وُلد نجم الكرة الفرنسية بول بوغبا من والدَين غينيّين، كان الأب مسيحياً والأم مُسلمة، ولكنه نشأ طوال حياته على دين والده، قبل أن يترك المسيحية في شبابه ويعتنق الإسلام، وليس بسبب والدته.
يوم 15 مارس/آذار 1993، أبصر بوغبا النور في بلدة "لانيي سور مارن" -التي تقع بضواحي العاصمة الفرنسية باريس- بعد أن هاجر والده فاسو أنطوان إلى فرنسا في ستينيات القرن الماضي، قبل أن تلحق به والدته ياو موريبا حين كانت حاملاً به، ما جعل الصبي يكتسب الجنسية الفرنسية فور ولادته.
نشأ بول بوغبا في ضواحي باريس، ووسط عائلة رياضية بامتياز، فقد كانت والدته لاعبة كرة قدم ضمن صفوف منتخب غينيا، كما كان والده لاعباً هاوياً في شبابه من دون أن يصل إلى الاحتراف، بعد أن تفرّغ للدراسة وأهمل شغفه بالرياضة.
في وقتٍ لاحق انفصل والداه من دون أن يؤثر ذلك على زيارة الأب الدائمة للأولاد -أي بوغبا وشقيقية التوأم فلورنتين وماتياس، اللذين وُلدا قبله بـ3 سنوات في غينيا- وقضاء وقت طويل برفقتهم.
في العام 2018، تُوّج للمرة الأولى مع المنتخب الفرنسي بلقب كأس العالم لكرة القدم، التي جرت نهائياتها في روسيا، وقد تأسّف لوفاة والده من دون أن يشاهد تتويج ابنه باللقب العالمي.
علاقة بوغبا المميزة مع والده المسيحي
ففي شهر مايو/أيار 2017، توفي فاسو أنطوان بوغبا عن عمر 79 سنة، بعد معاناةٍ طويلة مع المرض، ثم -وبعد 10 أشهر فقط- نال نجله الأصغر بول لقب مونديال روسيا 2018.
وفي حوارٍ مع قناة TF1 الفرنسية، كشف اللاعب الفرنسي أنه أحسّ بشعورٍ متناقض عند نيله اللقب العالمي، قائلاً: "لقد كنتُ سعيداً وحزيناً في الوقت نفسه، لأني أتذكر أنه -لما كنت أشاهد فيديوهات الأهداف المسجلة في مونديال 1998- فقد كنت أشاهدها رفقة والدي".
وتابع قائلاً: "كان حلمي أن أشارك في دورة نهائية لكأس العالم، وأن أُتوّج بلقبها، ولقد حققت ذلك، ولكن أبي لم يكن حاضراً معنا.. ولذلك فقد كانت لحظة حزينة وأمراً يدعو للفخر في نفس الوقت".
وأشار بوغبا إلى أنّ والده قد أدّى دوراً كبيراً في نجاحه الرياضي، من خلال تشجيعه ومطالبته دائماً بالقيام بما هو أفضل، وأفصح قائلاً :"كان أبي دائماً ما يطلب مني أن أكون الأول، ويقول لي 'لا يجب أن تتقبل أن يكون أحد ما أقوى منك في مجالك، فيجب أن تعمل أكثر من الآخرين لتكون الأفضل'".
وختم بوغبا حديثه عن والده قائلاً: "إنّه دائماً في قلبي وفي صلواتي، وهذا هو الأهم".
ورغم انفصال والديه عندما كان يبلغ من العمر سنتين فقط، ورغم أنّ الحضانة كانت لصالح الأم، فإن علاقة بوغبا مع أبيه كانت متينة جداً، ولعلّ هذا ما يُفسر أنه قد نشأ مسيحياً وليس مُسلماً مثل والدته.
"الإسلام جعلني أفضل"
وقد لمّح بول لهذا الأمر حين تحدث عن قصة اعتناقه الإسلام، قائلاً: "يمثل الإسلام كل شيء بالنسبة لي، وقد جعلني أشكر الله على كل ما حدث في حياتي. كان بمثابة تحوّلٍ إيجابي في حياتي، لأني لم أولد مُسلماً رغم أن والدتي كانت مسلمة".
