في بداية الثمانينيات، في ولاية أوريغون الأمريكية، ازدهرت بلدة صغيرة اسمها "راجيش بورام"، والتي أنشأها أستاذ الفلسفة الهندي "أوشو"، الذي نشر تعاليمه عن التأمل والحرية الجنسية والسلام الداخلي والتعاون بين أفراد المجتمع، واستطاع جذب مئات الأتباع ليعيشوا في تلك البلدة.
شيئاً فشيئاً تحولت تلك البلدة إلى مركز طائفة دينية تُدعى "السيناسيية"، لكن ذلك المجتمع "المثالي" لم يدم طويلاً، بعد أن حاولت تلك الطائفة السيطرة على حكومة الولاية، وتسميم سكانها؛ لمنعهم من المشاركة في الأنتخابات، فيما أصبح يُعرف بأنه أكبر هجوم إرهابي بيولوجي في تاريخ الولايات المتحدة.
"أوشو" يؤسس طائفة "السيناسيية" ويصبح مديناً للحكومة الهندية
ولد "شاندرا موهان جين" في الهند عام 1931، وفي أواخر الستينيات أطلق على نفسه اسم "أوشو"، وكان يتنقل في الهند، مبشراً بأفكاره ويحاول نشرها.
جذب "راجنيش" الانتباه لأفكاره حين أعلن رفضه الأديان التقليدية، وشدد "أوشو" على أهمية الفكر الحر، والتأمل، والحب، والاحتفال، والإبداع، والفكاهة، وهي صفات اعتبرها مكبوتة بسبب التمسك بأنظمة المعتقدات الدينية التقليدية.
وكان أكثر ما تسبب بالجدل حوله وحول أفكاره، هي الدعوة إلى موقف أكثر "انفتاحاً" تجاه النشاط الجنسي.
في عام 1970، أمضى "أوشو" وقتاً في مومباي لتجنيد مزيد من الأتباع حتى أصبحوا حركة منظمة يُعرفون باسم "السيناسيية"، وأصبحوا يعيشون في مجتمع صغير في مدينة "بيون" في وسط الهند.
فكان لهم مؤسسات تجارية، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي لأفراد الحركة وتمويل أنشطتهم، ومراكز دينية لنشر تعاليمهم، وكذلك مراكز علاجية تتقاضى الأموال مقابل جلسات "علاجية روحية"، وانتشرت أفكار "راجنيش" لاحقاً وجذبت عدداً متزايداً من الأتباع حول العالم.
لكن بحلول أواخر السبعينيات، تصاعد التوتر بين الحكومة الهندية والحركة، خاصة بعد مطالبة الحكومة، بضرائب متأخرة تقدر بـ5 ملايين دولار، حينها قرر "أوشو" الهجرة لأمريكا، والبدء من جديد.
"هجرة أوشو" بداية جديدة في أمريكا ومدينة جديدة
بعد أن حصل على فيزا علاجية للدخول إلى أمريكا، أغلق "أوشو" المجتمع الذي أنشأه في الهند، ودعا أتباعه من جميع أنحاء العالم للانضمام إليه لإنشاء مجتمع "استثنائي" في وسط ولاية أوريغون الأمريكية.
وبفضل الثروة التي حققها في الهند، اشترى أوشو عدة منازل وقطعة أرض كبيرة، وأسس مجتمعاً وبلدة جديدة أطلق عليها اسم "راجيش بورام"، وسافر إليه الأتباع من كل حدب وصوب، باحثين عن الصفاء الروحي الذي يتحدث عنه "أوشو"، وفي ذروتها كانت المدينة تضم حوالي 2000 من أتباع الحركة "السيناسيية".
مع التمويل الكافي والقوة البشرية في "راجيش بورام"، عمل النساء والرجال معاً على مدار الساعة، وقاموا ببناء قاعة تأمل ضخمة ومركز تجاري في الهواء الطلق، مع مطاعم ومحلات ملابس ومتجر يبيع الكتب وأشرطة الفيديو لتعاليم أوشو.
كما قاموا بإنشاء مطار خاص وفندق وأماكن معيشة وبحيرة صناعية، وعلى عكس الصورة النمطية الشائعة لأتباع الطوائف الدينية الغريبة الذين يتم التلاعب بهم بسهولة.
