من الإنترنت حتى الطعام والسلاح.. كيف يمكن أن تشدد الصين حصارها على تايوان تمهيداً لغزوها؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/25 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/25 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
مناورات قتالية يجريها الجيش الصيني في بمقاطعة قوانغدونغ، 2020/ Xinhua

وضعت الصين أعينها على تايوان عقوداً طويلة، إذ ترى بكين أن الجزيرة الصغيرة ذات الحكم الذاتي ملكها ولا بدَّ أن تعود كجزء لا يتجزأ من الصين. وضمُّ تايوان إحدى الغايات التي يستعد الجيش الصيني للقيام بها، إذا فشلت مساعي التوحيد بطرق سلمية. ولأجل ذلك، عمدت الصين إلى تحديث قواتها، وتعزيز أسطولها، حتى أصبحت الآن أكبر قوة بحرية في العالم من حيث عدد القطع البحرية، وبات في استطاعتها أن تتحدى التفوق الأمريكي في المناطق البحرية المحيطة بالجزيرة وتعمل على حصار تايوان.

هل تشدد الصين حصارها على تايوان تمهيداً لغزوها؟

لا تزال الصين تفتقر إلى ما يكفل لها القدرة على غزو تايوان بسرعة وضمِّها دون إطالة، إلا أنها قد تستعين من أجل ذلك بفرض حصار بحري يُجبر الجزيرة على التنازل والاستسلام أو يمهِّد لعمل عسكري واسع النطاق، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.

وقد تسعى الصين في هذه الخطة إلى إخضاع تايوان من خلال حصارها وشعبها البالغ عدده 23 مليون نسمة بحلقةٍ ممتدة من السفن والطائرات، وخنقها بقطع سبل اتصالها المادي والاقتصادي والرقمي بالعالم.

حاولت الصين استخدام مناوراتها العسكرية هذا الشهر للبيان عن ثقتها بقدرة جيشها على حصار تايوان؛ فأطلق الجيش الصيني صواريخ باليستية على المنطقة البحرية الواقعة قبالة تايوان، على بعد 129 كيلومتراً من الساحل الصيني، وأرسل ما لا يقل عن أربعة صواريخ فوق الجزيرة نفسها، وأجرى تدريبات عسكرية في مناطق أقرب إلى الجزيرة من أي وقت مضى.

وبحسب نيويورك تايمز، فمن بين الكتب المدرسية الأساسية التي يدرسها ضباط الجيش الصيني كتاب "علم الاستراتيجية"، ومع أن الكتاب لا يأتي على ذكر تايوان، فإن الهدف المتضمن في منهجه واضح. يصف الكتاب "الحصار الاستراتيجي" بأنه طريقة "لتدمير الروابط الاقتصادية والعسكرية الخارجية للعدو، وتقويض قدراته التشغيلية وإمكاناته القتالية، وإبقائه معزولاً ومقطوعاً عن المساعدة".

تايوان الصين روسيا أمريكا الجيش الصيني
استعراض عسكري لفرق من الجيش الصيني، 2017/ رويترز

تجنبت الصين خلال التدريبات التي أجرتها هذا الشهر تصعيد التحركات الاستفزازية إلى حدٍّ قد يستنفر رداً أشد من تايوان، إلا أنها ما زالت تسعى إلى تخويف الأخيرة بالوعيد والتهديد، وتحذيرها من مغبة عدم الاستجابة لمطالب بكين.

وقال أو سي فو، الباحث في معهد الدفاع الوطني ودراسات الأمن التابع لوزارة الدفاع التايوانية لـ"نيويورك تايمز": "أرى أنهم كشفوا عن نياتهم، وهي محاصرة تايوان والتصدي لأي تدخل أجنبي دفاعاً عنها، وقد قامت خطتهم على عزل تايوان، ثم محاربتها بعد ذلك".

الحصار الصيني لتايوان سيكون متأهباً لصدِّ القوات الأمريكية

بعد أن تحدَّت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، تحذيرات بكين، وزارت تايوان في 2 أغسطس/آب، ردَّت الصين بنشر طائرات حربية وسفن وصواريخ في تدريبات عسكرية استمرت ثلاثة أيام. وأعلنت بكين عن ست مناطق تدريب حول تايوان، منها المنطقة الواقعة قبالة الساحل الشرقي للجزيرة، في محاولة لإبراز امتداد قوتها بعيداً عن الأراضي الصينية.

