كيف سيكون شكل العلاقة بين الرئيس فلاديمير بوتين والغرب إذا انتهت حرب أوكرانيا، هل يمكن للطرفين إبرام صفقة للسلام، أم سيحاول الغرب الإطاحة ببوتين، أم يخوضان حرباً باردة طويلة الأمد؟.
منذ تولى بوتين الرئاسة عام 1999، كان واضحاً في ما يريده: البقاء في منصبه طالما أراد ذلك، والاعتراف بروسيا قوة عظمى. لكن فكرته عما يعنيه هذا وما هو على استعداد لفعله لتحقيق أهدافه تغيّرا بمرور الوقت، ويبدو أننا الآن نشهد المرحلة النهائية والأكثر خطورة من انحداره إلى طاغية دولة مارقة، حسب وصف صحيفة The Times البريطانية.
بوتين يقرر تحويل روسيا إلى دولة متأهبة عسكرياً
في بداية الحرب، دعم بوتين التكنوقراط الذين أرادوا الحفاظ على الوضع الراهن على حساب الصقور الذين أرادوا دولة مستعدة للحرب.
لكنه أصدر قانوناً جديداً هذا الشهر لاستنفار الاقتصاد، فأُجبر العاملون في المؤسسات المرتبطة بالدفاع على العمل لساعات إضافية، ومُنعت الشركات من رفض العقود الحكومية.
وهذه الخطوة الجديدة التي اتخذها بوتين تقضي أن يخضع كل شيء للحرب. فحين قال، في 7 يوليو/تموز، إن "على الجميع أن يدركوا أننا لم ندخل في مرحلة الجدية بعد"، لم يكن يتحدث فقط، كما افترض الكثيرون، عن ساحة المعركة. بل كان يشير في الواقع إلى أنه يرغب في العمل بقيود أقل.
بوتين معرض للخطر إذا خسر الحرب، والآن قرر أن يعادي الغرب
العلاقة بين بوتين والغرب الآن في أخطر حالاتها. فالرئيس الروسي لديه الكثير والقليل ليخسره في الوقت ذاته. الكثير من ناحية أنه إذا خسر الحرب، فسيواجه خطر إطاحته وتحوله إلى كبش فداء، وفي أحسن الأحوال، سوف تتحطم أحلامه في إضافة اسمه إلى الأبطال القوميين الروس تحطيماً.
ولديه القليل ليخسره من ناحية أخرى لأنه لا يزال يعتقد أنه يمكنه الصمود أمام الغرب، وأن الغرب سيفقد الإرادة لخوض هذه الحرب غير المباشرة قبل أن تفعل روسيا، إلا أنه توقف عن الاعتقاد بأنه يستطيع التعايش مع الغرب.
ففي فبراير/شباط، بدا أن بوتين يظن أن بإمكانه الاستيلاء على أوكرانيا دون خوض مواجهة مباشرة مع الغرب. لكن توقفه عن الاعتقاد بهذه الأوهام يشير إلى أنه تقبل دوره الجديد عدواً للنظام الغربي.
وعليه ألا ينتظر عرضاً "لإعادة بناء" العلاقات مع الغرب كما حدث، في قراءة خاطئة كارثية للوضع، بعد غزوه لجورجيا عام 2008.
الصراع لن ينتهي حتى لو حل السلام بأوكرانيا.. فهل يلجأ الغرب لتغيير النظام؟
لو تقبل الغرب حقيقة أن بوتين الآن يرى نفسه في صراع وجودي معه، فستستمر هذه الحرب -ولو بوسائل غير عسكرية- حتى عندما يحل السلام على حقول دوار الشمس في أوكرانيا، حسب الصحيفة البريطانية.
فهل يكمن الحل في جهود متضافرة لتغيير النظام؟ بشكل عام، هذا خيار من الأفضل للغرب أن يتجنبه. فهو ليس بارعاً كثيراً في ذلك -يُقال إن الرئيس الكوبي فيدل كاسترو نجا من أكثر من 600 محاولة لاغتياله وتوفي لأسباب طبيعية عن عمر يناهز 90 عاماً- بل وأسوأ حالاً في السيطرة على النتائج، كما هو واضح في أفغانستان والعراق.
ولو أخذ الغرب بهذا الخيار، فلا بد أن يدرك أن بوتين سيرد بالمثل. وحتى لو نجح، فهو يجازف برد فعل جنوني من بوتين، أو أن يستبدل ببوتين شخصاً أصغر سناً وأقوى صحة ولكن أكثر غضباً.
وقد يحاول الغرب تعزيز انقسام النظام في ظل فشل الحصار
ومع ذلك، فربما يكون هناك مقترح آخر جدير بالمناقشة بشأن العلاقة بين بوتين والغرب، من وجهة نظر صحيفة The Times البريطانية، سواء كان بغرض استبعاده أو اعتماده بطريقة مدروسة، ألا وهو التركيز على تضخيم الانقسام في النظام الروسي وتعزيز المقاومة لحكم بوتين في البلاد. وقد ثبت أن محاولات الغرب استغلال رجال الأعمال الروس عن طريق العقوبات عقيمة، ولكن توجد سبل أخرى للتأثير، حسب الصحيفة.
وإلا، فعلى الغرب أن يقبل واقع أنه عالق في صراع مع روسيا طالما ظل بوتين في الكرملين على الأقل. فروسيا ليست على وشك الانهيار ولا اقتصادها ينهار.
ومن الناحية الموضوعية، قد لا تكون روسيا قوة عظمى، ولكن طالما أن حكامها على استعداد لأن يكونوا مقاتلين جيوسياسيين، ولأن يقاتلوا بشروطهم، ويتحدوا القوانين الغربية، فربما تستمر في الإضرار بالغرب.
هل يخوض بوتين والغرب حرباً باردة طويلة الأمد؟
وهذا يعني بالنسبة للغرب أكثر من مجرد شراء الغاز من مكان آخر.
فهو يعني نوع التكيف الذي مرّ به الغرب في الحرب الباردة، في كل شيء من الإنفاق الدفاعي إلى النضال النشط لدعم الجنوب العالمي؛ حيث تنشط روسيا والصين.
ويعني أيضاً أنه على السياسيين المتنافسين على الأصوات أن يعترفوا بأن الغرب سيخوض هذه الحرب وسيدفع ثمنها لا لبضعة أشهر أو حتى سنة، بل وفي المستقبل المنظور.
وتختتم الصحيفة البريطانية تقريرها بالقول: "كلما بدأنا جميعاً في تقبل (بوتين في مرحلته النهائية)، كان ذلك أفضل".