في ضوء احتمال قطع روسيا الغاز عن ألمانيا، وخطط الحكومة لتوفير الطاقة مع اقتراب فصل الشتاء، اشتد إقبال المواطنين على شراء سخانات التدفئة الكهربائية في أنحاء العاصمة برلين.
وقال فرانك دورنج، صاحب متجر في برلين، إنه "لاحظ زيادة في بيع سخانات التدفئة الكهربائية على مدار الشهرين الماضيين، وقد نفدت تماماً الآن".
ويعمل متجر Eisen Doring في مجال بيع السلع الكهربائية منذ ما يقرب من 120 عاماً في أحد الأحياء الراقية في برلين.
وقال دورنج، وهو الجيل الثالث من عائلته، للأناضول: "لم يعد لدي سخانات كهربائية ولا مدافئ، ولا يوجد أي ضمان متى سيزودنا الموردون بالمزيد".
وأضاف: "ربما نحصل عليها خلال الأشهر الأربعة المقبلة.. لا يمكن لأي شركة أن تحدد موعد تسليم معين لأن جميع البضائع قد بيعت بالكامل.. هذه هي المشكلة الكبرى".
ولفت دورنج: "الجميع يريد شراء سخان كهربائي لأنه إذا لم يكن لديك غاز، يكون الجو بارداً في المنزل".
وطلبت الحكومة الألمانية من المواطنين تقليل استهلاكهم للطاقة، وهي قلقة من أنه إذا كان هناك انخفاض في إمدادات الغاز، أو زيادة أخرى في أسعاره، فإنها ستضطر إلى الاعتماد بشكل أقل على الغاز، وأكثر على الكهرباء.
واختتم صاحب المتجر حديثه قائلاً: "نخشى مواجهة مشاكل صحية خلال الشتاء، لاسيما مع عدم توفر التدفئة، فعلى الأقل يحتاج المرء إلى حمام دافئ، وربما لن نتمكن من الحصول على ماء ساخن، ولهذا السبب يحتاج الجميع سخاناً كهربائياً بشكل عاجل".
تقنين متوقع
الاتحاد الأوروبي عبر عن قلق خطير وسط توقعات انخفاض إمدادات الغاز من روسيا في أنحاء القارة العجوز، مع احتمال الاضطرار إلى تقنين الغاز للصناعة، والاستهلاك المحلي.
وفقًا لتوماس أودونيل، خبير النفط والغاز: "يبلغ تدفق الغاز الحالي 20% فقط من سعة خط الأنابيب نورد ستريم 1، ما يعني أن ألمانيا لن تكون قادرة على تخزين ما يكفي من الغاز لاستخدامه في أشهر الشتاء".
"من المحتمل، أن يكون لدينا نقص بنسبة 30% في الغاز الطبيعي هذا الشتاء.. وبعبارة أخرى فإن الكثيرين قد لا يحصلون على الغاز، وسيكون هناك تقنين".
وأضاف أودونيل أن "المستهلكين سيشعرون بالتأثر، هنا حتماً في برلين خاصة، وألمانيا عامة".
وفي خطوة جديدة بهدف تقنين استهلاك الطاقة، أغلقت الحكومة الألمانية الأنوار في المباني الحكومية، والآثار، ليلاً.
ويتمتع المستهلكون المحليون والأسر بالحماية القانونية في حالة الطوارئ المتعلقة بالغاز، جنباً إلى جنب مع المؤسسات الاجتماعية، مثل المستشفيات.
قلق المستهلكين
ووفقًا لشركة أبحاث السوق GFK، تم بيع 600 ألف وحدة من السخانات الكهربائية في ألمانيا، خلال الفترة الممتدة بين يناير/كانون ثاني إلى يونيو/حزيران الماضي، وهو ما يمثل زيادة تقارب 35% على أساس سنوي.
وأعرب العديد من الأشخاص في برلين، الذين استطلعت الأناضول آراءهم، عن قلقهم إزاء أي زيادة جديدة في تكاليف الطاقة، وإمكانية حدوث نقص في الغاز خلال الشتاء.
