على الرغم من الضجيج الذي يرافق المفاوضات الجارية لحل ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فإنّ معلومات إيجابية تشير إلى أنّ زيارة الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين والمقررة 31 يوليو/تموز الحالي ستكون مثمرة بعدما نجح في تضييق رقعة الخلافات بين لبنان وإسرائيل، وهو ما أوحَت به السفيرة الأمريكية في بيروت دورثي شيا في جولتها الأخيرة على المسؤولين اللبنانيين.
إيجابية إسرائيلية وغاز مصري لبيروت
وتشير مصادر حكومية لبنانية لـ"عربي بوست" إلى أن السفيرة شيا عبّرت لكل المسؤولين الذين التقتهم خلال اليومين الماضيين بأن ما حققه المبعوث الأمريكي هوكشتاين مهم جداً في مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلي قبل وبعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، والتي سمحت بمناقشات مستفيضة لقطاع الطاقة الذي يشهد اهتزازات في العالم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وترددات قَطع صادراتها عن عدد من الدول الأوروبية، تزامناً مع بروز الحاجة إلى ما تُنتجه دول شرق المتوسّط منها، وما هو متوقع استخراجه في الفترة القريبة قبل حلول الخريف المقبل.
بالتوازي، يؤكد المصدر نفسه أن كل الأطراف العاملة في ملف الترسيم تراهن على التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل كحد أقصى نهاية أغسطس/آب المقبل، إذ يتسابق الجميع قبل الأوّل من سبتمبر/أيلول موعد بدء تل أبيب استخراج الغاز من حقل كاريش، الذي أعلن لبنان تخليه عنه في إطار التفاوض المفتوح والقبول بحقل قانا ضمن ما يسمى "الخط 23" بحرياً.
ويؤكد المصدر أن حزب الله لا يفضل أن يجر إلى فخّ المواجهة العسكريّة التي لا يريدها، ولا يتحمّل نتائجها داخليّاً ودوليّاً، أمّا إسرائيل، فهي الأخرى لا تريد الانجرار لتصعيدٍ، لأنها تواجه أزمة حكم وغياب قيادة حكومية؛ إذ تُواجه أزمة سيّاسيّة داخليّة أدت للدعوة إلى انتخابات مبكرة للكنيست، معطوف عليها رغبة إسرائيلية للبدء بتصدير الغاز إلى أوروبا والاستفادة من الأزمة العالمية للطاقة.
وعليه، يشير المصدر الحكومي اللبناني إلى أن التفاوض سينحصر في مطالبة بيروت بالخط 23 إضافة إلى حقل قانا، من دون اقتطاع الجانب الإسرائيلي أي مساحة من البلوك رقم 8، ومن دون المطالبة ببدائل مالية من الجانب الإسرائيلي لقاء التنازل عن حقل قانا، بذلك يصر لبنان على تحصيل 860 كلم إضافة إلى مساحة حقل قانا.
تطورات متسارعة.. دور قطري لافت لحل ملف ترسيم الحدود
في هذا الإطار يؤكد مصدر دبلوماسي غربي رفيع لـ"عربي بوست" أن زيارة هوكشتاين المرتقبة إلى لبنان نهاية الشهر الحالي ستكون بمثابة إنهاء لملف الترسيم بعد موافقة الجانب الإسرائيلي بشكل واضح عن قبولها بعرض لبنان القائم على الخط 23 المتعرج، والذي يعطي بيروت حقل قانا كاملاً، كما أن لبنان سيحصل على الإعفاء الأمريكيّ من عقوبات قيصر، بما يخصّ استجرار الكهرباء الأردنيّة والغاز المصريّ عبر الأراضي السّوريّة؛ ما يعني أن واشنطن ستسمح للبنان بالتنفس "كهربائياً" عبر ازدياد ساعات التغذية لمدى 10 ساعات يومياً، بدلاً من ساعتين، في حال أتمّ الاتفاق البحريّ مع إسرائيل.
يؤكد المصدر أن هذا الاتفاق ما كان ليتم بهذه السرعة لولا الدور اللافت الذي لعبته دولة قطر عبر وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والذي حرص على الحضور لبيروت قُبيل اجتماع وزراء الخارجية العرب وقيامه بوساطة مهمة لحصول ترسيم؛ لأن الجانب القطري يقوم منذ مدة بتبريد كل الجبهات والسعي لحل الأزمات المتنقلة، ويشير المصدر إلى أن الدوحة التي تستضيف جلسات الحوار بين ايران والدول الكبرى تقوم من جانبها بحل الأزمات المحيطة وأهمها ملف ترسيم الحدود في لبنان، وهذا التسارع في الحل لملف الحدود مرهون، وفقاً للمصدر، بتقدم في جولات التفاوض حول الملف النووي، والذي قد يترجم قريباً.
زيارة ليف: التوقيع ورئاسة الجمهورية
بالمقابل، يشير المصدر الدبلوماسي الغربي لـ"عربي بوست" إلى أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف أبلغت الجهات الإقليمية الفاعلة بأنها ستزور لبنان منتصف شهر أغسطس/آب المقبل لملفين رئيسيين؛ الأول حضور توقيع اتفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل في منطقة الناقورة الحدودية والتي سيحضرها مسؤولون دوليون وعرب قُبيل الأول من سبتمبر/أيلول.
