بعد نحو 12 عاماً من اعتقاله، عاد اسم تاجر الأسلحة الخطير فيكتور بوت إلى الواجهة من جديد، أثناء الحديث عن مبادلة أسرى محتملة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا؛ من أجل الإفراج عن نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني جرينير.
فمن هو فيكتور بوت، لماذا يُلقّب بتاجر الموت، لماذا تسعى روسيا لإخراجه رغم أنّه مُهرّب؟
فيكتور بوت تاجر أسلحة روسي يتحدث 7 لغات!
وُلد فيكتور بوت في 13 يناير/كانون الثاني 1967 في العاصمة الطاجيكستانية دوشنبه بالقرب من الحدود مع أفغانستان التي كانت حينها إحدى مُدن الاتحاد السوفييتي.
ووفقاً لما ذكرته شبكة CNN الأمريكية، فإن بوت هو محاسب وميكانيكي سيارات وقد تخرج في المعهد العسكري للغات الأجنبية التابع للاستخبارات العسكرية الروسية.
ومن ثمّ أصبح ضابطاً في الجيش السوفييتي، كان برتبة ملازم وعمل مترجماً عسكرياً في العديد من الدول منها أنغولا، البلد الذي أصبح فيما بعد مركزاً لأعماله.
في حين يعتبر بوت شخصاً لغوياً موهوباً، إذ يجيد التحدث بالعديد من اللغات، فعدا تحدثه باللغتين الطاجيكية والروسيّة، فإنه يتحدث أيضاً الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والعربية والفارسية.
لقّب بتاجر الموت لأنه كان سبباً باستمرار الحروب في بعض الدول
يُعتبر فيكتور بوت تاجر الأسلحة الأكثر شهرة وتأثيراً في العالم، لُقب بتاجر الموت أو ملك الموت، لقدرته على بيع الأسلحة إلى الدول التي تخضع لحظر من قبل منظمة الأمم المتحدة.
ويُعتقد أنّه لولا الأسلحة التي باعها فيكتور بوت لأطراف النزاع حول العالم، لما تواصلت الحروب في السودان وليبيريا وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسيراليون، إضافة إلى بيعه الكثير من الأسلحة لدول آسيا وأمريكا الجنوبية.
في حين يُعتقد أن بوت سافر تحت عدة أسماء مستعارة مثل: "فيكتور أناتوليفيتش بوت" و"فيكتور لكن" و"فيكتور بولاكين" و"فاديم ماركوفيتش"، وانتقل من خلالها عبر بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة وجنوب إفريقيا قبل ظهوره في روسيا عام 2003.
كان فيكتور صاحب سمعة سيئة في العالم، لدرجة أنّ حياته ألهمت صنّاع هوليوود لإنتاج فيلم Lord of War في العام 2005 من بطولة نيكولاس كيج.
الفائز الأكبر من تفكك الاتحاد السوفييتي
الاستفادة الحقيقية التي أدخلت فيكتور بوت في مجال تجارة الأسلحة كانت في أعقاب الكتلة الشيوعية في 1989-1991، عندما استفاد من وفرة الأسلحة من الحقبة السوفييتية المهملة، واستغلها في تأجيج سلسلة الحروب الأهلية في إفريقيا وآسيا.
ومع تفكك الأسطول الجوي الضخم للاتحاد السوفييتي، تمكن بوت من الحصول على سرب من حوالي 60 طائرة عسكرية سوفييتية قديمة كان مقرها في الإمارات العربية المتحدة، والتي من خلالها تمكن من توفير أسلحته إلى الدول الأخرى، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
فيما أصبح فيكتور معروفاً لأول مرة عندما بدأت الأمم المتحدة التحقيق معه في أوائل التسعينيات وحتى منتصف التسعينيات عندما ظهر لأول مرة على رادار وكالة المخابرات الأمريكية، وسط تقارير عن مواطن روسي غامض يتاجر بالأسلحة في إفريقيا، وكان بحلول مطلع الألفية الجديدة أحد أكثر الرجال المطلوبين في العالم.
بنى إمبراطورية أسلحته في إمارة الشارقة الإماراتية!
أفادت سيرة ذاتية صدرت عام 2007 بعنوان "تاجر الموت: البنادق والطائرات والرجل الذي يجعل الحرب ممكنة" للكاتبين دوغلاس فرح وستيفن براون بالتفاصيل التالية لتجارة بوت الغامضة.
تروي السيرة الذاتية أنّ فيكتور بوت ربط إمبراطوريته في تجارة الأسلحة من شركة أعمال لوجستية عادية كان مقرها إمارة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة.
وكان من بين عملائه الجماعات المتمردة والميليشيات من الكونغو إلى أنغولا وليبيريا، لم يكن لديه سوى القليل من الأيديولوجيا الراسخة، ويميل إلى وضع الأعمال فوق السياسة.
