أعادت الاشتباكات المسلحة بين الأطراف المتصارعة في العاصمة الليبية طرابلس، والتي استمرت على مدى يومي الجمعة والسبت 26 و27 أغسطس/آب، طرح أسئلة عدة حول أسبابها وأهميتها وكيف يمكن أن تسير الأوضاع، لاسيما أنها اندلعت على حين غرة، لتشهد العاصمة أسوأ قتال منذ عامين.
كيف انقسمت ليبيا؟
ظهرت الخلافات في ليبيا قبل 10 سنوات، عندما تبنت جماعات محلية مواقف مختلفة خلال الانتفاضة التي ساندها حلف شمال الأطلسي، وأفضت إلى الإطاحة بمعمر القذافي.
وخرجت محاولة من أجل الانتقال الديمقراطي عن السيطرة، إذ أقامت الجماعات المسلحة قواعد قوة محلية وتكتلت حول فصائل سياسية متنافسة، وسيطرت على موارد اقتصادية.
وبعد معركة للسيطرة على طرابلس في 2014، اتجه أحد الفصائل شرقاً وأقام حكومة ومؤسسات موازية. واعترف بخليفة حفتر قائداً عسكرياً، وشكل في النهاية حكومة موازية.
وتشكلت حكومة جديدة في طرابلس بعد اتفاق مدعوم من الأمم المتحدة في وقت اقتنص فيه تنظيم الدولة الإسلامية موطئ قدم في ليبيا، غير أن الفصائل الشرقية تجاهلت هذا الاتفاق وهاجمت قوات شرق ليبيا، الجيش الوطني الليبي، بقيادة حفتر، العاصمة في عام 2019.
واتحدت الفصائل المسلحة المتنافسة التي تسيطر على غرب ليبيا بهدف دعم حكومة طرابلس في مواجهة حفتر، وصدت هجومه في عام 2020 بمساعدة تركيا، ما أدى إلى وقف لإطلاق النار وعملية سلام جديدة تدعمها الأمم المتحدة.
كيف اندلعت أحدث جولات النزاع؟
أفضت عملية السلام إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بتفويض للإشراف على انتخابات وطنية كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول 2021، لكن لم يكن هناك اتفاق على قواعد التصويت، ما تسبب في انهيار العملية برمتها.
وفي شرق ليبيا، أعلن البرلمان أن حكومة الدبيبة غير شرعية، وعين حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا. ورفض الدبيبة قرارات البرلمان وقال إنه لن يتنازل عن السلطة إلا بعد الانتخابات.
وحاول باشاغا دخول طرابلس بعد فترة وجيزة من تعيينه في مارس/آذار، لكن الفصائل الموالية للدبيبة منعت مرور موكبه. وحاول مجدداً في مايو/أيار، لكنه غادر طرابلس بعد تبادل قصير لإطلاق النار.
ومع مرور الأشهر، تغيرت معالم التحالفات والائتلافات بين فصائل طرابلس مع محاولة كل من الدبيبة وباشاغا استمالة الأطراف الرئيسية. وفي شوارع طرابلس، تكررت المناوشات بين القوات المسلحة بسبب مناطق نفوذها.
وعندما اندلع القتال بين فصيلين ليل الجمعة، بدأت الفصائل المتحالفة مع باشاغا شن ما بدا أنها هجمات منسقة، في محاولة جديدة لتنصيبه في العاصمة. لكن هذه الخطوة فشلت؛ ما ساهم في ترسيخ موقف الدبيبة على ما يبدو.
ما هي فرص التوصل إلى اتفاق سياسي؟
لم يظهر الشطر الشرقي القوي بقيادة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح أي استعداد للتراجع عن هدفه المتمثل في إزاحة الدبيبة وتنصيب باشاغا.
ومع ذلك، ونظراً إلى عدم قدرة باشاغا حتى الآن على بناء تحالف من الفصائل الغربية التي يمكنها تنصيبه في طرابلس، فقد يتعين عليهما إعادة التفكير.
كما أن استمرار الوجود العسكري التركي في أنحاء طرابلس، والذي حافظت عليه أنقرة عبر نشر طائرات مسيرة هناك بعد المساعدة في صد هجوم قوات الشرق في عام 2020، يعني أن إعادة حفتر الكرّة ضد العاصمة تبدو احتمالاً مستبعداً في الوقت الحالي.
وطرح بعض السياسيين فكرة إطلاق محاولة أخرى لتشكيل حكومة جديدة يمكن لجميع الأطراف قبولها، لكن من المرجح أن يحاول الدبيبة وأد هذه الجهود.
في غضون ذلك، تعثرت الدبلوماسية، وأصبح الاتفاق على كيفية إجراء الانتخابات كحل دائم للخلافات السياسية في ليبيا بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
كما أُجهضت جميع الجهود الدولية للتوسط في اتفاق سياسي بسبب اتساع هوة الخلاف بين الدول المعنية وبين الفصائل المحلية، التي يعتقد العديد من الليبيين أنها تريد تجنب الانتخابات من أجل التشبث بالسلطة.
ويخشى الكثير من سكان ليبيا، الذين يبلغ عددهم نحو 7 ملايين نسمة، أن هذا يعني أنه مهما أفرزت المفاوضات واتفاقات تقسيم الأدوار من نتائج، فلن يتبعها إلا اندلاع جولة أخرى من العنف.
كيف يؤثر كل ذلك على نفط ليبيا؟
لطالما كانت السيطرة على عوائد منتج التصدير الرئيسي لليبيا، وهو إنتاجها من النفط الذي يصل إلى 1.3 مليون برميل يومياً، الجائزة الأثمن لجميع الفصائل السياسية والعسكرية الرئيسية.
وأوقفت فصائل مسلحة الإنتاج مراراً كورقة ضغط على الحكومة في طرابلس، حيث تُحول جميع عوائد مبيعات النفط الأجنبية إلى البنك المركزي من خلال اتفاقيات دولية.
وكانت القوات المتحالفة مع حفتر، التي يمتد نفوذها عبر معظم الأراضي التي تضم حقول النفط الرئيسية وموانئ التصدير، مسؤولة عن أهم عمليات الإغلاق في السنوات القليلة الماضية.
وأنهى مسلحون أحدث عملية إغلاق للمنشآت النفطية، والتي قلصت الصادرات بنحو النصف، عندما استبدل الدبيبة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بحليف لحفتر، وهي خطوة اعتبرها البعض محاولة لمغازلة القائد الشرقي وجعله أكثر انفتاحاً على قبول اتفاق سياسي.
وقد يكون ذلك كافياً لمنع إغلاق آخر في الوقت الذي تعمل فيه الفصائل الموالية لباشاغا على تحديد خطوتها التالية. ولكن مع استعصاء الأزمة السياسية في ليبيا على الحل حتى الآن، فلا يوجد احتمال يذكر للحفاظ على صادرات النفط دون نقصان لفترة طويلة.