تساؤلات عديدة أثارتها الصور والفيديوهات التي انتشرت لمئات الأشخاص الذين توافدوا على حجز فيلات الساحل الشمالي التي طرحتها إحدى شركات التطوير العقاري العربية على خط الساحل الشمالي المصري بالقرب من مدينة العلمين (شمالي غرب مصر)، حول هوية هؤلاء الأشخاص، ولماذا يتكرر التزاحم عند إعلان مثل هذه الشركات عن بيع وحدات سكنية تتجاوز قيمتها عشرات الملايين من الجنيهات، في الوقت الذي تتزايد فيه معدلات الفقر في دولة تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة؟
يأخذ الجدل الذي تصاعد بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي وانتقل إلى وسائل الإعلام المحلية، أبعاداً عديدة، لأن الوحدات المعلن عنها أخيراً ذات طابع ترفيهي وسياحي، وليس طابعاً خدمياً مباشراً كالوحدات والفيلات السكنية.
كما أن أسعارها التي تتخطى 100 مليون جنيه (5.3 مليون دولار تقريباً)، واكتمال حجز المرحلة الأولى التي تضمنت 300 وحدة بعد ساعات قليلة من افتتاحها، السبت الماضي، يؤشر على أن هناك اتساعاً في الفوارق الطبقية ويظهر ذلك واضحاً في تعليقات رواد منصات التواصل.
"عربي بوست" تتبعت هذا الجدل وحاولت الوصول إلى حقيقة تلك المشاهد وحقيقة أولئك الناس.
مشروع فيلات الساحل الشمالي
يتبع المشروع الذي يحمل اسم "سول – soul" لشركة "إعمار مصر" بالشراكة مع شركة "إيجل هيلز مصر" لإدارة المشروعات، ويملكهما رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، ويعد أحد المستثمرين البارزين في الساحل الشمالي.
تسببت مشروعات رجل الأعمال الإماراتي في قفزة هائلة بأسعار العقارات والغرف الفندقية في تلك المنطقة، وحولتها إلى بقعة يتحصن فيها الأثرياء خلال إجازة الصيف. لعل هذا أحد الأسباب التي تدفع أصحاب الثراء الفاحش نحو الانجذاب إلى مشروع فيلات الساحل الجديد والذي يضع مزيداً من السياج الخرساني والمجتمعي أيضاً حولهم.
حقيقة الأشخاص الذي ظهروا في الصور
كشف أحد المسؤولين بقسم التسويق الإلكتروني لمجموعة عقارية، أن أصحاب الفيلات بقرية "مراسي" التي تبعد عن المنتجع الجديد بـ40 كيلومتراً، هم أبرز من تواجدوا مع فتح باب حجز الفيلات الجديدة، وأغلبهم من فئات رجال الأعمال.
وأضاف لـ"عربي بوست" أنه أثناء تواجده في حفل الافتتاح وجد أن هؤلاء لديهم قناعة بأن شركة "إعمار" المالكة أيضاً لمشروع "مراسي"، قامت ببيع غرف فندقية بمبالغ زهيدة بالنسبة إليهم لم تتجاوز قيمتها 10 ملايين جنيه (525 ألف دولار تقريباً)، وهو ما أثر سلباً على مستوى قاطني القرية، وأن الشركة الإماراتية لعبت على هذا الوتر لجذب تلك الفئة إليها بمشروعها الجديد الذي صممته بنظام الفيلات مع عدد محدود من الغرف الفندقية.
وحكى مسؤول التسويق قصته التي عايشها أثناء وجوده بالمكان المخصص لحجز الوحدات الجديد على بعد سبعة كيلومترات فقط من مفاعل الضبعة النووي الذي ما زال في طور الإنشاء، بأنه كان مكلفاً من شركته إلى جانب آخرين من زملائه لحجز فيلا تبلغ مساحتها 600 متر، ويصل سعرها إلى 38 مليون جنيه (2 مليون دولار تقريباً) بهدف الاستثمار، إلى جانب تحقيق هدف آخر يرتبط بالتعرف على حجم الإقبال على المشروع الجديد مع استعداد شركته للمشاركة في أحد المشروعات المقرر افتتاحها بالقرب من مدينة العلمين خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ويوضح أن "جزءاً ليس بالهين ممن حضر لحجز المرحلة الأولى من موظفي التسويق العقاري لدى الشركات العاملة في هذا المجال، حتى وإن يكن لم ذلك بغرض الحجز أو الاستثمار فإنه من المهم التعرف على طبيعة السوق وما إذا كان هناك إقبال على عملية الشراء من عدمه وقياس اتجاهات المتعاقدين ويقوم الموظفون بتلك المهمة".
ويستكمل: "هناك قطاع آخر يتمثل في المستثمرين العقاريين من أصحاب الشركات الصغيرة التي تبني تحالفات استثمارية وشراكات فيما بينها للحصول على وحدات بالمشروعات الجديدة في منطقة العلمين الجديدة والقرى الجديدة بالساحل الشمالي بغرض الاستثمار".
