أجبرت المقاومة الباهتة للجيش الفرنسي التي تسببت في السقوط السريع للعاصمة باريس في يد النازيين سنة 1940، المسؤولين الفرنسيين على التفكير في إنشاء جيش جديدٍ يستطيع تحرير البلاد من النازية.
هيكلة الجيش الفرنسي الجديد كانت مشكلة من مجندي المستعمرات الإفريقية، خصوصاً دول المغرب العربي حتى صار يطلق على هذا الجيش "جيش المغاربة"، الذي خاض معارك حاسمة في الحرب العالمية الثانية ضد النازية وساهم بشكل مباشر في تحرير فرنسا.
"الحرية مقابل الدم".. فرنسا تستنجد بـ"جيش المغاربة" لقتال جيوش هتلر
بعد سقوط باريس في يد النازية في يونيو 1940، شرعت فرنسا في تجنيد أكبر عدد من المقاتلين في مستعمراتها إلى جانبها في هذه الحرب.
ومن أجل إقناع سكان هذه المستعمرات بالمشاركة في الحرب، قدمت فرنسا وعوداً بالسماح لها في تقرير مصيرها بعد الحرب، كانت الجزائر أبرز الدول التي ساومتها فرنسا لتقرير المصير للمشاركة في تشكيل جيش المغاربة.
استطاعت فرنسا تجنيد 132 ألف جزائري، أغلبهم تمّ تطبيق قانون التجنيد الإجباري الذي أصدرته فرنسا سنة 1912 عليهم، وأبرز المشاركين في هذا الجيش كان كلاً من فرحات عباس- أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة- وأحمد بن بلة- أوّل رئيس جزائري- إضافة إلى محمد بوضياف وكريم بلقاسم العضوين في مجموعة الستة التي فجرت الثورة الجزائرية.
نفس الشيء حدث مع التونسيين، التي استطاعت فرنسا تجنيد 22 ألف جندي منهم. أمّا المغرب، وعلى عكس الجزائر، فإن انضمام المغاربة إلى هذا الجيش كان بعد إصدار الملك المغربي محمد الخامس في 3 سبتمبر/أيلول 1939، بياناً ملكياً تمت تلاوته في المساجد، دعا فيه المغاربة إلى الدفاع عن فرنسا في المعارك التي ستخوضها إلى جانب الحلفاء ضد النازية والفاشية.
استجاب حوالي 85 ألف جندي مغربي لنداء الملك محمد الخامس، وانضموا إلى مختلف جبهات القتال ضد النازية، كان أبرزهم الجنرال أوفقير.
شارك جيش المغاربة في تحرير فرنسا، ومعركة خط غوستاف لا تزال تذكره!
بلغ قوام الجيش الذي شكلته فرنسا من المجندين المغاربة 350 ألف جندي، مكوناً من الفرقة التونسية الرابعة للمشاة، وفرق الكوم المغربي، والكتيبة الثالثة للمشاة الجزائريين.
المعركة الأولى الفاصلة التي شارك فيها جيش المغاربة في الحرب العالمية الثانية، كانت إسقاط خط جوستاف الألماني، فقد كُلف جيش المغاربة بالسيطرة على قمة كاسينو، المحصنة بحواجز إسمنتية ومواقع مدفعية وأسلاك حديدية شائكة باعتبارها قلب دفاع خط جوستاف.
ولأنّ المنطقة التي جرت فيها المعركة كانت جبلية ووعرة وتشبه جبال الأطلس، استعمل جيش المغاربة "البغال" في تحركاته، وهو ما مكنه من تحقيق اختراق في الخط الدفاعي.
نجح جيش المغاربة رفقة الحلفاء، في هزيمة الألمان خلال تلك المعركة، وتعقبهم حتى الوصول إلى مدينة روما، وهناك خاضوا هناك آخر معاركهم في إيطاليا ضد النازيين والفاشيين التابعين لنظام موسوليني، مخلفاً وراءه مقبرة إسلامية في مدينة فينفارو الإيطالية، لا تزال هذه المقبرة قائمة حتى وقتنا الحالي.
خلال تلك المعركة، تكبد جيش المغاربة خسائر كبيرة، فقد فقدت الفرقة التونسية الرابعة للمشاة وفقدت 60% من أفرادها.
عاد جيش المغاربة بعدها إلى فرنسا لاستكمال تحريرها، أين تموقع ناحية الجنوب، لمحاربة الألمان وشارك في "عملية دراغون" التي تمّ فيها تحرير معظم جنوب فرنسا خلال 4 أسابيع فقط.
وفي 15 أغسطس/آب 1944، شارك جيش المغاربة في عملية إنزال بروفانس، ثم في عملية تحرير مدينة تولون ومرسيليا، قبل أن ينهوا مغامرتهم بتحرير ستراسبورغ في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1944.
وبالرغم من تضحيات جيش المغاربة، إلا أن فرنسا لم تلتزم بوعودها التي أطلقتها قبل تشكيله، فقد تنصلت فرنسا من وعودها للجزائريين بالحرية، مرتكبةً في حقهم إحدى أبشع المجازر في 8 من مايو /أيار 1945 بقتل أزيد من 45 ألف جزائري في أسبوعين.
واستمر الاحتلال الفرنسي للمغرب وتونس تحت ذريعة الحماية حتى 1956، أما الجزائر فكان أمامها القيام بثورة مسلحة من أجل نيل الاستقلال سنة 1962.انضم لهذه الثورة الكثير من المجندين في جيش المغاربة.