بالإضافة إلى أن الملف الآخر الذي سيأتي بليف إلى لبنان هو ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، لذا فإن ليف ستنقل إصرار إدارتها على إجراء استحقاق رئاسة الجمهورية انطلاقاً من عنصرين: الأول التطورات الإيجابية في المنطقة وانعكاس الترسيم على الرئاسة؛ ما يخلق جواً توافقياً يتيح الإتيان برئيس جمهورية توافقي من خارج نادي رؤساء الأحزاب المسيحية تكون مهمته الرئيسية خطة تعافٍ مالي، والدخول ببرنامج صندوق النقد الدولي، وإعادة الانفتاح على الدول العربية والغربية بعد قطيعة دولية مع لبنان في عهد عون.
رسائل حزب الله: تلويح بالصواريخ
وعن حزب الله، يشير المحلل السياسي منير الربيع إلى أن الحزب سيكون أحد أكبر الرابحين؛ لأنه وفي حال الوصول إلى اتفاق، يكون الحزب هو الذي دفع إلى تكريسه، خصوصاً أن نصر الله أشار في خطابه الأخير إلى أنه لا نية أمريكية وإسرائيلية للترسيم، كي لا يستفيد لبنان. وبالتالي، بعد تهديده بالمعادلة العسكرية، نجح حزبه في فرض شروطه على ملف الترسيم. ويرى الربيع أنه صحيح أن حزب الله لا يعترف بالخطوط والحدود والحقول، لكنه يكون قد حقق مكسباً لبنانياً، وينسب ذلك إلى استعراض قوته، من إطلاق المسيّرات والتهديدات العسكرية، وقام بها وتلقفها من يعنيه الأمر.
وعليه، تشير المصادر الأمنية إلى أن حزب الله أجرى مناورة عسكرية حية عبر استعراض قطعات سلاحه الصاروخية الدقيقة، وإخراجها من مخازنها إلى فوق الأرض ووجهها نحو كاريش. وهناك قاعدة صاروخية أخرى وجهها إلى حقل آخر أبعد من كاريش في ظل وجود مسيَّرات إسرائيلية لإرسال رسائل مفادها أنه على جهوزية لاستهداف أي حقل أو منصة تنقيب لمنع تصدير الغاز، وبعدها تلقى حزب الله إشارة إلى أن الرسالة وصلت، فأعاد صواريخه إلى مخازنها، حيث سارع الأمريكيون للتواصل بالمسؤولين اللبنانيين لتفعيل الوساطة وإعلان نية إسرائيل تحقيق تقدم في الملف.
بالمقابل، يقول المحلل منير الربيع إنه لا بد من انتظار ما تحمله الأيام المقبلة. ففي حال حصل الاتفاق، يكون حزب الله قد حقق مكسباً، وأمَّن غطاءً جديداً لمعادلة سلاحه، مع احتفاظه به من دون السماح بنقاشه. وهذا طالما أنه لا يعترف بحدود وحقول، ويحمي الحقوق اللبنانية طوال مدة التنقيب، وصولاً إلى الاستخراج وحمايته. أما في حال حصل أي خطأ يؤدي إلى معركة عسكرية، فيكون حزب الله قد ربح سلفاً، وهذا الربح أبعاده سياسية في أي تسوية مقبلة.
فيما يشير المصدر الدبلوماسي الغربي إلى أن الحزب اشترط أن الترسيم سيتبعه تنقيب لبناني واستدراج عروض سريعة للشركات المنقّبة عن الغاز والنفط، لذا جرى تواصل بين حزب الله وبين مسؤول فرنسي حيث أبدى استعداد بلاده عبر شركة توتال للتنقيب عن النفط والغاز في مساحة لبنان النفطية.
خوف من روسيا
يشير الباحث والمحلل السياسي اللبناني إبراهيم ريحان إلى أن الأمريكيين يخشون من سعي روسي لمنع اتفاق الترسيم؛ لأن واشنطن تعتبر أنّ موسكو ستكون من المتضررين من إنجاز الاتفاق الذي يمنح إسرائيل أريحية في ضخ الغاز إلى أوروبا كأحد البدلاء عن الغاز الروسي. وبالتالي نزع ورقة ضغط على أوروبا من أيدي الكرملين.
ويضيف ريحان أن ما يخشاه الأمريكيون أيضاً أن تتدخل موسكو بشكل مباشر لدى حزب الله لضرب منصة كاريش أو تصعيد الأوضاع على الحدود الجنوبية وتطيير توقيع الاتفاق؛ ما من شأنه أن يجعل مهمة تل أبيب في ضخ الغاز إلى أوروبا معقدة جداً، خصوصاً أنّ الموقف الإسرائيلي من الحرب الروسية على أوكرانيا كان ارتدادات سلبية في موسكو، وأدى لتوتر بين موسكو وتل أبيب، وبحسب ريحان، تزداد هذه المخاوف مع موعد بدء إسرائيل استخراج الغاز في شهر سبتمبر/أيلول، أي بداية الشّتاء في النّصف الشّماليّ من الأرض، و"الصرخة" الأوروبية التي تنتظرها موسكو.