تعتبر المحاصيل الزراعية أساس نظامنا الغذائي، حيث توفر الحبوب الاحتياجات الأساسية للبشر والحيوانات، غير أن المشكلة تكمن في أن تأثيرات التغير المناخي تقلل من قدرة هذه النباتات على إنتاج الغذاء وانحدار مستوى جودته. فهل يمكننا زراعة محاصيل مقاومة للتغير المناخي؟ وهل سيكون بالتالي من الممكن إطعام الكوكب في عالم أكثر حرارة وجفافاً بشكل متزايد؟
هل يمكننا زراعة محاصيل مقاومة للتغير المناخي؟
تشير أحدث بيانات المناخ من موقع كوبرنيكوس، إلى أن العالم شهد للتو ثالث أعلى حرارة مسجلة، في شهر يونيو/حزيران على مستوى العالم، حيث كانت درجات الحرارة أعلى بمقدار 0.3 درجة من متوسط 1991-2020، وهذا نذير خطر بالنسبة للإنسان والحيوان والنبات.
ويقول تقرير لموقع euronews green إنه يمكن أن يتضرر إنتاج المحاصيل الرئيسية مثل الحبوب بشدة من موجات الحر والجفاف هذه، لذلك يقول العلماء إن الحل يكمن بالفعل في أن نتعلم الكثير من الطبيعة من خلال النظر في بيئات مختلفة، ومعرفة كيف تتعامل النباتات في بيئتها الطبيعية مع الضغوط التي تتعرض لها.
ومع تزايُد عدد سكان كوكبنا الذي يزداد احتراراً، سنحتاج إلى تطوير سلالات من القمح والشعير تكون أكثر قدرة على التعامل مع موجات الحر والجفاف. هذه الحبوب هي أساس نظامنا الغذائي، لأنها توفر السعرات الحرارية الأساسية للناس والحيوانات، والمشكلة هي أن آثار تغير المناخ تقلل بالفعل من قدرة هذه النباتات على إنتاج الغذاء.
وتقول عالمة الأحياء الهولندية ويلما فان إيسي لوكالة euronews: "من الهند حتى أوروبا لدينا خسارة مستمرة في الغلة، لا يوجد وقت نضيعه، لأن عمليات تحديد سلالات المحاصيل الجديدة القادرة على إنتاج غلّات مقبولة في ظل مستويات عالية من الاحترار يمكن أن تستغرق وقتاً طويلاً".
ما الآلية التي يعمل عليها العلماء؟
يقول العلماء إن تطوير سلالات جديدة يتضمن تعريض أنواع مختلفة من الشعير من جميع أنحاء العالم إلى مستويات مختلفة من موجة الحر والجفاف، في بيئة خاضعة للرقابة.
ويتطلب الحفاظ على غلة مرتفعة من الحبوب أيضاً جذوراً صحية، ولا يمكن للعديد من أنواع الشعير أو القمح أن تنمو بشكل جيد وتوفر الإنتاجية العالية التي نحتاجها إذا كانت تنمو في التربة الجافة.
لذلك تهدف الباحثة الهولندية فيولا ويليمسن، الأستاذة المشاركة في بيولوجيا تطوير النبات من جامعة فاغينينغن، إلى تحديد الصفات الجينية المسؤولة عن الجذور الأكثر مقاومة للظروف الطبيعية.
وتقول ويليمسن إنه يتم جمع المتغيرات في جميع أنحاء العالم على ارتفاعات ومناخات ودرجات حرارة مختلفة. ما نفعله هو دراسة الجذور في ظل الظروف مختلفة -أي بالماء وبدون ماء- ونرى أيها يتكيف بشكل أفضل".
وتضيف: "هناك حبوب مقاومة للفيضانات أو مقاومة للحرارة أو الجفاف، لكن للعثور على مجموعة متنوعة من المحاصيل تقاوم كل هذه الظواهر، ربما غير ممكن".