قال أحد المتقاعدين: "إننا قلقون للغاية بشأن أسعار الغاز، ونخشى أن يكون عبئاً كبيراً.. ومع ذلك، فبالنسبة للأشخاص الذين ليس لديهم منازل كبيرة، لن يواجهوا الكثير من المتاعب على ما أعتقد".
وأكد شخص آخر: "نعم.. أنا قلق بشأن تكلفة الطاقة بالتأكيد، خاصة في فصل الشتاء الذي يأتي في غضون 3 أو 4 أشهر".
وقال طالب يدعى جيسون، للأناضول، إنه كان يخطط لشراء جرة غاز صغيرة حتى يتمكن من شراء الغاز بكميات قليلة، فقط ليتمكن من طهي الطعام".
ورداً على سؤال إن كان سيشتري سخاناً كهربائياً، قال: "ليس كل شخص لديه المال مقابل ذلك، أعني أن هذه الأشياء باهظة الثمن الآن.. أعتقد أن شراء السخان أمر ضروري خلال الأيام التي نعيشها، ولو توفر لديّ المال، لاشتريته فوراً".
ودفعت الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة التي تسببت بها العديد من الدول حول العالم لتسريع خطط التحول إلى الطاقة النظيفة، مع اعتمادها بشكل كبير على النفط والغاز والفحم، في سعيها للحصول على إمدادات طاقة أكثر أماناً.
مصادر الطاقة المتجددة "أرخص طريق" لاعتماد أوروبا على ذاتها
وتميل العديد من البلدان أكثر إلى الوقود الأحفوري، حتى باتت في سباق لحجز إمدادات كافية من مصادر غير روسية، خاصة الدول الأوروبية، بما في ذلك المزيد من الفحم، لضمان قدرتها على تدفئة المنازل ومصانع الطاقة ونقل البضائع خلال السنوات القليلة المقبلة.
في الوقت نفسه، تعمل الكثير من الدول، خاصة في أوروبا، على تسريع خطط التحول إلى الطاقة الخضراء، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بهدف تلبية الأهداف المناخية، وكذلك التقليل الدائم من التعرض لإمدادات النفط والغاز المتقلبة من الناحية الجيوسياسية، كما أن البعض يعيد النظر في الطاقة النووية، بحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
لكن يرى البعض أن الاضطرابات الحالية التي تصيب قطاع الطاقة في العالم يمكن أن تسرع في النهاية من انتقال العالم إلى الطاقة النظيفة، ويقول لاري فينك من "بلاك روك"، أكبر شركة في العالم لإدارة الأصول: "أعتقد أن الأحداث الأخيرة ستسرع في الواقع التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة في أجزاء كثيرة من العالم".
ولسنوات طويلة، اختارت ألمانيا ودول أوروبية أخرى الإمدادات الروسية الرخيصة للطاقة على الواردات من الولايات المتحدة وأماكن أخرى. حيث تقدم روسيا حوالي 40% من الغاز الذي تستخدمه أوروبا لتدفئة المنازل وتوليد الكهرباء. وتخطط الولايات المتحدة الآن لزيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، بهدف شحن 50 مليار متر مكعب أو أكثر سنوياً حتى عام 2030 على الأقل، للمساعدة في تلبية طلب القارة.
لكن يظل فطام أوروبا عن الإمدادات الروسية مهمة ضخمة ومكلفة؛ إذ سيتطلب فصل الاتحاد الأوروبي عن واردات الغاز الروسي إنفاقاً سنوياً إضافياً لا يقل عن 170 مليار يورو (حوالي 187 مليار دولار) على إنتاج الطاقة المتجددة على مدى 6 سنوات، وفقاً لباحثين من شركة Allianz الألمانية.
ومع هذه التكلفة تصنف مصادر الطاقة المتجددة على أنها أرخص طريق لاعتماد أوروبا على نفسها في مجال الطاقة. فبعد أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن بلاده ستبني محطتين جديدتين لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وتعزز مخزونات الوقود وتحول مشتريات الطاقة تدريجياً بعيداً عن روسيا. وقال مسؤولون ألمان إنهم قد يطيلون استخدام محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي خططت البلاد لإغلاقها بحلول عام 2030.