قرار السيسي بمنح الخريجين العسكريين درجات علمية يكشف عن تنامي نفوذ الجيش المصري في جميع القطاعات.. وأكاديميون: "إجراء مخالف للدستور"
بات الأكاديميون في مصر في حيرة من أمرهم بعد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بمنح درجات علمية مدنية لخريجي الكليات العسكرية؛ إذ أثار هذا القرار، الذي نشرته الجريدة الرسمية المصرية في شهر يوليو/تموز الماضي، وتجاهلته وسائل الإعلام المحلية إلى حدٍ كبير، غضباً كبيراً داخل الأوساط الأكاديمية؛ حيث يقول البعض إنَّه "يتعدى على حرمة المجتمع الأكاديمي". فما القصة؟
مصر.. امتيازات خاصة للجيش تصل حد منح الخريجين العسكريين درجات علمية
سيكون وزير الدفاع المصري، بموجب هذا القرار الجديد، قادراً على منح درجات علمية مدنية لخريجي الكليات العسكرية المختلفة. على سبيل المثال، سوف يحصل خريجو "الكلية الحربية" على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية، بينما يحصل خريجو "الكلية الجوية" على درجة البكالوريوس في التجارة وإدارة الأعمال تخصص إدارة الطيران والمطارات.
يقول مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لموقع The Middle East Eye البريطاني، إنَّ "هذا القرار يخالف الدستور، ولا يحق لوزير الدفاع دستورياً منح شهادات جامعية مدنية".
وتُقدّم الحكومة المصرية، في ظل حكم السيسي، امتيازات خاصة للعسكريين، بدءاً من شقق وسيارات بأسعار مُخفّضة وتلقي العلاج الطبي في مستشفيات خاصة إلى تخصيص شواطئ خاصة يُحظر على المواطنين العاديين دخولها.
يخشى بعض الأكاديميين من أنَّ هذا القرار الجديد يهدد بتقويض الشهادات الجامعية؛ إذ إنَّ القبول الجامعي في مصر مشروط بالحصول على درجات معينة في السنة الأخيرة من التعليم الثانوي في حين أنِّ ثمة كليات -مثل الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية- غالباً ما تكون محجوزة للطلاب الحاصلين على أعلى الدرجات.
في المقابل، لا يتطلب القبول في الكليات العسكرية التابعة للجيش حصول الطالب على درجات عالية في السنة النهائية بالتعليم الثانوي، وهو ما يعني أنَّ الطلاب الحاصلين على نسبة 50% أو 60% يمكنهم الانضمام إلى الكليات العسكرية، بشرط أن يكونوا لائقين بدنياً ونفسياً.
ينطبق الشيء نفسه على أكاديمية الشرطة، التي تؤهل خريجي المدرسة الثانوية ليصبحوا ضباط شرطة.
النفوذ المتزايد للجيش المصري في جميع القطاعات
تركت هذه الخطوة أيضاً بعض التساؤلات عالقة دون إجابة حول مَن سيكون له القول الفصل في منح هذه الدرجات العلمية.
في العادة، يصادق المجلس الأعلى للجامعات، وهو هيئة تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، على الشهادات العلمية الممنوحة لخريجي الجامعات المدنية. ينظم المجلس أيضاً عمل الجامعات المدنية والمعاهد الخاصة المعتمدة من وزارة التعليم العالي في مصر.
لم يُحدّد القرار الأخير للرئيس السيسي ما إذا كانت وزارة الدفاع سَتُنسّق مع المجلس الأعلى للجامعات آليات تقديم الدرجات العلمية المدنية لخريجي الكليات العسكرية.
لهذا السبب، يتهم بعض الأكاديميين الرئيس المصري بتهميش دور المجلس بالتعدي على أحد اختصاصاته وإعطائها لوزير الدفاع.
قال مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنَّ "القرار يتجاهل المجلس الأعلى للجامعات. لا اعتقد أنَّه حدث تشاور مع المجلس بشأن مثل هذا القرار".
بموجب تلك الآلية الجديدة، التي سيجري العمل بها مع بداية العام الدراسي المقبل في سبتمبر/أيلول 2022، فإنَّ وزير الدفاع مُكلّف بوضع المناهج الدراسية وآلية التدريس وأنظمة الامتحانات، فضلاً عن تحديد القواعد التي ستنظم عملية منح هذه الدرجات العلمية المدنية.
يرى بعض المراقبين قرار منح الخريجين العسكريين درجات علمية على أنَّه جزء من حملة أوسع لزيادة نفوذ الجيش داخل المؤسسات المدنية للدولة. قال محلل سياسي تحدث إلى موقع "Middle East Eye"، بشرط عدم الكشف عن هويته: "يتجلَّى هذا التوجه تماماً في مثل هذا القرار".
سعى الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إرضاء المصريين من خلال الشروع في مشاريع تنموية كبرى وبرامج رعاية اجتماعية، بعد توليه السلطة في انقلاب عسكري أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، محمد مرسي، في عام 2013.
في الوقت نفسه، عمل السيسي على زيادة تمكين الجيش وتوسيع دوره في كل جانب من جوانب الدولة المصرية تقريباً.
ينخرط الضباط العسكريون في إدارة جزء كبير من مختلف قطاعات الاقتصاد؛ مثل تطوير البنية التحتية للطرق ومشاريع بناء وإنتاج غذاء وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، من ضمنها صحف وقنوات تلفزيونية تديرها الدولة.
هل هناك "فوائد" لقرار السيسي؟
رغم تحذيرات البعض من تداعيات القرار الأخير للسيسي، يرى آخرون أنَّه جدير بالاستحسان.
بالنسبة لبعض المصريين، يُنظر إلى الجيش باعتباره "حارس الرفاه الاجتماعي والاقتصادي"، بالإضافة إلى واجباته الدفاعية.
خلال إضراب سائقي حافلات هيئة النقل العام عام 2011، أرسل الجيش قوات لقيادة الحافلات بدلاً من السائقين العموميين. كما ساعد الجيش أيضاً في توفير السلع الأساسية بتكاليف منخفضة في عام 2016 بعد ارتفاع أسعار السلع جراء أزمة العملة.
قال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنَّ "قرار منح الخريجين العسكريين درجات علمية مدنية لا ينبغي النظر إليه بتشكَّك من خلال عدسة عسكرة المجتمع. بدلاً من ذلك، يجب النظر إليه على أنَّه خطوة مهمة لمنح ضباط الجيش مزيداً من الخبرة".
وأضاف فهمي لموقع "Middle East Eye" إنَّ "الظروف الإقليمية والدولية تحتم على ضباط الجيش دراسة العلوم السياسية والإستراتيجية"، مشيراً إلى أنَّ هذا بالضبط ما يحدث في الأكاديميات العسكرية الأوروبية.
يتفق الجنرال المتقاعد نصر سالم مع تقييم فهمي، قائلاً: "لم تُتّخذ هذه الخطوة لكي يتولى ضباط الجيش مناصب مدنية في وقتٍ لاحق". وأضاف: "يتمثَّل الهدف الأساسي في جعل ضباط الجيش أكثر قدرة على اتخاذ القرارات وإجراء تقييمات عسكرية محسوبة جيداً".