تعد أزمة المناخ المشتبه به الرئيسي في الدمار الهائل الذي ألحقته الفيضانات في باكستان، التي أودت بحياة أكثر من 1000 شخص وشردت 30 مليوناً. لكن هذه الكارثة، التي لم تنتهِ بعد، هي على الأرجح نتاج مجموعة قاتلة من العوامل التي تفسر لنا سبب القوة التدميرية لهذه الأمطار..
ما التفسير العلمي لشدة الفيضانات في باكستان؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن من العوامل القاتلة التي اجتمعت على باكستان في كارثة الفيضانات، عجز المواطنين الفقراء، والجبال شديدة الانحدار في بعض المناطق، والانهيار غير المتوقع للجسور والسدود، وبعض التغيرات المناخية الطبيعية.
وكان هطول الأمطار، منذ بداية الشهر، أعلى تسع مرات من المتوسط في إقليم السند وأعلى خمس مرات في باكستان بأكملها. ومبادئ الفيزياء البسيطة هي السبب في زيادة هطول الأمطار حول العالم، إذ تزداد كمية الرطوبة في الهواء الدافئ.
ويحاول العلماء بالفعل تحديد مدى مسؤولية الاحتباس الحراري عن هطول الأمطار والفيضانات. لكن تحليلاً لأسوأ فيضان سابق، وقع عام 2010، يشير إلى أنها كبيرة.
إذ وجدت إحدى الدراسات أن ارتفاع حرارة المحيطات والقطب الشمالي كان من أسباب الفيضانات المدمرة لعام 2010، إذ أثر هذا العامل على التيار النفاث، وهو عبارة عن رياح عالية المستوى تدور حول كوكب الأرض. وأدى تزايد تشتت هذا التيار النفاث إلى هطول أمطار مدمرة في باكستان وموجة شديدة الحرارة في روسيا في ذلك العام.
تقول صحيفة الغارديان إنه وفقاً لدراسة أجريت عام 2021، فإن ارتفاع حرارة الأرض يجعل الرياح الموسمية في جنوب آسيا أكثر شدة وتقلباً، إذ يؤدي كل ارتفاع بمقدار درجة مئوية في درجة حرارة الكوكب إلى زيادة هطول الأمطار بنسبة 5%.
ما العوامل التي أدت لارتفاع أعداد ضحايا الفيضانات في باكستان؟
كان يتوقع حدوث هذه الفيضانات الحالية أقل من مرة كل قرن، وفقاً للدكتورة ليز ستيفنز، الأستاذة المساعدة في مخاطر المناخ في جامعة ريدينغ البريطانية، التي تشارك في نظام عالمي للتنبؤ بالفيضانات. وقالت: "من الواضح أن ما نراه فيضانات شديدة التدمير، وستكون أسوأ من عام 2010، حين قتلت الفيضانات 1700 شخص، في أماكن كثيرة".
وأشارت ليز إلى عاملين حاسمين في ارتفاع عدد الضحايا هما الفيضانات المفاجئة وانهيار سدود الأنهار. وبعض الأمطار الغزيرة ضربت أماكن تتدفق فيها المياه بسرعة من جبال شديدة الانحدار. وقالت: "الفيضانات المفاجئة يصعب معها تحذير الناس وإبعادهم عن طريق الأذى بسرعة".
وهناك انهيار سدود الأنهار. وقالت: "لا يمكنك التنبؤ بموعد انهيارها، والأشخاص الذين يعيشون في منطقة يتصورون أنهم يتمتعون فيها بالحماية قد لا يتوقعون أنهم بحاجة للخروج منها".
وقالت ليز للغارديان: "ما نتحدث عنه كميات غير مسبوقة من المياه، ولم يتصور أحد أن تجمعات المياه ستؤثر على بعض المناطق. والناس لا يستعدون للمخاطر التي لا يعرفونها".
وتشير العالمة البريطانية إلى أن إزالة الغابات ربما تزيد من سرعة جريان الأمطار في بعض الأماكن، فيما قال الدكتور فهد سعيد، عالم المناخ في مجموعة تحليلات المناخ، إن السدود انهارت على نهر كابول الذي يصب في نهر السند.
وجهات نظر أخرى تفسر قوة دمار فيضانات باكستان
في السياق، يقول عالم الأرصاد الجوية سكوت دنكان إن دورة المناخ الطبيعية التي سببتها تغيرات درجات الحرارة والرياح في المحيط الهادئ ربما تكون أيضاً من العوامل التي أدت لفيضانات باكستان. إذ يبدو أن التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيو ENSO دخل في مرحلة ظاهرة النينيا، كما كان عام 2010. وقال: "ظاهرة النينيا تشتد جداً في بعض المقاييس وهي عامل مهم في تعزيز هطول الأمطار الموسمية في رأيي". لكن الطريقة التي يؤثر بها الاحترار العالمي على التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيا ليست مفهومة بالكامل بعد.
وسكان باكستان معرضون أكثر من غيرهم للتأثر بظروف الطقس القاسية جراء تغير المناخ، إذ تحتل المرتبة الثامنة في دول العالم الأكثر عرضة للخطر في مؤشر مخاطر المناخ العالمي. وقال دنكان: "باكستان معرضة بشدة للطقس المتطرف، كما أن موجات الحرارة غير المسبوقة من مارس/آذار إلى مايو/أيار من هذا العام التي أعقبتها رياح موسمية قوية تفاقم التأثير على المجتمع والاقتصاد". وموجة الحر الشديدة التي ضربت البلاد عام 2022 كانت أكثر احتمالاً 30 مرة بسبب الاحتباس الحراري، وموجة الحر الأخرى عام 2015 فاقمها الاحتباس الحراري أيضاً.
وقال خبير التنمية والمناخ علي توقير الشيخ للصحيفة البريطانية: "ما تراه اليوم مجرد عينة لما يخبئه لنا القدر مع الفقر والجوع وسوء التغذية والمرض إذا لم ننتبه لتغير المناخ".
الجانب المشرق الوحيد في وضع الفيضانات الحالي هو أنها قد لا تزداد كارثية. يقول نيكولاس لي في شركة ميتديسك: "من حسن الحظ أنه لا يُتوقع تزايد هطول الأمطار الغزيرة خلال الأيام المقبلة، إذ يقترب موسم الأمطار الموسمية من نهايته".
ولكن من الواضح أن أزمة المناخ تؤدي إلى زيادة خسائر الطقس المتطرف على مستوى العالم، رغم وصول درجة الاحتباس الاحتراري إلى 1.1 درجة مئوية فقط حتى الآن. وباكستان هي أحدث دولة تضيع فيها الأرواح وسبل العيش جراء ذلك.