ووفقاً لصحيفة Daily Mail البريطانية، فقد كشف بوغبا أن تحوّله إلى الإسلام جاء في سنٍّ متأخرة بعد قناعةٍ تامة، وأوضح قائلاً: "لقد كان لي العديد من الأصدقاء المُسلمين، وكنّا نتحدث كثيراً عن الإسلام، وكنتُ أطرح الكثير من الأسئلة، ثم بدأتُ البحث عنه بنفسي".
وأضاف: "الإسلام فتح لي عقلي وجعلني شخصاً أفضل، فأنت تطلب من الله أن يعفو عنك وتحمده على كلّ ما منحه لك، كالصحة مثلاً".
وتحدث بوغبا عن المرة الأولى التي أدى فيها الصلاة بصفته مُسلماً، فقال: "صلّيتُ للمرة الأولى رفقة أصدقائي، فشعرتُ بإحساسٍ جديد بالراحة، ثم أصبحت مُداوماً عليها بشكلٍ يومي، يجب أن تصلي 5 مرات في اليوم، فهي أحد أركان الإسلام".
ودافع بوغبا عن الاسلام في حديثه قائلاً: "الإسلام ليس بتلك الصورة التي ينظر إليه بها الكثير من الناس على أنه الإرهاب، وليس ما نسمع عنه في وسائل الإعلام.. هو في الحقيقة شيءُ آخر تماماً، شيءٌ جميل".
وأشار نجم نادي يوفنتوس إلى أنه يمقت العنصرية، وأنه مُنفتح على ثقافات العالم، موضحاً: "العالم جميل بالكثير من الألوان والكثير من الثقافات. لديّ أصدقاء صينيون ووكيل أعمالي إيطالي (يقصد مينو رايولا قبل وفاته يوم 30 أبريل/نيسان الماضي) ومحاميّ برازيلي وزوجتي بوليفية. وبالنسبة لي، أنا فرنسي من أصلٍ غيني، حياتي كلّها مبنية على ثقافاتٍ مختلفة، وسعيدٌ بما لدي".
من جهتها، فإن زوجة بوغبا هي بوليفية وعارضة أزياء سابقة، تُدعى ماريا زولاي، وقد ارتبطا رسمياً في مارس/آذار 2018، ولهما ولدان: لابيل شاكور (3 سنوات) وكيان زهيد (سنة ونصف).
ووفقاً لموقع Sports Grail، فإن ماريا تركت المسيحية واعتنقت الإسلام بدورها عندما قرّرت الزواج ببوغبا. وكانت أثارت الجدل مرّاتٍ عدة عندما ظهرت بالحجاب في مناسباتٍ مختلفة.
ففي يوليو/تموز 2021، نشرت صورةً لها بالحجاب مع زوجها اللاعب الفرنسي، بمناسبة عيد الأضحى، متمنيةً عيداً مباركاً "للإخوة والأخوات"، كما كتبت في تعليقها الذي أرفقته مع الصورة.
ثم عادت ونشرت صوراً أخرى لها بالحجاب، عندما احتفلت مع زوجها بعيد ميلادها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إضافةً إلى ارتدائها الحجاب خلال زيارتها الإمارات العربية، لكنه على ما يبدو حجاب مؤقت.
كيف انضمّ بوغبا إلى مانشستر يونايتد؟
بعدما سبقه شقيقاه للعب كرة القدم في فريق البلدة التي كان يعيش فيها، "رواسي أون بري" (Roissy-en-Brie)، التحق بهما بول في العام 1999، حين كان يبلغ من العمر 7 سنوات، وبقي في النادي هناك 5 سنوات.
ولما بلغ سنّ الـ13 لاحظ مدرّبه سامبو تاتي أن هذا المراهق يملك قدراتٍ فنية وبدنية خارقة، مقارنةً بأقرانه. وفكّر أنه من الأفضل له الانضمام إلى فريقٍ آخر، بهدف التطور وحتى يصبح لاعباً محترفاً، فاتصل المدرّب بنادي "تورسي" المعروف بتكوينه الجيد للاعبين.
وفي تصريح لصحيفة Le Parisien الفرنسية، سرد تاتي قصة رحيل بوغبا عن نادي "رواسي سان أون بري"، قائلاً: "لم نكن قادرين هنا على منحه الكثير، وقد تعرّضتُ لانتقادٍ عنيف في ذلك الوقت من قِبل مسؤولي فريقي، لأني اتصلتُ بنادي تورسي حتى يضمّه في صفوفه، لكني لم أكن أنظر إلا لمصلحة بول".
