"قمة غامضة"، هكذا يمكن وصف قمة العلمين التي استضاف فيها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أربعة من القادة العرب، ويمتد غموضها من أجندة القمة التي تضاربت التقارير حولها إلى تعريف القمة نفسه، حيث فضلت القاهرة أن تطلق عليها "لقاء وديّ تشاوري خاص" وليس قمة.
وعقدت أمس الثلاثاء قمة في مدينة العلمين المصرية، شارك فيها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات والعاهل الأردني الملك عبد الله والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي اضطر لمغادرة العلمين قبل اكتمال القمة بسبب اعتصام أنصار الزعيم الديني مقتدى الصدر أمام مقر مجلس القضاء العراقي.
أهمية العلمين التاريخية
والعلمين في الأصل مدينة مصرية شبه بدوية، قريبة من ساحل البحر المتوسط تقع في محافظة مطروح على بعد نحو 100 كيلومتر من الأسكندرية، واشتهرت عالمياً عندما دارت قربها معركة العلمين الشهيرة في الحرب العالمية عام 1942 بين القائد الألماني الشهير إرفين روميل (الذي يكاد يكون الجنرال الألماني الذي نال إعجاباً علنياً في الغرب) وبين خصمه البريطاني الشهير برنارد مونتغومري، وهي المعركة التي كسر فيها الأخير سلسلة انتصارات روميل المدوية، وكانت بداية لسلسلة طويلة من انتصارات الحلفاء الذين كانوا قبل هذه الحرب يهزمون في كل الجبهات.
جاءت أهمية موقع المعركة (معركتان بالأحرى لا معركة واحدة) أن المنطقة تمثل أفضل وسيلة للدفاع عن وادي النيل؛ لأنها محصورة بين البحر ومنخفض القطارة الذي لا يمكن للدبابات الألمانية اختراقه، ولذلك راهن البريطانيون في المعركة الأولى تحديداً على تحصين المنطقة بالألغام لوقف التقدم الألماني.
تجدر الإشارة إلى أن مصر من الناحية الرسمية لم تكن في حال حرب مع ألمانيا خلال هذه المعركة التي دارت على أرضها، وعلى بعد 100 كيلومتر من الإسكندرية، وبينما كانت الحكومة المصرية تدعم الجهد الحربي العسكري لبريطانيا التي كانت تحتل البلاد، كان الطلاب في الجامعات يتظاهرون تأييداً للألمان، نكاية في الإنجليز؛ حيث كانوا يقولون إلى "الأمام يا روميل" بينما تقصف طائراته الإسكندرية.
وحولت مقابر جنود الحرب العالمية العلمين لمزار عالمي بالنسبة لذوي هؤلاء الجنود، ولكنها ظلت مدينة مصرية صغيرة وبسيطة رغم شهرتها.
وبعد تولي الرئيس السيسي السلطة قرر تأسيس مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط، قرب المدينة الأصلية.
احتفالات كبيرة بضيوف العلمين، ولكن دون بيان ختامي
واهتمت وسائل الإعلام المصرية، والعديد من وسائل الإعلام العربية والدولية، بالقمة التي تعقد لأول مرة في مدينة العلمين، وشهدت احتفالات كبيرة بالضيوف العرب الذين شاركوا في افتتاح فندق كبير في المدينة التي باتت وسائل إعلام مصرية تصفها بعاصمة مصر الصيفية، أو عاصمة الساحل الشمالي المشهور بترفه الصيفي.
ولكن اللافت أن الإعلام ركز على الجوانب البروتوكولية والاحتفالية للقمة دون أن يوضح تماماً ما الهدف من هذه القمة، وما هي محاور أجندتها الرئيسية.
كما تُثار تساؤلات: لماذا لم تحضر السعودية، الحليف القوي لمصر، بينما حضر كل من الإمارات والبحرين والأردن هذه القمة؟
ولم يصدر من القمة بيان ختامي، وقد يفسر ذلك بحرص مصر على وصف الاجتماع بأنه لقاء تشاوري أخوي، بحيث لا تبدو قمة رسمية.
وليس معروفاً ما كانت هذه القمة تستهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية، أم تعزيز الأمن القومي العربي كما قالت بعض وسائل الإعلام.
