وصلت السياسية الأمريكية البارزة ورئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إلى تايوان دون اعتبار للمخاطر المترتبة على ذلك، ومتجاهلة تحذيرات البيت الأبيض والبنتاغون، ضاربة بعرض الحائط كل التهديدات التي لوحت بها الصين، المعترضة على هذه الزيارة، فاتحة الباب على كم هائل من المخاطر المحتمَلة من رد فعل الدولة النووية الآسيوية.
في إطار هذه الزيارة الخطيرة، يدعي كثير من المراقبين أن لدى الساسة الأمريكيين، والإدارة الديمقراطية تحديداً، رغبة في إشعال النيران في كل مكان حيثما أمكنهم ذلك، البداية كانت في أوكرانيا، والآن في تايوان، وبالتوازي تم اغتيال أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة على الأراضي الأفغانية دون أي اعتبار لـ"اتفاق الدوحة". وأن هَم إدارة بايدن الرئيسي هو إثبات أن الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في العالم، بلا منافس.
فهل هذا الادعاء صحيح؟
للإجابة على ذلك، دعونا نتطرق إلى جزئيتين، الأولى عن الوضع في آسيا وأوروبا، والثانية عن الوضع في الشرق الأوسط، ونبحث من خلالهما عن صحة ذلك الادعاء الخطير!
عن الوضع في أوروبا
للإنصاف علينا أن ندين الحرب التي شنتها روسيا على الدولة الأوكرانية، وانتهاكها لأراضيها، وإشاعة القتل والدمار فيها، ولكن وفي نفس الوقت علينا ألا نعفي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من مسؤولية ما حدث.
إذ كان يمكنهم محاولة احتواء هذه الأزمة سياسياً، والتوقف عن استفزاز الدولة النووية الروسية، وطمأنة الكرملين بأنه لا توجد نية لضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأيضاً تقديم ضمانات بتوقف الناتو عن التوسع شرقاً، وعدم الاقتراب أكثر من الحدود الروسية. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، فقد قام بعض كبار الساسة الأوروبيين، بإصدار تصريحات غير مسؤولة، قاموا فيها بالتلميح برغبتهم في ضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، وفي ظل تشجيع ورعاية وحماية أمريكية، مما استفز الدب الروسي، والنتيجة، وكما نتابع جميعاً الآن، دُمرت أوكرانيا، ودُمرت معها أجزاء ليست صغيرة من الاقتصاد الأوروبي، وأغرق جميع الأطراف، ومنهم روسيا، في صراع مكلف طويل، سوف ينهك اقتصادهم ويتسبب في آلام ومآسٍ لشعوبهم.
الخطأ الغربي الثاني، كان اتخاذ موقف المتفرج إزاء ما يقوم به الجيش الروسي من قتل وتدمير في سوريا، وما يتعرض له الشعب السوري من قتل وتهجير وتنكيل، ولم يحرك ساكناً مثله مثل ما يحدث في ليبيا وفلسطين المحتلة والعراق واليمن، وفي دول عربية كثيرة، دون أن يحركوا ساكناً لما يحدث من مآسٍ إنسانية يندى لها الجبين في المنطقة العربية، كل ذلك شجع على توسعة رقعة الحروب وانتشار عدوى الفوضى والقلاقل في العالم.
عن الوضع في آسيا
قامت الولايات المتحدة بارتكاب نفس الخطأ الذي ارتكبته في أوكرانيا، بقيام رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، بزيارة تايوان دون اعتبار للمخاطر المترتبة على ذلك، ومتجاهلة كل التهديدات التي لوحت بها الصين المعترضة على هذه الزيارة.
الحقيقة أن هذا العمل الاستفزازي من الدرجة الأولى، يترتب عليه استنفار حاد بين القوتين النوويتين، وقد يؤدي إلى إشعال بقعة حرب جديدة في العالم بعد الشرق الأوسط وأوكرانيا، وكلها أزمات وحروب مفتعلة، يكون وقودها وضحيتها مواطني مناطق النزاعات والحروب. أما السياسيون والذين يدفعون إلى كل هذه الحروب والمآسي فيعلمون علم اليقين أنهم وأسرهم في مأمن من كل ذلك.
الخلاصة
إذن، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بكل ذلك لتثبت أنها أقوى دولة في العالم، بلا منازع، لا من أجل الدفاع عن الديمقراطيات وحريات الشعوب في العالم، ونراها ادعاءات واهية، تنكسر وتتساقط على تلال الوضع المأساوي المعقد والفوضى الكبيرة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، والظروف غير الإنسانية التي تزداد سوءاً لشعوب المنطقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.