لعب بول بوغبا موسماً واحداً فقط ضمن نادي تورسي، قبل أن ينضم في صيف 2007 إلى أحد أفضل الفرق الفرنسية في مجال التكوين، وهو نادي لوهافر، حيث واصل تطوّره التدريجي حتى أصبح قائداً لفريقه حين كان لم يبلغ بعد الـ16 سنة. بعد ذلك، لفت انتباه كشافة الأندية الأوروبية الكبيرة، فخطفه نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، في يوليو/تموز 2009.
انضمّ بوغبا لفريق الناشئين في نادي مانشستر يونايتد عبر صفقةٍ مجانية، وبرخصة مؤقتة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بعدما رفض نادي لوهافر تسريحه بحجة أنّ اللاعب كان قد وقّع على تعهد بأنه سيوقع على عقده الاحترافي الأول مع نادي الشمال الفرنسي.
وقد توصل لوهافر ومانشستر إلى تسوية وديّة لنزاعهما، في شهر أغسطس/آب 2010، حصل النادي الفرنسي على إثرها على تعويضاتٍ مالية، من دون الكشف عن قيمتها.
يونايتد يتخلى عنه ثم يُعيد ضمّه في صفقة تاريخية
لعب بوغبا موسمين اثنين مع فريق الشباب لمانشستر يونايتد، ثم موسماً واحداً فقط مع الفريق الأول (2011-2012)، قبل أن يتمّ تسريحه مجاناً لنادي يوفنتوس الإيطالي، بعد انتهاء عقده مع النادي الإنجليزي.
تعاقد بوغبا مع يوفنتوس رسمياً، يوم 3 أغسطس/آب 2012، ولم ينتظر كثيراً لإظهار موهبته الكروية الكبيرة، ليُشارك خلال موسمه الأول مع "اليوفي" في 37 مباراة رسمية، سجّل فيها 5 أهداف وبرز كأحد أفضل لاعبي وسط الميدان في إيطاليا.
استمرّ في تألقه خلال المواسم الثلاثة الأخرى، التي خاضها رفقة يوفنتوس، قبل أن يغادره يوم 9 أغسطس/آب 2016 نحو مانشستر يونايتد مجدداً، لكن هذه المرة من خلال صفقةٍ قياسية، اعتُبرت -وقتئذٍ- الأغلى في تاريخ انتقالات اللاعبين.
ومن مفارقات الحياة أنّ مانشستر يونايتد الذي تخلى مجاناً عن نجمه الفرنسي في سنة 2012، اضطرّ إلى دفع مبلغٍ ضخم يُساوي 110 ملايين يورو من أجل إعادته إلى صفوف الفريق.
ومن مفارقات الحياة أيضاً أنّ بوغبا قد عاد من جديد، في صيف 2022 الحالي، ومجاناً أيضاً إلى يوفنتوس، الذي سبق ونال معه 4 ألقاب للدوري الإيطالي، وكأس إيطاليا مرتين، وكأس السوبر الإيطالي مرتين؛ وذلك بعد فشل تجربته الثانية مع مانشستر يونايتد، الذي اكتفى رفقته بالتتويج بكأس الرابطة الإنجليزية المحترفة لكرة القدم، ولقب الدوري الأوروبي في سنة 2017.
وإذا كان شقيقاه التوأم، فلورنيتن وماتياس، قد اختارا اللعب لصالح منتخب بلدهما الأصلي غينيا فقد فضّل بول بوغبا الدفاع عن ألوان منتخب بلد مولده ونشأته؛ فرنسا.
بدأ مشواره الدولي باللعب لمنتخب فرنسا لمن دون 16 سنة في العام 2018، ثم للمنتخب لمن دون 19 سنة -الذي كان قائداً له خلال بطولة أمم أوروبا- ثم قائداً لمنتخب فرنسا لأقل من 20 عاماً، والذي تُوّج رفقته بلقب كأس العالم لسنة 2013، التي جرت دورتها النهائية بتركيا، والتي نال خلالها أيضاً لقب أحسن لاعب في البطولة.
وقد انضمّ بول بوغبا إلى منتخب فرنسا الأول، في 22 مارس/آذار 2013، في مواجهة منتخب جورجيا (3-1) لحساب التصفيات الأوروبية لمونديال البرازيل 2014، وقد خاض منذ ذلك اليوم وحتى الآن 91 مباراة رسمية، سجّل خلالها 11 هدفاً.