ماذا قالت الحكومة المصرية عن القمة؟
وبدا الخطاب الرسمي حول القمة شديد العمومية، حيث أفيد بأن هذه القمة تأتي بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إطار التنسيق والتشاور المستمرين بين هذه الدول، بما يخدم العمل العربي المشترك، ويدفع العلاقات العربية إلى مستوى متقدم، لمواجهة مختلف التحديات الدولية والإقليمية الراهنة.
وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، بعد القمة إن لقاء العلمين الخاص تناول العلاقات الأخوية ومختلف جوانب التعاون المشترك.
وأضاف: "جدد القادة دعمهم للجهود والمساعي التي تهدف إلى ترسيخ الأمن والسلام والاستقرار والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة، والذي يرتكز على دعائم الثقة والاحترام المتبادل بما يحقق تطلعات جميع شعوب المنطقة في التقدم والبناء والتنمية.
كما استعرض القادة خلال لقائهم عدداً من القضايا والتطورات الإقليمية والدولية، وتبادلوا وجهات النظر والرؤى بشأنها.
وقالت وكالة أنباء الإمارات "وام" إن القادة بحثوا "العلاقات الأخوية ومختلف جوانب التعاون والعمل المشترك، خاصة في مجال الشراكات الاقتصادية والتنموية وسبل تنميتها وتطويرها".
وتابعت: "جدد القادة في هذا السياق دعمهم أي جهد ومسعى يهدف إلى ترسيخ أسس السلام والاستقرار والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة، والذي يرتكز على دعائم الثقة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بما يحقق تطلعات جميع شعوب المنطقة في التقدم والازدهار والتنمية".
وكذلك استعرض القادة "عدداً من القضايا، وآخر التطورات الإقليمية والدولية، وتبادلوا وجهات النظر بشأنها"، وأكدوا "الحرص المتبادل على استمرار التشاور الأخوي بما يعزز الاستقرار والتقدم والازدهار في المنطقة".
وهذه البيانات العامة على التعاون الأخوى والحرص على السلام والاستقرار تبدو حمالة أوجه، وقد تكون موجهة لإسرائيل أو إيران أو لكليهما.
هل هي امتداد للقمة الثلاثية المصرية العراقية الأردنية؟
يرى كثير من المحللين أن جذور التجمع الذي شهدته العلمين تعود لما يُعرف باسم طريق الشام الجديد الذي ضم مصر والأردن والعراق قبل سنوات، قبل أن تنضم له الإمارات في قمة العقبة في 25 مارس/آذار 2021، حيث التقى الرئيس المصري، وملك الأردن، والكاظمي، وحضر القمة، لأول مرة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي آنذاك، وبحثوا تعزيز علاقات التعاون بين الدول الأربع في ظل الظروف العالمية.
وبعد نحو شهرين من هذا اللقاء، وفي 29 مايو/أيار 2022، دشنت مصر والإمارات والأردن مبادرة شراكة صناعية بين البلدان الثلاثة، وانضمت البحرين إليها في 25 يوليو/تموز الماضي.
ولكن اللافت أن البيانات الرسمية لم تشر إلى أنها امتداد لسلسلة القمم الثلاثية المصرية العراقية الأردنية التي أطلق عليها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، طريق الشام الجديد أو توسيع لها.
التعاون الاقتصادي
تحدثت بعض التقارير عن أن هدف القمة هو تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدان الخمسة، ورغم أن مصر شريك مهم لثلاث دول مشاركة في القمة، وهي العراق والأردن والإمارات، فإن مسارات الشراكات بينهما مختلفة نسبياً، فمصر تعتبر العراق شريكاً تجارياً مهماً لها، خاصة كمستقبل للصادرات المصرية التي تذهب غالباً عبر الأردن، كما تنظر القاهرة باهتمام بالغ للعراق كسوق مهم لشركات المقاولات المصرية.
وبالتالي يمكن القول إن هناك مسار تعاون اقتصادي ثلاثي مصري عراقي أردني مشترك، يرتكز على الصادرات والنقل، والمقاولات والربط الكهربائي.
في المقابل، فإن مسار العلاقات الاقتصادية الإماراتية المصرية مختلف نظراً للبعد الجغرافي للإمارات عن البلدان الثلاثة، وتركيز العلاقات الإماراتية المصرية على مسار الاستثمار بشكل أساسي، ولو أن الهدف ضم الإمارات والبحرين للمسار الثلاثي المصري العراقي الأردني، لكان الأولى مشاركة السعودية الأقرب جغرافياً للبلدان الثلاثة، والأضخم اقتصادياً.
