تتبنى كوريا الشمالية وجهة نظر روسيا الخاصة بالأزمة الأوكرانية، ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب، أعلنت بيونغ يانغ دعمها المطلق لموسكو، فماذا استفاد كيم يونغ أون من تحالفه مع بوتين؟
كان الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو"، قد بدأ منذ أكثر من 6 أشهر محدثاً زلزالاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً هو الأكثر عنفاً في أوروبا والعالم، منذ انتهاء الحرب العالمية عام 1945.
هذه الحرب في أوكرانيا قسمت العالم بشكل أعاد الساحة الدولية إلى أجواء حرب باردة جديدة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو والشرق حيث الصين وروسيا، وسعت كثير من دول العالم إلى تجنب الانضمام لأي من الجانبين، لكن كوريا الشمالية كان موقفها معلناً منذ البداية.
ماذا تريد كوريا الشمالية؟
بحسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية عنوانه "الحرب في أوكرانيا تعطي كوريا الشمالية سبباً للتقرب من روسيا"، أتاحت الحرب فرصة لكوريا الشمالية لتعزيز علاقاتها مع روسيا وصارت واحدة من أكثر مؤيديها العلنيين.
وفي المقابل، تريد بيونغ يانغ إرسال العمال إلى المناطق التي تسيطر عليها روسيا في شرق أوكرانيا –دونيتسك ولوغانسك– لتزويد نظام كيم بمصدر دخل من الخارج يحتاجه بشدة.
تقع المنطقتان الانفصاليتان في أوكرانيا وتمثلان معا إقليم دونباس، وهو إقليم في أقصى شرق أوكرانيا ومجاور لروسيا ويتحدث أغلب سكانه اللغة الروسية، كما يعيش في الإقليم مواطنون روس، وكان بوتين قد أعلن اعتراف موسكو باستقلالهما يوم 21 فبراير/شباط الماضي، أي قبل 3 أيام من بدء الحرب.
ويرجع تاريخ إعلان دونيتسك ولوغانسك (دونباس) الانفصال عن أوكرانيا إلى عام 2014 خلال أزمة مشابهة للأزمة الحالية، نتج عنها ضم روسيا لإقليم شبه جزيرة القرم الأوكراني أيضاً، بعد سيناريو مشابه بدأ بإعلان القرم الانفصال عن أوكرانيا وإعلان الاستقلال ثم اعتراف روسيا وإرسال قوات "لحفظ السلام"، ثم طلب القرم الانضمام إلى روسيا، وهو ما حدث.
كما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وعد بتزويد حلفائه بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة. وفي هذا السياق، تسعى كوريا الشمالية للحصول على أصول جديدة مثل الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. ويمكن لموسكو أيضاً تعزيز تجارتها عبر الحدود في المواد الغذائية والمساعدات واستخدام مقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع أية عقوبات أشد على كوريا الشمالية.
ولكي تحصل على تلك الاستفادة متعددة الجوانب حسمت بيونغ يانغ موقفها منذ البداية فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، التي هي بالأساس أزمة جيوسياسية بين روسيا وحلف الناتو. فكانت كوريا الشمالية واحدة من 5 دول فقط صوتت في مارس/آذار الماضي ضد قرار للأمم المتحدة يطالب روسيا بإنهاء حربها على أوكرانيا، وألقت بيونغ يانغ باللوم على "سياسة الهيمنة" للولايات المتحدة وحلفائها باعتبارها السبب الجذري لذلك.
وفي يوليو/تموز الماضي، صارت كوريا الشمالية واحدة من أوائل الدول التي تعترف رسمياً بدونيتسك ولوغانسك جمهوريتين مستقلتين، وهي الخطوة التي دفعت كييف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع بيونغ يانغ.
روسيا حليف مهم لكوريا الشمالية
باتريك كرونين، رئيس أمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مركز أبحاث Hudson Institute في واشنطن، قال لصحيفة وول ستريت جورنال: "بالنسبة لكوريا الشمالية، فإنَّ دعم بوتين يفتح الباب أمام المزيد من عمليات التهرب من العقوبات المهمة والتعاون التكنولوجي الحساس".
كانت الأمم المتحدة قد حدّدت عام 2019 موعداً نهائياً لمنع العمال الكوريين الشماليين من العمل في الخارج؛ ما أدى إلى قطع مصدر رئيسي للدخل الخارجي لنظام كيم. وبتوظيف ما يقرب من 30 ألف عامل أجنبي من كوريا الشمالية، كانت روسيا واحدة من أكبر الدول المضيفة لهؤلاء الأشخاص قبل حملة المنع. ومثّل العمال الكوريون الشماليون عامل جذب لأنَّ أجورهم، حسبما أعلنت الشركات الروسية، تقل بنسبة 30% إلى 50% من المهاجرين الآخرين في المنطقة، الذين يأتون عادةً من أوزبكستان وقيرغيزستان.
قال ألكسندر ماتسيغورا، سفير روسيا لدى كوريا الشمالية، في مقابلة الشهر الماضي مع صحيفة Izvestia الروسية، إنَّ العمال الكوريين الشماليين يمكن أن يساعدوا في ترميم المنشآت في دونيتسك التي تضررت من القتال في الصراع الأوكراني.