وبحسب مسؤول التسويق أيضاً، فإن "سماسرة العقارات" الذين تسابقوا في دفع مقدم التعاقد حتى وإن وصل سعره إلى مليون جنيه أو أكثر ثم بيعه إلى طرف آخر بسعر أعلى عند تسليم الوحدات، حضروا بفاعلية، وهؤلاء في الأغلب يتواجدون عند فتح حجز بيع الأراضي والوحدات المرتفعة التكاليف.
فئات أخرى
يتفق علي الجوهري، وهو اسم مستعار لمسؤول التسويق العقاري بإحدى الشركات الكبرى العاملة بالتجمع الخامس (شرق القاهرة)، والذي حضر أيضاً إلى مشروع "سول" مندوباً عن شركته، مع ما ذكره المسؤول السابق.
وأشار إلى أن الفئة العمرية للحاضرين تفاوتت بين الثلاثينيات وبداية الستينيات، والمسمى العام لهؤلاء أنهم ضمن فئة رجال الأعمال، لكن الواقع يشير إلى أن بعضهم لديهم رغبة في "غسل الأموال وإعادة تدويرها"، على حد تعبيره، وهؤلاء تواجدوا بفاعلية عند إعلان شركات الاستثمار العقاري فتح الحجز لمشروعاتها الجديدة.
وأوضح أن كثيراً من الأشخاص الذين يبحثون عن غطاء لمدخراتهم بعيداً عن أعين الحكومة يتجهون إلى الاستثمار العقاري عبر شراء وحدات عديدة بمشروعات مختلفة وبأسماء مختلفة أيضاً لأشخاص يثقون بهم، في مقابل نسبة يحصلون عليها، وبعد ذلك يقومون بنقل ملكيتها إلى صاحب رأس المال، على حد قوله.
يشير الجوهري أيضاً إلى أن ضعف قدرة الحكومة على التعرف على كشوف بيان عملاء شركات العقارات تحديداً الخليجية أو الأجنبية بوجه عام يدفع كثيراً من رجال الأعمال الذين تحوم حولهم شكوك عديدة للاختباء بها تحت مسمى الاستثمار العقاري.
ويستحوذ المصريون العاملون في الخارج على جزء بسيط ممن يقفون في طوابير حجز الفيلات، بالإضافة إلى المستثمرين العرب تحديداً من الدول الخليجية التي تتوسع في استثماراتها بمنطقة العلمين، الذين ينجذبون إلى مشروع "سول" وغيره من المشروعات الحديثة هناك؛ اعتماداً على سمعة الشركات العقارية الخليجية التي تقوم عليها، أو لأن أسعارها تبقى زهيدة مقارنة بأسعار العقارات في دول عربية وأوروبية أخرى، مع الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه، بحسب ما أكده الجوهري.
تصاعد قوي في معدلات أصحاب الثراء الفاحش في مصر
بإلقاء نظرة عامة على طبيعة من حضروا إلى مشروع الفيلات الجديد تبقى هناك جملة من المؤشرات التي توافق عليها العاملون في مجال التسويق العقاري، إذ إن هناك تصاعداً قوياً في معدلات أصحاب الثراء الفاحش في مصر، والذين لديهم القدرة الشرائية وينجذبون إلى مثل هذه المشروعات التي تتماشى مع رغبات الترقي الاجتماعي لفاحشي الثراء.
وهناك مصلحة مشتركة بين الحكومة المصرية التي تدعم تحويل الساحل الشمالي إلى بقعة سياحية جديدة على ساحل البحر المتوسط، أسوة بالقرى والمنتجعات الشهيرة على البحر الأحمر، وبين رجال الأعمال من دول الخليج، تدفع باتجاه الزيادة المضطربة في أسعار الفيلات والوحدات الترفيهية، بما يدعم تحويلها إلى مناطق يظهر عليها الطابع الفخم الذي يجذب السياح، لتعويض المناظر الطبيعية ومناطق الغوص الشهيرة في البحر الأحمر.
ويشير تقرير دولي صادر في شهر مايو/أيار الماضي، عن شركة "هينلي آند بارتنرز" حول الثروات في إفريقيا، إلى وجود 17 ألف مصري يمتلكون أكثر من مليون دولار، واحتلت مصر كأغنى دولة في القارة السمراء من حيث ثروة الأفراد بمبلغ 307 مليارات دولار، بعد جنوب إفريقيا التي يبلغ حجم الثروات بها 651 مليار دولار.
وبحسب التقرير فإن عدد المصريين الذين يمتلكون أكثر من 10 ملايين دولار يبلغ 880 شخصاً، في حين لا يزيد عدد من يملكون أكثر من 100 مليون دولار على 57 شخصاً، أما من تقدر ثرواتهم بأكثر من مليار دولار فعددهم 7 أشخاص من إجمالي 21 مليارديراً في القارة.
