شهد الاقتصاد الروسي انكماشاً حاداً في الربع الثاني، في ظل شعور البلاد بعبء أكبر من العواقب الاقتصادية لحربها في أوكرانيا، فيما يعتقد الخبراء أنه بداية ركود سيستمر لسنوات، بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية، الجمعة 12 أغسطس/آب 2022.
إذ قالت وكالة الإحصاء الروسية، يوم الجمعة 12 أغسطس/آب، إنَّ الاقتصاد انكمش بنسبة 4% من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران، مقارنة بالعام الذي سبقه. وهذا هو أول تقرير فصلي عن الناتج المحلي الإجمالي يسجل بالكامل التغيير في الاقتصاد منذ الحرب مع أوكرانيا، في فبراير/شباط. ويمثل هذا انعكاساً حاداً عن الربع الأول، عندما نما الاقتصاد بنسبة 3.5%.
فرضت العقوبات الغربية، التي حرمت روسيا من نحو نصف مخزونها الطارئ من العملات الأجنبية والذهب البالغ 600 مليار دولار، قيوداً شديدة على التعامل مع البنوك الروسية، وقطعت الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية؛ ما دفع مئات الشركات الغربية الكبرى إلى الانسحاب من البلاد.
لكن حتى مع تجفيف الواردات إلى روسيا ومنع المعاملات المالية؛ ما أجبر البلاد على التخلف عن سداد ديونها الخارجية، أثبت الاقتصاد الروسي أنه أكثر مرونة مما توقعه بعض الاقتصاديين في البداية. ولم يكن تراجع إجمالي الناتج المحلي، الذي أبلغ عنه يوم الجمعة 12 أغسطس/آب، بالحدة التي توقعها البعض جزئياً، لأنَّ خزائن البلاد كانت مغمورة بعائدات الطاقة مع ارتفاع الأسعار العالمية.
الخسائر الاقتصادية ستزداد
ومع ذلك، يقول المحللون إنَّ الخسائر الاقتصادية ستزداد ثقلاً مع تزايد ابتعاد الدول الغربية عن النفط والغاز الروسي، وهما مصدران مهمان لإيرادات الصادرات.
إذ قالت لورا سولانكو، كبيرة المستشارين في معهد الاقتصاديات التي تمر بمرحلة انتقالية التابع لبنك فنلندا، عن الاقتصاد الروسي: "اعتقدنا أنه سيمر بانخفاض عميق هذا العام، ثم يتوازن". لكن بدلاً من ذلك كان هناك تدهور اقتصادي أكثر اعتدالاً، لكنه سيستمر في العام المقبل؛ ما يضع الاقتصاد في ركود أقل عمقاً لمدة عامين، على حد قولها.
تحركت روسيا، التي كان اقتصادها يبلغ 1.5 تريليون دولار قبل بدء الحرب، بسرعة في الأيام التي أعقبت بداية العملية العسكرية للتخفيف من تأثير العقوبات. وضاعف بنكها المركزي سعر الفائدة بأكثر من الضعف إلى 20%، وفرض قيوداً شديدة على تدفق الأموال خارج البلاد، وأغلق تداول الأسهم في بورصة موسكو وخفف اللوائح المفروضة على البنوك؛ لذا لم يتوقف الإقراض، كما زادت الحكومة الإنفاق الاجتماعي لدعم الأسر والقروض للشركات المتضررة من العقوبات.
الاقتصاد سيضعف على المدى الطويل
وخففت هذه الإجراءات من بعض تأثير العقوبات، ومع انتعاش الروبل استفادت الموارد المالية الروسية من ارتفاع أسعار النفط.
إذ قال ديمتري دولجين، كبير الاقتصاديين المسؤول عن تغطية شؤون روسيا في بنك ING الهولندي، إنَّ "روسيا صمدت أمام صدمة العقوبات الأولية، وكانت مرنة نسبياً حتى الآن"، لكنه أشار إلى أنَّ اقتصاد روسيا سيضعف على المدى الطويل، إن لم تنجح في تنويع تجارتها وتمويلها.
فيما قالت وكالة الإحصاء إنَّ تجارة التجزئة تراجعت بنحو 10%، بينما انخفض نشاط تجارة الجملة بنسبة 15%.
توقعات بتدهور الاقتصاد خلال النصف الثاني من العام
بدوره، قال مايكل بيرنستام، الباحث في مؤسسة هوفر حول الحرب والثورة والسلام بجامعة ستانفورد الأمريكية، إنَّ البيانات الصادرة يوم الجمعة، 12 أغسطس/آب، تتماشى مع تقارير أخرى من روسيا. وهو أيضاً يتوقع أن يتدهور الاقتصاد الروسي في النصف الثاني من هذا العام، ثم مرة أخرى في عام 2023.
في الشهر الماضي، قال البنك المركزي الأوروبي إنَّ النشاط التجاري لم يتباطأ بالقدر المتوقع، لكن البيئة الاقتصادية "لا تزال صعبة وتستمر في تقييد النشاط الاقتصادي بدرجة كبيرة".
وتوقع البنك الأوروبي أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 4 إلى 6% هذا العام، أي أقل بكثير مما كان متوقعاً في الأصل مباشرة بعد بدء الحرب. وتتطابق نسبة 6% أيضاً مع آخر تحديث من صندوق النقد الدولي.
في السياق، قال البنك المركزي الأوروبي، يوم الجمعة 12 أغسطس/آب، إنَّ الاقتصاد الروسي سيشهد انكماشاً أعمق العام المقبل، ولن يعود إلى النمو حتى عام 2025. وتوقع أن يتراوح معدل التضخم بين 12 و15% بنهاية العام.
حيث قالت لورا سولانكو، كبيرة المستشارين في معهد الاقتصاديات التي تمر بمرحلة انتقالية التابع لبنك فنلندا: "لا أعتقد أنَّ الاقتصاد الروسي يعمل جيداً في الوقت الحالي، لكن الفكرة التي تقول إنَّ العقوبات وخروج الشركات من روسيا من شأنها التسبب في انهيار الاقتصاد بسرعة لم تكن واقعية على الإطلاق؛ فالاقتصادات لا تتلاشى".