغة وأجسام الأطفال مرتفعة للغاية، فضلاً عن إرسال الرسائل عبر التخريب.