ما مستقبل المحاصيل الزراعية في ظل التغير المناخي؟
في السياق، كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Food استخدمت أدوات جديدة لنمذجة المحاصيل لإبراز آثار تغير المناخ على المحاصيل الرئيسية في جميع أنحاء العالم. وتوقعت النماذج أن تزيد إنتاجية القمح في الأجزاء الواقعة على خطوط العرض العليا من العالم. ومع ذلك ستتأثر محاصيل الذرة وفول الصويا والأرز في السنوات العشر إلى العشرين القادمة، وستتأثر الزراعة في الأماكن الأكثر سخونة وجفافاً على خطوط العرض المنخفضة بتأثيرات تغير المناخ قريباً.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة جوناس يغيرماير، عالم تغير المناخ في جامعة كولومبيا ومعهد جودارد لدراسات الفضاء التابع لناسا: "التغييرات وشيكة، إنها جوهرية، ويجب التخطيط للتكيف معها بطريقة منهجية".
وتشمل استراتيجيات التكيف الزراعي التي تتم مناقشتها بشكل شائع زراعة محاصيل مختلفة، وتطوير سلالات جديدة، وتعديل المحاصيل وراثياً، لجعل المزيد من الأصناف تتحمل الجفاف والحرارة، وتحويل مواسم النمو لاستيعاب التغيرات في مواسم الأمطار ودرجات الحرارة.
وقد تتضمن الاستراتيجيات أيضاً أساليب زراعية أكثر استدامة للمساعدة في حماية النظام البيئي، والحفاظ على خصوبة التربة ورطوبتها، والمساهمة بشكل أقل في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وبحسب الدراسة، تتلخص عمليات التكيف أساساً في تعديل ما نزرعه، وأين نزرعه، ومتى نزرعه، وكيف نعتني به. ويمكننا أن نرى هذه التعديلات تتكرر مراراً وتكراراً في السجل الآثاري، حيث يمكن أن يساعد السجل الأثري في تقديم وجهات نظر جديدة حول المرونة الزراعية، وتنوع المحاصيل، والاستدامة في مواجهة تغير المناخ.
كيف يساعدنا علم الآثار في ذلك؟
ويسعى علماء الآثار جاهدين لفهم الحضارات السابقة في سياق مناخاتهم. ومع ذلك يمكن أن يرتبط التغيير الزراعي بعوامل اقتصادية وسياسية وثقافية وبيئية. الصراع الحالي في أوكرانيا -على سبيل المثال- لا علاقة له إلى حد كبير بتغير المناخ، ولكن ستكون له عواقب بعيدة المدى على الإمدادات الغذائية في العالم، بالإضافة إلى كون أوكرانيا (سلة خبز أوروبا)، تهيمن على واردات القمح من مصر إلى إندونيسيا.
ولكشف التغييرات في إنتاج الغذاء بمرور الوقت يستخدم علماء الآثار أدوات مختلفة، يمكن أن تكون النباتات والبذور المتفحمة وقطع أراضي الحدائق والبنية التحتية الزراعية أدلة على الممارسات الزراعية. ويمكن لطرق مثل التأريخ بالكربون المشع تقدير أعمار القطع الأثرية، ويمكن أن تكشف تقاربات المناخ القديم عن تفاصيل المناخات الماضية.
ويقول باحثون، إن الاختلافات في الممارسات الزراعية عبر التاريخ سمحت بمزيد من الأراضي الصالحة للزراعة وتنوع أكبر في الموارد، وهو ما قاله نوا كيكوا لينكولن، عالم التربة في جامعة هاواي في مانوا، مشيراً إلى أن "الممارسات الزراعية القديمة يمكن أن تعلمنا أيضاً كيفية التعامل مع تغير المناخ اليوم، وذلك من خلال النظر في كيفية تكييف ممارساتهم على طول هذه التدرجات البيئية، وهو ما قد يكشف لنا نوع التكيف الذي سيحدث في ظل الاحترار أو نظام مناخ جاف".