في أقل من أسبوع ساد واقع سياسي جديد في لبنان، سواء بإعلان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الخروج من المنافسة الرئاسية لاختيار رئيس الجمهورية الجديد ما يشي بأنها تتجه نحو الفراغ الرئاسي، أم بتثبيت حزب الله معادلة ترسيم الحدود البحرية، ما سيؤثر على مسار الانتخابات الرئاسية المنتظرة في البلاد.
هل يتجه لبنان للفراغ الرئاسي؟
ترى الكاتبة والمحللة ملاك عقيل، من خلال التصريحات التي أدلى بها جبران باسيل بمقابلة تلفزيونية، أنه لم يُقرّرالترشّح حتى الآن هذه المرة للرئاسة، عوضاً عن إيمانه بضرورة تغيير شكل نظام الحكم، وفرض اللامركزية الإدارية الموسّعة، وأنها بداية لمرحلة فراغ رئاسي والسعي إليه لهدفين:
الأول الاستفادة من مرحلة الفراغ لتقوية حظوظه، والتماهي أكثر فأكثر مع حزب الله، الذي يُحكم سيطرته على البلد، فيربح معه باسيل حين يربح، أو أنه ينتظر تدخّلاً دوليّاً لفرض تسوية توفّر لباسيل حجز مقعد على الطاولة، لأنّه لا مكان له خارج هذا السياق في حال انتخاب أي رئيس جمهورية.
وتعتقد عقيل أنه بدا لافتاً ابتداع باسيل فكرة تغيير الأقطاب المسيحيين تمثيلهم إلى مرشّحين لا تمثيل لهم، لكن يحظون بغطاء مَن لديهم شرعية التمثيل، وهو الأمر الذي أشار إليه صراحةً خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة.
ووفقاً لعقيل فباسيل يواجه معضلة محاولة سليمان فرنجية فرض نفسه مرشّحاً للرئاسة، منتظراً دعم حزب الله، ورفضه لفكرة باسيل باختيار المسيحيين اسماً آخر.
الرئاسة لفرنجية هذه المرة
بالمقابل، يرى المحلل السياسي طوني عيسى، أنه ربما يطرح حلفاء عون، وفي مقدّمتهم "حزب الله"، صيغة تسوية بين الحليفين المسيحيين –باسيل وفرنجية- كأن تكون الرئاسة لفرنجية هذه المرة، مع وعد بأن يبقى باسيل الأقوى مسيحياً طوال العهد، وأن يكون محفوظاً له موقع الخلف. لكنّ أحداً لا يضمن أن تسمح الظروف بتنفيذ تسوية من هذا النوع، بعد 6 سنوات، في بلد تلفحه العواصف، وتحمل إليه المتغيّرات.
ويعتقد عيسى أنه إذا انتهت الولاية الرئاسية لميشال عون من دون تشكيل حكومة جديدة واتفاق سياسي داخل الفريق الحليف لحزب الله، فقد يرفع عون عنوان الطائفية، ويعلن رفضه "التفريط" بالموقع المسيحي الأول، ويمكنه هنا، في غياب النص الدستوري الواضح، أن يستند إلى اجتهادات وحجج دستورية عدة، فيفرض أمراً واقعاً على الجميع، ويبقى في القصر الرئاسي.
ما موقف حزب الله؟
بالتوازي، وحيال موقف حزب الله يؤكد الصحفي قاسم قصير -وهو مقرب من حزب الله- أن الأجواء الداخلية للحزب تشي بأنه سيكون منفتحاً على كلّ الخيارات، وإن كان من الطبيعي أنّه يدعم وصول أحد حليفَيْه الأساسيَّيْن -سليمان فرنجية وجبران باسيل- لموقع الرئاسة الأولى لأسباب سياسية واستراتيجية.
لكنّه في المقابل لم يعطِ أي التزام حاسم ونهائي هذه المرة، وهو غير مرتبط بوعد مسبق لأية شخصية، وهذا يعني أن الحزب سيحدد موقفه النهائي وفقاً للمعطيات الداخلية والخارجية.
وهو أنه يحتاج إلى توفير دعم داخلي لأي مرشح من أجل ضمان وصوله للرئاسة الأولى، وعدم خوض معركة خاسرة مسبقاً، كما أنه سيأخذ الأوضاع في لبنان والمنطقة عند تحديد الخيار النهائي، واستراتيجية الحزب أن يدرس كل الأوضاع والتطورات عند تحديد الموقف النهائي.