أوكرانيا وتصدير الغاز لأوروبا
تشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن القمة تتناول الأزمة الأوكرانية وتأثيراتها على الدول العربية.
كما تحدثت تقارير أخرى عن أن القمة هدفها بحث تعزيز صادرات الغاز لأوروبا التي تعاني نقصاً كبيراً في الطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية، ولكن مسألة تصدير الغاز فعلياً تهم مصر، وليس للأردن دور فيها فهو مستورد صاف للغاز، كما أن العراق منتج كبير للنفط وليس الغاز كذلك الإمارات، والدولتان العربيتان الرئيسيتان في مجال الغاز هما قطر والجزائر إضافة لمصر.
بحث ملف سد النهضة
وفق مصادر دبلوماسية مصرية صرحت لقناة "العربية"، فإن عدداً من الملفات البارزة تمثل أساس المباحثات بين القادة العرب المشاركين بالقمة، ومن بينها التأكيد على دعم مصر في الحفاظ على أمنها المائي، وتعزيز التعاون الدفاعي العربي المشترك.
ولكن إذا صح الحديث عن أن أزمة النيل وسد النهضة كانت محوراً رئيسياً للقمة، فلماذا لم يحضر السودان القمة إذا كان أمن مصر المائي محوراً لها؟ ولماذا يحضر العراق، البلد الذي يعاني من نقص في المياه أشد من مصر كثيراً، ولم يستطع إثناء جيرانه سوريا وتركيا وإيران عن استقطاع المياه عنه؟
فلسطين على أجندة القمة دون حضور رئيسها
ذكرت بعض وسائل الإعلام المصرية والعربية أن القضية الفلسطينية تُعد أحد أبرز الملفات التي يحرص قادة الدول الخمس على الاهتمام بها في ظل حال استمرار حالة الانقسام والتشرذم بين الفصائل الفلسطينية.
ولكن من الغريب أن تكون فلسطين في مقدمة اهتمامات قمة العلمين، بينما لم يتم دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إليها، كما أنه إذا كانت مصر والأردن بحكم جغرافيتهما لديهم اهتمام خاص بالقضية الفلسطينية، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للعراق والبحرين والإمارات.
وعلى الجانب الآخر، تحدثت بعض التقارير الإعلامية عن أن القمة هدفها تسريع وتيرة التطبيع، ولهذا لم تحضرها السعودية التي تحرص على الروية في هذا الملف.
ولكن مشاركة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في القمة تجعل هذا الاحتمال مستبعَداً؛ لأن العراق لديه موقف حازم من التطبيع، سواء لعلاقته بإيران أو بسبب التوازنات الداخلية، كما أن تقارير فلسطينية وإسرائيلية تفيد بحدوث توتر نادر في العلاقات المصرية الإسرائيلية مؤخراً بسبب عدم التزام تل أبيب بتعهداتها للقاهرة في الأزمة الأخيرة مع حركة الجهاد، إضافة إلى الأنباء عن إسقاط إسرائيل لطائرة مسيرة مصرية.
وهذا ما يجعل من غير المنطقي تماماً أن تستضيف القاهرة في هذا التوقيت قمة تروج للتطبيع.
حقيقة المساعي لإنقاذ القمة العربية بالجزائر
أشير في بعض التقارير الإعلامية إلى أن لقاء العلمين التشاوري الودي الخاص، قد عُقد في إطار التحضير للقمة العربية العادية الدورية المقرر عقدها في الجزائر في نوفمبر/تشرين الأول القادم، خاصة في ضوء تقارير عن قلق عربي من آثار التوتر في العلاقات الجزائرية المغربية على القمة.
ولكن يبدو عدم حضور الجزائر مستضيفة القمة العربية القادمة، أو السعودية البلد العربي الكبير الذي له دور محوري في مثل هذه القضايا أمر يجعل من المستبعد أن يكون هدف لقاء العلمين التشاوري التمهيد لقمة الجزائر.