في أفغانستان، باع بنادق مختلفة لعناصر طالبان وخصومهم في تحالف الشمال الموالي للغرب، وفقاً للسيرة الذاتية.
فيما جاء في وثائق الأمم المتحدة أن بوت رجل أعمال وتاجر وناقل للأسلحة والمعادن، دعم الرئيس الليبيري السابق تشارلز تيلور بالسلاح في محاولة لزعزعة استقرار سيراليون والحصول على الألماس بطريقة غير مشروعة.
بائع صواريخ لمقاتلي فارك اليسارية الكولومبية أم محبٌّ للتانغو؟
جاءت نهاية فيكتور بوت في العام 2008 بعد عملية مُتقنة من قبل إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية التي راقبت تنقل بوت عبر عدة بلدان وصولاً إلى فندق فخم في العاصمة التايلاندية بانكوك.
وبعد عملية مُعقدة استطاعوا إثبات التهمة على بوت أمام الكاميرا وهو يوافق على بيع عملاء سريين أمريكيين متنكرين كممثلين لمقاتلي فارك اليسارية الكولومبية 100 صاروخ أرض – جو، والتي سيستخدمونها في قتال القوات الأمريكية، وبعد ذلك بوقت قصير، ألقت الشرطة التايلاندية القبض عليه.
فيما نُقل عن زوجته قولها إن علاقته الوحيدة بكولومبيا كانت "دروس التانغو".
محاكمة فيكتور بوت في الولايات المتحدة الأمريكية
بعد أكثر من عامين من الجدل الدبلوماسي الذي أصرت فيه روسيا على أن بوت بريء وأن قضيته مشحونة سياسياً، تم تسليم بوت إلى الولايات المتحدة، حيث واجه مجموعة من التهم، بما في ذلك التآمر لدعم الإرهابيين، والتآمر لقتل الأمريكيين، وغسيل أموال.
حوكم بوت بتهم تتعلق بالقوات المسلحة الثورية لكولومبيا، وهو ما نفاه.
فيما زعم بوت أنه ببساطة رجل أعمال لديه شركة نقل دولية مشروعة، واتهم خطأ بمحاولة تسليح المتمردين في أمريكا الجنوبية، لكن هيئة المحلفين في نيويورك لم تصدق قصته.
في حين نفى بوت في مقابلة مع القناة الرابعة البريطانية في عام 2009، بشكل قاطع التعامل مع القاعدة أو طالبان.
لكنه اعترف وفقاً لشبكة BBC البريطانيّة بإرسال أسلحة إلى أفغانستان في منتصف التسعينيات، قائلاً إن القادة الذين يقاتلون ضد طالبان استخدموا هذه الأسلحة.
كما زعم أنه ساعد الحكومة الفرنسية في نقل البضائع إلى رواندا بعد الإبادة الجماعية، ونقل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وفي عام 2012 أدين وحكم عليه من قبل محكمة في مانهاتن بالسجن 25 عاماً، وهو الحد الأدنى للعقوبة الممكنة، ومنذ ذلك الحين، كانت الدولة الروسية حريصة على استعادته.
فقد دعمته السلطات الروسية طوال إجراءاته القانونية، حيث تعهد وزير الخارجية سيرجي لافروف بالقتال من أجل ضمان عودته إلى روسيا ووصف قرار المحكمة التايلاندية بتسليمه للولايات المتحدة بأنه "غير عادل وسياسي".
هل سيتم الإفراج ضمن عملية مبادلة باللاعبة الأمريكية؟
في 17 فبراير/شباط الماضي، ادعت سلطات مطار موسكو أنها عثرت في حقائب لاعبة كرة السلة الأمريكية بريتني جرينير البالغة من العمر 31 عاماً على "زيت الحشيش" أثناء عودتها إلى الولايات المتحدة من روسيا.
فيما قضت محكمة روسية، الخميس 4 أغسطس/أب 2022، بسجن جرينير لمدة 9 سنوات، وذلك بعد أن أقرت نجمة كرة السلة الأمريكية بالذنب أمام محكمة روسية فيما يتعلق باتهامها بحيازة مادة مخدرة، لكنها قالت إنها لم تخالف القانون عن عمد.
وفي 5 أغسطس/آب 2022، قالت الولايات المتحدة وروسيا إنهما مستعدتان لمناقشة تبادل الأسرى.
فيما قالت مصادر مطلعة على الوضع لرويترز الشهر الماضي، إن واشنطن عرضت استبدال بوت بجرينر وعنصر مشاة البحرية الأمريكية السابق بول ويلان الذي حكم عليه عام 2020 بالسجن 16 عاماً بتهمة التجسس.
فيما ترى رويترز أيضاً أن اهتمام الدولة الروسية المستمر ببوت، بالإضافة إلى مهاراته وعلاقاته في تجارة الأسلحة الدولية، يشير بقوة إلى علاقته القوية بالاستخبارات الروسية.