لكن في المقابل فإن معدلات الفقر في مصر 29.7%، وفق آخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي، ما يعبر عن فجوة طبقية قد يكون لديها تأثيرات سلبية على تماسك المجتمع.
حقيقة أسعار الفيلات في مشروع سول
ووظفت كثير من وسائل الإعلام المحلية التزاحم على مشروع بيع الفيلات الجديدة باعتباره مؤشراً على امتلاك المواطنين العاديين مدخرات بملايين الجنيهات وباعتباره مؤشراً على تحسن أوضاعهم الاقتصادية، وهو ما انعكس على نشر العديد من الأرقام المتضاربة بشأن أسعار الفيلات والوحدات السكنية، والتي لم تتجاوز قيمة مرحلتها الأولى 42 مليون جنيه (2.2 مليون دولار) في حين جرى تسليط الضوء على أن سعر الفيلا وصل إلى 118 مليون جنيه (6.2 مليون دولار).
خبير اقتصادي، أكد لـ"عربي بوست" أن تعداد المصريين الذي يتخطى 100 مليون مواطن تتفاوت فيه طبيعة الدخل، إلى جانب الفجوة الكبيرة في توزيع الثروات والتي تتيح لنسبة لا تتجاوز 10% من المجتمع المصري الاستحواذ على ثلث الثروات تقريباً، ومن الطبيعي أن يبقى هناك تهافت على تخزين المدخرات في الاستثمار العقاري الذي يعد وسيلة آمنة للحفاظ على الأموال وزيادة قيمتها، بل مضاعفتها خلال فترة وجيزة.
ويذهب للتأكيد أن الحكومة المصرية تسير باتجاه بث الحياة في قرى ومنتجعات الساحل الشمالي طوال العام وتؤسس لمدينة العلمين الجديدة لتكون بمثابة عاصمة ثانية، إلى جانب العاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، ويثير ذلك اهتمامات المطورين العقاريين، إلى جانب أن فترات التقسيط الطويلة التي تصل إلى عشر سنوات في بعض الأحيان تتماشى مع فئات عديدة لديها القدرة على دفع ملايين الجنيهات على فترات متباعدة.
يلفت الخبير إلى أن الحكومة المصرية تبقى مستفيدة من هذه المشروعات لأنها لا تجد صعوبة في تحصيل الضرائب منها، كما أنها تستفيد من الحفلات والفعاليات الدعائية التي تنظمها، وفي تلك الحالة يصعب التلاعب لأن الأرقام تكون معلنة، غير أنها مطالبة في الوقت ذاته بأن تدرس أسباب اتجاه رجال الأعمال للاستثمار في العقارات الترفيهية دون الاتجاه إلى مشروعات أخرى تكون أكثر فائدة للمجتمع.
وكانت شركة إعمار مصر الإماراتية قد أطلقت مشروعها الجديد بالساحل الشمالي بحفل كبير أقامته الشركة بمناسبة إطلاق المرحلة الجديدة مساء الخميس، وأحياه الفنان عمرو دياب.
وقال محمد العبار، مؤسس إعمار مصر، خلال حفل الافتتاح، إن إطلاق المرحلة الجديدة جاء بعد قرب الانتهاء من تطوير مشروع مراسي بالساحل الشمالي، وإن المشروع يضم ما يقرب من 2500 وحدة موزعة ما بين فيلات وشقق فندقية، لافتاً إلى أن المشروع يمتد بطول 1.5 كيلومتر على البحر مباشرة.
التغطية على الأزمة التي أثارتها الشركة
وأثارت الشركة الإماراتية قبل أيام أزمة بيئية بقرى الساحل الشمالي التي تمتلكها، إذ تعرضت قرية "مراسي" على البحر الأبيض المتوسط للنحر بسبب إنشاء الشركة مرسى عملاقاً ليخوت الأثرياء، ما تسبب في منع حركة الأمواج والرمال المتجهة من الغرب للشرق.
وقررت وزارة البيئة المصرية تحت ضغوط شعبية وإعلامية عديدة وقف كافة أعمال التكريك وأخذ التعهدات اللازمة بعدم استئناف أي أعمال جديدة، ومغادرة الكراكة للموقع، وفك المعدات المتصلة بها، حسب بيان الوزارة الصادر في 23 يوليو/تموز الماضي، لا سيما مع وجود عكارة في مياه البحر بالمنطقة الشاطئية المجاورة للقرية.
ولا يستبعد الكثير من المتابعين أن يكون توقيت الإعلان عن المشروع الجديد للشركة هدفه التغطية على الأزمة التي أثارتها وحظيت بردود أفعال غاضبة واصطدمت فيها برد فعل قوي من الحكومة المصرية التي سبق أن دخلت معها في أزمة سابقة تعلقت بتنفيذ مشروع العاصمة الإدارية وانتهت باستبعادها من إدارته.