يستعدّ الرئيس التونسي قيس سعيّد لإصدار مرسوم يخصّ القانون الانتخابي الجديد في تونس وطريقة انتخاب الغرفتين التشريعيتين، البرلمان والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، وشروط الترشّح للانتخابات التشريعية المنتظر إجراؤها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وفق العديد من المختصين والمتابعين للشأن التونسي، فإن الدستور المصادق عليه لا يمثل سوى مدخل عام لتنفيذ الرئيس قيس سعيد لمشروعه السياسي المعروف باسم البناء القاعدي أو النظام المجالسي، الذي يمر ضرورةً عبر قانون انتخابي يلغي الأحزاب السياسية وكل الأجسام الوسيطة كالنقابات والجمعيات التي يرى سعيد أن دورها انتهى في ظلّ قصور للديمقراطية التمثيلية ككلّ.
ومباشرة بعد إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، التقى الرئيس قيس سعيد رئيسة حكومته نجلاء بودن، ونقلت عنه الرئاسة في تونس قوله إنه من الضروري "إعداد مشروع مرسوم يتعلق بالانتخابات لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب القادم (البرلمان) وانتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي يقتضي نظاماً انتخابياً خاصاً".
ماذا يقصد نظام انتخابي خاص؟
ما يقصده الرئيس قيس سعيّد بالنظام الانتخابي الخاص الذي سيشمل المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وفق العديد من المصادر المختلفة التي تحدث معها "عربي بوست"، يتمثّل في اعتماد البناء من الأسفل نحو الأعلى أو التصعيد من الرقعة الجغرافية الأصغر ترابياً إلى الأكبر لتصل إلى مستوى وطني كآلية لتشكيل المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
وستُجرى انتخابات المجلس الوطني للجهات والأقاليم على مستوى دائرة انتخابية صغيرة، وهي المعتمدية (تقسيم ترابي داخل المحافظة التي تتكون من عدد من المعتمديّات والتي يبلغ عددها الإجمالي في تونس 265 معتمدية).
وبعد ذلك ستتشكل مجالس محلية منتخبة في كل معتمدية تكون هي منطلق التصعيد لتشكيل مجالس جهوية (على مستوى المحافظات) عبر قرعة لاختيار ممثل عن كل مجلس محلي لتمثيله في المجلس الجهوي، وباعتبار أن تونس مقسمة إلى 24 محافظة سيتكون 24 مجلساً جهوياً، ومنها ستُجرى قرعة أخرى لاختيار 3 ممثلين أو 4 لتمثيل مجلس الجهة أو محافظة في المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
ووفقاً للدستور الجديد، فالبرلمان "يمارس الوظيفة التّشريعيّة في حدود الاختصاصات المخوّلة له في هذا الدّستور، ولرئيس الجمهوريّة حقّ عرض مشاريع القوانين، وللنوّاب حقّ عرض مقترحات القوانين شرط أن تكون مقدّمة من عشرة نوّاب على الأقلّ (…)، وبالنسبة لمقترحات القوانين ومقترحات التّنقيح التي يتقدّم بها النّواب لا تكون مقبولة إذا كان من شأنها الإخلال بالتّوازنات الماليّة للدّولة".
أما بالنسبة للمجلس الوطني للجهات والأقاليم فقد نصّ الفصل 81 من الدستور الجديد، على أنه يتكوّن من نواب منتخبين عن الجهات والأقاليم، كما يُمارس مجلس الجهات والأقاليم، وفق ما نصّ عليه الفصل 85، صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية.
الاقتراع على الأفراد
منذ سقوط نظام بن علي مطلع عام 2011، بُنيت الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد بداية من انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 على الاقتراع على القائمات سواء كانت الحزبية أو الائتلافية لتعقيدات وشروط في تشكيلها، وتُجرى في دوائر انتخابية تشمل في أغلبها المحافظات، مع تقسيم بعض المحافظات الكبرى من حيث عدد السكان بدرجة أولى إلى دائرتين، كما هو الحال بالنسبة لمحافظة تونس وصفاقس.
إلا أن النظام الانتخابي الذي سيقرّه الرئيس قيس سعيد سيُغلق قوس الاقتراع على القائمات وسيعوّضه بالتنصيص على أن الاقتراع سيكون على الأفراد وفي دورتين، باعتماد دوائر انتخابية أضيق من حدود المحافظة كما في السابق لتشمل حدود المعتمدية بالنسبة للبرلمان وكذلك المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
شروط الترشّح.. باب للمنع
العديد من المصادر التي تحدث معها "عربي بوست" أكدت أن شروط الترشح للانتخابات التشريعية ستفضي بصفة غير مباشرة إلى منع العديد من قيادات الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين خلال العشر سنوات الماضية من الترشح؛ لعدم توفر الشروط التي سيضمنها سعيد في قانون الانتخابات الذي يستعدّ لإقراره عبر مرسوم رئاسي.
وستتضمن شروط الترشّح للانتخابات التشريعية وجوب أن يكون المترشح من متساكني الدائرة الانتخابية (أي المعتمدية)، وليس له أي سوابق عدلية أو تعلقت به جرائم انتخابية سابقة أو قضايا مفتوحة، وهنا سيُمنع العديد من النواب في البرلمان الذي قرر سعيد حلّه من الترشّح شأنهم شأن العديد من السياسيين الذين هم موضوع تحقيقات في كثير من القضايا التي يصفها جزء كبير من الطبقة السياسية بالـ"كيدية وذات الخلفية السياسية".