كان ثلثا سكان "راجيش بورام" حاصلين على شهادات جامعية، وكان لدى أغلبهم وظائف مرموقة، وكان بعضهم من الأثرياء الذين تركوا حياتهم وتبرعوا بأموالهم لخدمة "أوشو" الذي كان يتنقل بموكب من 90 سيارة رولز رويس.
صيام أوشو عن الكلام وتولي مساعدته السيطرة
بعد فترة أعلن "أوشو" أنه قرر الصيام عن الكلام، وسيقوم بتوكيل مهامه لمساعدته "ما أناند شيلا"، والتي كانت شخصية سريعة البديهة ومتعطشة للسلطة.
في البداية كانت شيلا ناعمة الكلام وجذابة، وسحرت مربي الماشية والسياسيين في ولاية أوريغون.
خاصة أولئك الذين كانوا متخوفين من ذلك المجتمع الغريب الذي ينمو بازدياد وسط ولايتهم، نالت شيلا استحسان مربي الماشية، حيث اشترت ذات مرة 50 رأساً من الماشية، على الرغم من أن أفراد "السيناسيية" كانوا جميعاً نباتيين.
لكن بسبب قوانين الولاية، والتي حددت عدد الأشخاص والمباني التي يمكن وجودها في الأراضي الزراعية، واجهت الطائفة مشاكل مع السلطات في الولاية، حاولت شيلا حلها عن طريق الرشوة، لكنها واجهت رفضاً شديداً، وزادت من التوتر بينها وبين السلطات.
فقررت شيلا السيطرة على المجلس البلدي والحكومة المحلية في الولاية بأسرها، في البداية أمرت بعض الأتباع بأغتيال السياسي الرافض لوجودهم في الولاية، جيمس كوميني، الذي كان يتعافى من جراحة الأذن في المستشفى.
فأرسلت شيلا ممرضة من أتباع "أوشو" لحقن خليط في الأنبوب المغذي الوريدي المربوط بذراع جيمس كوميني، والذي من شأنه أن يوقف قلبه، ولكن لحسن حظه لم يكن هناك مغذٍّ في ذراعه، ما يعني أن أثر الحقنة سيكون واضحاً، ففشلت محاولة الاغتيال.
قررت شيلا لاحقاً ترشيح أعضاء مخلصين من طائفة "السيناسيية"، لخوض الانتخابات المحلية في الولاية، لكن كانت هناك مشكلة، فأهل الولاية لن ينتخبوا شخصاً غريباً وخاصة من أتباع أوشو.
فقررت شيلا تسميم أكبر عدد من أهل الولاية قبل يومين من الانتخابات لتضمن عدم مشاركتهم في التصويت، فيما أصبح لاحقاً أكبر هجوم إرهابي بيولوجي داخل أمريكا، والذي تضمن نشر بكتيريا السالمونيلا في المطاعم والمتاجر ومحلات بيع الخضار والأغذية، كما قامت بجلب المشردين بالحافلات للتصويت لمرشحي طائفة "السيناسيية".
أوشو يكسر صمته ونهاية طائفة "السيناسيية" في أمريكا
في عام 1986 تم ألقاء القبض على شيلا وبعض قادة الحركة بعد إصابة العشرات بالتسمم، وأقرت شيلا بأنها مذنبة بمحاولة القتل والتجسس على أعضاء المجلس البلدي، بالإضافة إلى دورها في حوادث الاحتيال والتسمم، وحُكم عليها بالسجن مع اثنين من القادة الآخرين .
كسر أوشو حينها صمته، وعاد للظهور مرة أخرى وسط أتباعه، وأنكر أي علم له بما كانت تقوم به شيلا، على الرغم من شهادة الكثيرين من أتباعه المقربين، أنه كان على علم بكل خطوة قامت بها، وأنهم شخصياً أبلغوه بما كان يجري، لكنه رفض إيقافها.
قررت السلطات الأمريكية ترحيل أوشو، بعد اتهامه بالاحتيال في معاملات الهجرة كونه دخل أمريكا بفيزا علاجية وليس للإقامة، وانتهت حينها مدينة "راجيش بورام" وتفرق أتباعه، لكنه استمر في دعوته مرة أخرى من الهند حتى وفاته عام 1990.
ورغم سلسلة الفضائح التي لحقت بتلك الطائفة والأعمال الإجرامية التي قام بها قادتها، لا يزال العديد من أعضاء الطائفة الباقين على قيد الحياة يقولون إن التجربة كانت واحدة من أفضل الأوقات في حياتهم!