لم تكن التدريبات العسكرية الصينية شاملة؛ لأن الصين إذا أرادت فرض حصار حقيقي حول الجزيرة، فإن الصواريخ الأحد عشر التي أطلقتها الصين في المناطق البحرية المحيطة بتايوان لن تحقق لها الكثير من أغراضها العسكرية المرجوة؛ لأنها مصممة بالأساس لضرب الأهداف البرية، وليس السفن. 

غير أن الصين لم تعرض أكثر أسلحتها تطوراً. وقد حلقت الطائرات الصينية بالقرب من تايوان، وليس فوقها. ومع أن ثلاثاً من المناطق البحرية التي حددتها الصين لتدريباتها توغلت في المياه الإقليمية التي تطالب بها تايوان، فإن الصواريخ والسفن الصينية تجنبت خلال التدريبات تلك المناطق.

وصف درو طومسون، الباحث الأقدم في كلية "لي كوان يو" للسياسة العامة في سنغافورة، التدريبات الصينية بأنها "حرب سياسية، فالجانب السياسي لما يفعلونه يكون أهم أحياناً من التدريب الجاري".

الصين تايوان
خارطة "المنطقة الرمادية" بين الصين وتايوان/ عربي بوست

ستستعين الصين بمئات السفن والطائرات والغواصات

ربما يشتمل الحصار الفعلي للجزيرة على مئات السفن والطائرات، فضلاً عن الغواصات، وتكون غايته إغلاق موانئ تايوان ومطاراتها، والتصدي لأي تدخل محتمل من السفن الحربية والطائرات التي قد ترسلها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

إضافة إلى ذلك، فإن الصين إذا أرادت فرض حصارها على الجزيرة، فسيتعيَّن عليها أن تسيطر على المجال الجوي. ولدى الصين بالفعل مجموعة من القواعد البحرية والجوية على ساحلها الشرقي المقابل لتايوان، وكثير من القواعد البحرية والجوية الأخرى على امتداد الساحل.  

وربما يحاول الجيش الصيني إسقاط طائرات العدو باستخدام صواريخ أرض جو، أو حتى ضرب القواعد الأمريكية في جزيرة غوام وفي اليابان.

يرى خبراء الاستراتيجية العسكرية الصينية أن الحصار خطةٌ تمنحهم المرونة لتشديد الخناق حول تايوان أو تخفيفه متى أرادوا، ويتوقف الأمر في ذلك على أهداف بكين.

حصار على الوقود والغذاء 

يمكن أن تفرض الصين حصاراً محدوداً بإيقاف السفن المتجهة إلى تايوان وتفتيشها، دون مهاجمة موانئ تايوان. ولما كانت تايوان تعتمد على استيراد الوقود والغذاء من الخارج، فإن الحصار المؤقت قد يكون شديد الوطأة على الجزيرة في تداعياته السياسية والاقتصادية، ما قد يمنح الصين وسيلة قوية لفرض مطالبها.

قال فيليب سي سوندرز، الأكاديمي في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية، إن "الصين قد تشن حصارها ثم تتوقف بمجرد أن تتلقى تايوان العبرة مما حدث. لكن الجيش الصيني قد تكون نيته أيضاً التدرب على حصار سيكون عنيفاً وتترتب عليه الكثير من التداعيات الدولية".

وأوضح سوندرز أن الصين قد تستخدام الحصار وسيلة للتمهيد للغزو الكامل، غير أن هذه الخطوة قد تطلق العنان لصراع مدمِّر طويل الأمد فضلاً عن رد دولي عنيف وواسع النطاق ضد الصين إلى حدٍّ من شأنه أن يتسبب في عزلة سياسية وأضرار اقتصادية فادحة.

مضيق تايوان
مضيق تايوان/ رويترز

الصين ترى أن معركة المعلومات إحدى المعارك الرئيسية للحرب

إذا شنَّت الصين حرباً حقيقية للاستيلاء على تايوان، فإنها ستسعى إلى فرض سيطرتها على المعلومات وتبادلها أثناء الحرب. ويمكن أن تستعين لذلك بالدعاية والمعلومات المضللة والحرب الإلكترونية والسيبرانية وغيرها من الأدوات اللازمة لحشد التأييد لها في الداخل، ولبثِّ الخوف والانقسام في تايوان واختلاف الرأي في جميع أنحاء العالم.

نشر الجيش الصيني خلال التدريبات العسكرية التي أجراها في الأسابيع الماضية سيلاً من مقاطع الفيديو والصور والتقارير التي طمست الحد الفاصل بين الدعاية والمعلومات المضللة. 