هذا وقد أكد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، خلال الأيام الماضية، أن الرئيس سعيد سيستهدف أحزاباً بعينها من خلال القانون الانتخابي الذي سيُصدره، وعلى رأسها حركة النهضة، كما أضاف أن سعيّد ماضٍ في إرساء نمط النظام القاعدي.
وفي بداية يوليو/تموز الماضي أقرت الدائرة الجهوية لمحكمة المحاسبات بمحافظة قفصة أحكاماً بإسقاط قائمات حزبي حركة النهضة وقلب تونس، في الانتخابات التشريعية لسنة 2019 بعدد من الدوائر الانتخابية في الوسط والجنوب الغربي، مع حرمان أعضاء الحزبين من المشاركة في الانتخابات لخمس سنوات، وذلك في قضية ما يُعرف في تونس بـ"اللوبيينغ" والتمويل الأجنبي.
ودأب الرئيس التونسي قيس سعيِّد على التحدّث عن مسألة التمويل الأجنبي لنواب البرلمان، قبل حله في مارس/آذار 2022، وطالب مراراً القضاء بالبتّ في تقرير صادر من محكمة المحاسبات انتهى إلى ثبوت التمويل الأجنبي لبعض القوائم والأحزاب الفائزة بالانتخابات التشريعية 2019.
سحب الوكالة
وفق المصادر التي تحدث معها "عربي بوست"، فسحب الوكالة يمثل إحدى أهم ركائز مشروع الرئيس قيس سعيد السياسي التي سيضمّنها في قانون الانتخابات بتفاصيل أكثر بعد أن تحدّث عنها في الدستور الجديد.
ويقوم مبدأ سحب الوكالة منذ البداية على عدد مُحدد من التزكيات سيفرضها القانون الانتخابي على المترشّح لقبول الترشّح للانتخابات التشريعية، مع شروط بالمناصفة قائمة التزكيات بين الرجال والنساء مع تمثيلية مُعينة للشباب، مقابل البرنامج الانتخابي الذي يُمكن فيما بعد وفي حال فوز المترشح في الانتخابات اعتماد برنامجه الانتخابي والاطلاع على مدى تنفيذه، يُمكن للناخبين سحب الوكالة أو الثقة من نائبهم في حال لم يلتزم بوعوده والبرنامج الذي تم انتخابه على أساسه بإعداد لائحة لوم أو عريضة ممضاة من نسبة معينة من الناخبين.
وسيُحدد القانون الانتخابي لكلّ من البرلمان والمجلس الوطني للجهات والأقاليم شروط سحب الوكالة أو الثقة من النائب، عبر تحديد عدد معيّن من الإمضاءات في عريضة سحب الثقة لن تقلّ على الأرجح عن عدد الأصوات التي تحصّل عليها النائب خلال الانتخابات.
ضغوط خارجية ونظام انتخابي شامل
مباشرة إثر الإعلان عن النتائج الأولية للاستفتاء على الدستور الذي نظمه سعيد يوم 25 تموز/يوليو ونسبة المشاركة فيه، أعلنت الدول الكبرى، وهي أساساً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، عن مواقف مشككة في المساندة الشعبية للمسار السياسي في تونس، بعد أن اعتبرت أن استفتاء تونس على الدستور اتَّسم بتدني نسب مشاركة الناخبين.
إلا أن إحدى الكلمات المفتاح في تصريحات المسؤولين في تلك الدول وبياناتها، في تقدير متابعين للشأن السياسي في تونس، هي دعوة الرئيس قيس سعيد وحثّه على إقرار "نظام انتخابي شامل وجامع يتيح المشاركة الواسعة لكل الأطياف والتيارات السياسية" في الانتخابات التشريعية المنتظر إجراؤها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، بمن فيهم المعارضون والمقاطعون للاستفتاء على الدستور.
وأعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات في تونس ليلة الثلاثاء 26 تموز/يوليو الماضي عن تصويت 94.60% من المشاركين في الاستفتاء بنعم على مشروع دستور قيس سعيد.
الاقتراع على الأفراد: سلبيّات بالجملة
في تونس حصل اتفاق منذ سنوات على أن النظام الانتخابي المتمثّل في الاقتراع على القائمات باعتماد الأغلبية النسبية مع أكبر البقايا، سبب رئيسي في الأزمات السياسية وعدم الاستقرار السياسي والحكومي؛ نظراً لما يُنتجه من تشتّت للأصوات ومشهد فسيفسائي لا يُمكّن أي طرف وحتى الفائز في الانتخابات من تشكيل حكومة بمفرده؛ مما يجعل التحالفات حتمية حتى بين التيارات الأيديولوجية المتناقضة.
إلا أن الذهاب في إقرار الانتخاب على الأفراد ليس الحلّ لما له من سلبيّات وما يُنتجه من تراجع لعديد من المكتسبات السياسية التي حقّقتها البلاد بعد ثورة يناير 2011، وعلى رأسها التخلّي عن ضمان تمثيلية المرأة والشباب، بعد أن كان القانون الانتخابي يفرض التناصف وتمثيلية معيّنة للشباب في القائمات لقبول ترشّحها في الانتخابات التشريعية، وفق ما أفاد به الخبير في القانون والأستاذ في الجامعة التونسية خالد الدبابي لـ"عربي بوست".
كما تشمل سلبيّات الاقتراع على الأفراد، وحتى إن كانت في دوائر انتخابية ضيّقة، إثارة النعرات الجهوية والقبلية خاصة في داخل البلاد، وتحكم العائلات الكبرى وذوي النفوذ والمال في نتائج الانتخابات والعملية الانتخابية ككلّ.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”