ويرى قصير أنه عادة ما يكون الحزب منفتحاً على كل الخيارات ما دام لم يعلن موقفاً نهائياً وحاسماً كما حصل مع تأييد العماد ميشال عون. وليس مضطرّاً إلى مراعاة حليفه الاستراتيجي سوريا، التي كانت تحسم القرارات الرئاسية، كما هي الحال عندما وافق الحزب في عام 2008 على التسوية الرئاسية التي أدّت إلى وصول العماد ميشال سليمان، وذلك بعد أحداث 8 مايو/أيار واتفاق الدوحة، واليوم بحسب قصير هناك تطوّرات ومتغيّرات كبيرة داخلية وخارجية قد تدفع الحزب إلى القبول بتسوية جديدة، لكنّ القرار النهائي ليس محسوماً. وهذا مرتبط بالتطوّرات التي ستحصل في الشهرين المقبلين داخلياً وخارجياً.
الموقف الخليجي وكلمة السر
وحول موقف الدول الإقليمية، وتحديداً الخليجية منها، يرى المحلل السياسي جوني منير أن الرئيس في لبنان يجب أن يحظى بمواصفات تسمح له بالاستحواذ على ثقة المجتمع الدولي ومؤسساته المالية والاقتصادية، وكذلك على عدم اعتراض الدول الخليجية، والتي ستتولّى تقديم المساعدات الاقتصادية والمالية إلى لبنان، لكي يستطيع الانطلاق في مسيرة إعادة بناء مؤسساته المدمّرة واقتصاده المنهار.
وبحسب منير فإنه حتى الآن لم تصدر أي إشارات خارجية وخليجية واضحة، فحزب القوات اللبنانية التي تتواصل مع وليد جنبلاط، وتعمل على تنشيط اتصالاتها بالنواب المستقلين، قد تكون تراقب المؤشر السنّي في لبنان، ذلك أنّ أي حركة سعودية باتجاه النواب السنّة لم تحصل بعد للبناء عليها. وهذا ما يدفع جعجع وجنبلاط للبقاء في الخانة الرمادية، لكن ذلك لن يستمر طويلاً، فلا بد من حسم الخيارات قبل نهاية شهر أغسطس/آب.
ويعتبر منير أن موقف حزب الله، من الواضح أنّه يقف خلف ترشيح فرنجية. ومن هنا السؤال حول كيفية التوفيق بين حليفيه فرنجية وباسيل، مع الإشارة إلى أنّه فشل مرات عديدة في السابق في التقريب في وجهات النظر بين حلفائه عند الاستحقاقات الأساسية.
وأبرز مثال على ذلك العلاقة بين التيار الوطني الحر ورئيس مجلس النواب نبيه بري في محطات عدة، منها الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي بقي فيها بري على معارضته لوصول عون إلى قصر بعبدا.
ويشير المحلل اللبناني إلى أنه ما دامت العواصم الكبرى تسعى لأن يكون وصول الرئيس المقبل بداية مرحلة جديدة في لبنان على الصعد كافة، فلا بدّ أن تسبقها تسوية سياسية عريضة، تضع ركائز واضحة لمرحلة يتزاوج فيها الإنقاذ الاقتصادي مع الرؤية السياسية والضمانات الأمنية، وهذه التسوية السياسية التي جرى التلميح إليها سابقاً لم تظهر بوادرها بعد، أو لم تظهر أي مؤشرات قريبة لها، رغم أنّ قناة التواصل الفرنسي مع حزب الله لا تزال مفتوحة وهي تعمل بانتظام. وهو ما يدفع للاستنتاج بأنّ أوانها لم يحن بعد.
التسوية الإقليمية تلفح لبنان
في هذا الإطار يؤكد مصدر دبلوماسي غربي لـ"عربي بوست"، أن التسوية الإقليمية الكبرى في حال نجحت ستشمل لبنان، وبحسب هذا المصدر فإن الجانب الروسي أبلغ الجانب الإيراني بأنه يتفهم هواجس وتحديات إيران في لبنان، وأن ملفي الرئاسة وترسيم الحدود في لبنان ليسا على قائمة أولويات موسكو، وأن دمشق لن تتدخل بمسارهما، وبحسب المصدر فإن الحزب منفتح على تسوية تأتي برئيس من غير حلفائه في الرئاسة، في حال جرى ترتيب الاتفاق النووي، وجرى تقدم في اللقاء بين وزيري الخارجية الإيراني والسعودي، المرتقب في الأيام القادمة، مع ترتيب ملف ترسيم الحدود.