وأشار ماتسيغورا أيضاً إلى أنَّ الكوريين الشماليين مهتمون بشراء قطع الغيار المُصنّعة في المنطقة وإعادة بناء مرافق الإنتاج الخاصة بهم، دون الخوض في مزيد التفاصيل. وتُنذِر المعاملات المحتملة بجهود أخرى يمكن أن تُشكِّل انتهاكات لعقوبات الأمم المتحدة.
وفي هذا الصدد، علّق أرتيوم لوكين، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأقصى الفيدرالية الروسية: "ليس لدى بيونغ يانغ ما تخسره بالانحياز إلى موسكو، وليس لديها ما تخسره بإغضاب واشنطن لأنَّ المحادثات متوقفة على أية حال".
عرضت إدارة بايدن الاجتماع مع كوريا الشمالية في أي وقت، لكن بيونغ يانغ تجاهلت واشنطن. ولم يُجرِ البلدان محادثات نووية رسمية منذ ما يقرب من 3 سنوات.
يمتد تحالف موسكو-بيونغ يانغ الوثيق إلى أعلى المستويات. ففي وقت سابق من هذا الشهر، تبادل قادة روسيا وكوريا الشمالية الرسائل، وفقاً لوسائل الإعلام الحكومية في بيونغ يانغ. وأعرب بوتين عن رغبته في توسيع العلاقات، في حين أشار كيم يونغ أون إلى أنَّ العلاقات الثنائية وصلت إلى مستوى جديد "على الجبهة المشتركة لإحباط التهديد العسكري والاستفزاز للقوات المعادية"، وهي عبارة تُستخدَم غالباً لوصف الولايات المتحدة وحلفائها.
العداء للغرب قاسم مشترك والفوائد كثيرة
كانت كوريا الشمالية من أوائل الدول التي أغلقت حدودها في أوائل عام 2020 عند اكتشاف إصابات "كوفيد-19" في الصين المجاورة. وفي وقت مبكر من هذا العام، استأنفت كوريا الشمالية بعض الأنشطة التجارية عبر الحدود، قبل أن يدفع تفشي المرض الدولة الفقيرة إلى الإغلاق مرة أخرى.
لكن هذا الشهر، أعلن كيم انتصاراً في مجال الصحة العامة وتعهد بتخفيف التدابير الوقائية من المستويات القصوى. قال أنتوني رينا، المتخصص في العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية في مجموعة الأبحاث Sino-NK، وهو موقع إلكتروني يركز على الصين وكوريا الشمالية، إنه بمجرد استئناف التجارة عبر الحدود، يمكن لروسيا تزويد كوريا الشمالية بالفحم أو تصدير سلع فاخرة محظورة، رغم ما يمثله ذلك من انتهاك للعقوبات.
وأضاف رينا للصحيفة الأمريكية: "إذا تمكنت كوريا الشمالية من تقديم نفسها باعتبارها ميزة استراتيجية لموسكو في تنافسها الاستراتيجي مع واشنطن، بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي أصبحت تنظر بها الصين إليهما، يمكن لكوريا الشمالية المساعدة في تقويض نفوذ الولايات المتحدة على محيط روسيا".
والتقى الرئيس بوتين بالزعيم كيم شخصياً مرة واحدة في عام 2019، بعد بضعة أشهر فقط من فشل الزعيم الكوري الشمالي في التوصل لصفقة نووية مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في فيتنام.
وعلى الرغم من أنه لم يذكر كوريا الشمالية بالاسم، إلا أنَّ بوتين، في مؤتمر أمني عُقِد مؤخراً، تعهد بـ"تعزيز القوات المسلحة الوطنية والهياكل الأمنية الأخرى باستمرار" من خلال تزويد حلفائها بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة.
كان الاتحاد السوفييتي قد ساعد في بناء مفاعل في يونغبيون، التي أصبحت المنشأة النووية الرئيسية لكوريا الشمالية. وفي التسعينيات، زود العلماء الروس كوريا الشمالية بتقنيات الوقود، التي ساعدت برنامج تطوير الصواريخ في بيونغ يانغ.
ووفقاً لتقرير صدر عام 2017 عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقره لندن، يعتمد المحرك الذي يعمل بالوقود السائل المُستخدَم في إطلاق الصواريخ متوسطة المدى والعابرة للقارات على التكنولوجيا التي طورها الاتحاد السوفييتي.
في الآونة الأخيرة، كان السلاح التكتيكي الجديد المُوجّه الذي كشفت عنه كوريا الشمالية في عام 2019 يشبه إلى حد كبير تصميماً روسياً. ويقول خبراء أمنيون إنه في الوقت الذي تسعى فيه كوريا الشمالية إلى تطوير تكنولوجيا أسلحة جديدة وتطوير صواريخها التي تفوق سرعة الصوت والصواريخ التي تُطلَق من الغواصات، يمكن لروسيا أن تلتف على العقوبات وتزودها بمكونات رئيسية أو تكنولوجيا محركات متقدمة.
وقالت باتريشيا كيم، الزميلة في معهد بروكينغز بواشنطن العاصمة: "ترى بيونغ يانغ وموسكو أوجه تشابه واضحة في مواقف كل منهما، وتتشاركان في قضية معارضة العقوبات والنظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. وهذا التضامن المتزايد سيؤدي إلى تفاقم المنافسة بين القوى العظمى في المنطقة".