وتضمنت الحملة لقطات إقلاع لطائرات نفاثة، وإطلاق صواريخ، ودوريات سفن حربية، وقطار إسعاف لنقل القوات، وكلها ترمي إلى إظهار القوة والقدرة على القتال، لكنها أيضاً قد تبالغ في القدرات الصينية وتعطي انطباع بأنها أضخم وأقرب إلى تايوان مما كانت عليه في الواقع، بحسب وصف "نيويورك تايمز".

ويرى المخططون العسكريون الصينية أن الحرب الإلكترونية أمر مهم في أي صراع، ومن ثم فإن الصين ربما تستخدم الهجمات الإلكترونية لقطع اتصالات تايوان، وحتى تعطيل بعض أسلحتها.

تعرضت جزيرة تايوان في أثناء زيارة بيلوسي إلى هجمات إلكترونية متفرقة وغير معقدة جاءت من مصدر مجهول، وتعرضت أربعة مواقع حكومية تايوانية على الأقل لهجمات إلكترونية قصيرة، وسيطر القراصنة الإلكترونيون على شاشات العرض الإلكترونية في متجر وفي محطة قطار، وعرضوا عليها رسائل تستنكر زيارة بيلوسي.

وقال خبراء عسكريون إن الصين قد تحاول أيضاً تعطيل أو قطع الكابلات البحرية التي تحمل نحو 90 % من البيانات التي تربط تايوان بالعالم. كما أن قطع الكابلات البحرية في تايوان قد تكون له تداعيات على بلدان أخرى مرتبطة بها في المنطقة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

الصين تحاول إنشاء واقعٍ جديد

حتى بعد إتمام الصين تدريباتها العسكرية واسعة النطاق حول تايوان، فإن الجيش الصيني ما زال يكثف حضور قواته في مضيق تايوان، وزادت الصين من رحلاتها الجوية فوق ما يسمى بالخط المتوسط، وهي حدود غير رسمية بين الجانبين نادراً ما تجاوزتها الصين من قبل.

تكشف هذه الرحلات الجوية عن واقعٍ جديد تحاول الصين أن تفرضه بالقرب من تايوان، وتسعى به إلى تأكيد تمسكها بموقفها الذي لا يقبل مزاعم الجزيرة بحيازة حدود سيادية.

يقول شو هسياو هوانج، الباحث في معهد تايوان للدفاع الوطني ودراسات الأمن: "ربما يصبح هذا النوع من المضايقات هو الأمر السائد في المستقبل"، لا سيما أن الصين أرسلت في أول ثلاثة أسابيع من هذا الشهر أكثر من 600 طائرة عسكرية للتحليق بالقرب من المجال الجوي للجزيرة، وهو عدد غير مسبوق.

وقال سونغ تشونغ بينغ، الخبير العسكري والضابط السابق في الجيش الصيني، إنه "بالنظر إلى أن الولايات المتحدة والقوى الخارجية تقوم باستفزازات مستمرة، فإن التدريبات الصينية ستزداد كثافة وتكراراً، وتمتد إلى أزمنة أطول ونطاق أوسع".

زادت الصين في آخر السنوات من الطلعات الجوية العسكرية في "منطقة تحديد الدفاع الجوي" التابعة لتايوان، وهي منطقة أوسع نطاقاً من المجال الجوي السيادي للجزيرة. وتقتحم الصين حالياً تلك المنطقة كل يوم تقريباً، وربما تحاول بذلك إنهاك طائرات سلاح الجو التايواني وطياريه.

قال قادة الصين منذ مدة طويلة إنهم يريدون ضم تايوان سلمياً، إلا أن تزايد المخاوف لدى بكين بشأن تايوان ومن مناصرة الولايات المتحدة للجزيرة، قد يدفعان بكين إلى تكثيف عملها العسكري وعرض قوتها. وحتى لو لم يكن أي جانب يريد الحرب، فإن تصعيداً عسكرياً تُجريه قوة عظمى مثل الصين ينطوي على خطر عظيم باستفحال الأمور وتدمير تايوان في النهاية.

قال لوني هينلي، ضابط المخابرات الأمريكي السابق والمتخصص في دراسة الجيش الصيني، إن "الصينيين يواجهون معضلة سياسية، وهي أنهم في كل مرة يرون فيها أنهم مضطرون إلى الإدلاء ببيان سياسي كبير [بتصعيد عسكري] مثل هذا، فإنهم يتعين عليهم فعل أكثر مما فعلوا في المرة الماضية. ولذلك فأنا متخوف من أن يفرغ الصبر في مرحلة ما وتقرع طبول الحرب".

تحميل المزيد