قمة العلمين، مؤشر إضافي على اهتمام الإمارات بمنطقة الساحل الشمالي
الإمارات ومصر شريكان مهمان من الناحية التجارية والصناعية، كما أن أبوظبي داعم اقتصادي مهم لمصر، وبدأت تضخ استثمارات كبيرة في الاقتصاد المصري مؤخراً أغلبها للاستحواذ على نسب في شركات مصرية، ويتوقع أن تلعب الإمارات دوراً مهماً في مساعي إنقاذ الاقتصاد المصري من أزمته الحالية.
واللافت في هذا الصدد أن الشيخ محمد بن زايد قد وصل إلى العلمين قبل القمة بيوم، وأنه شارك في استقبال باقي القادة مع الرئيس المصري، كأنه صاحب دار.
كما تجدر الإشارة إلى أن منطقة الساحل الشمالي منطقة تلقى اهتماماً خاصاً من قبل الإمارات، حيث يعتقد أنها دعمت إنشاء قاعدة محمد نجيب البحرية في غرب مصر، وخاصة أن أبوظبي والقاهرة كانا يتعاونان في دعم جنرال الحرب الليبي خليفة حفتر وكان هذا الدعم يصل عن طريق هذه المنطقة.
كما ضخت شركة إعمار الإماراتية استثمارات ضخمة لتأسيس سلسلة جديدة من قرى مراسي السياحية الفخمة التي يبدو أنها ستحاكي جزيرة النخلة في دبي، من خلال ردم أجزاء من البحر.
ولقد تندر المصريون على الأرقام الفلكية التي بيعت بها الفيلات في هذه القرى، بينما هم يعانون من أزمة اقتصادية.
كما نشرت تقارير عن تسبب هذا المشروع الإماراتي في إفساد طبيعة البحر والشواطئ في القرى السياحية المجاورة.
هل هدف القمة تدشين "دبي المصرية"؟
وتوصف العلمين، التي تقع في منتصف الساحل الشمالي، بأنها عاصمة الساحل الشمالي، وتمثل أهمية خاصة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يشرف بنفسه على تشييد أبراج أيقونية في المدينة الساحلية.
وتعبر هذه الأبراج الشاهقة عن محاولة لخلق دبي مصرية على ساحل البحر المتوسط، خاصة أن المدينة لها موقع استراتيجي، فهي تقع في منتصف الساحل الشمالي المقر الصيفي للنخبة المصرية المترفة، وعلى بعد نحو 260 كيلومتراً من القاهرة.
وباتت وسائل إعلام مصرية وإماراتية تصف العلمين بدبي المصرية أو دبي البحر المتوسط.
وتعد هذه أول قمة دولية تستضيفها المدينة الجديدة التي شيدت بالكامل في عهد الرئيس السيسي، وتحولت عملياً إلى المقر الصيفي للحكومة المصرية، حسب وصف وسائل الإعلام المصرية، وذلك في عودة لتقليد كان قائماً في العهد الملكي، حيث كانت تنتقل الحكومة المصرية بكامل أعمالها إلى الإسكندرية في فصل الصيف، وهو التقليد الذي يعتقد أنه سهَّل لضباط ثورة 1952 الإطاحة بالنظام الملكي؛ لأنهم تحركوا في يوليو/تموز، حيث كانت القاهرة خالية من أغلب كبار المسؤولين الذين كانوا موجودين آنذاك في الإسكندرية.
غير أن هذا التقليد أوقف في العهد الجمهوري، ولكن مؤخراً شهدت المدينة أداء القسم الدستوري للوزراء الجدد في التعديل الوزاري الأخير.
وتؤشر الأجواء الاحتفالية للقمة أو اللقاء الودي التشاوري حسب التسمية المصرية، والذي بدا فيه أن التركيز على مكان القمة وليس أجندتها وعلى الحضور، وليس ما ناقشوه، والدور الذي لعبه الشيخ محمد بن زايد، كأنه أحد مستضيفي القمة، إلا أن أحد الأهداف الرئيسية لهذا اللقاء قد يكون تدشين مدينة العلمين كعاصمة صيفية لمصر، وكنسخة بحر متوسطية من "دبي" تشيد عبر شراكة مصرية وإماراتية.
وفي هذا السياق، تسلط القمة الأضواء على واحدة من أكثر المشروعات إيثاراً لدى الرئيس السيسي، في وقت تزايدت فيه الانتقادات من قبل بعض حلفائه في الداخل والخارج للتوسع في الاقتراض من أجل المشروعات القومية العملاقة.