تزامناً مع زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي إلى المغرب، تظهر تقارير عبرية تفاصيل العلاقات العسكرية بين تل أبيب والرباط، والتي كان برنامج التجسس بيغاسوس والدرونات أبرز أضلاعها.
ومنذ أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 عن اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل، شهد قطار تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب محطات كبرى ومختلفة اختلافاً جذرياً عن مسار نفس القطار مع الدول العربية الأخرى، التي وقّعت اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، إضافة إلى المغرب بطبيعة الحال.
ونشرت صحيفة Haaretz الإسرائيلية تقريراً تفصيلياً حول صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى المغرب، يظهر أن تدفق العتاد الإسرائيلي كان قد بدأ قبل سنوات من إعلان ترامب وانطلاق مسار التطبيع الحالي.
التطبيع بين إسرائيل والمغرب مختلف
كان الفريق أفيف كوخافي قد وصل إلى المغرب الإثنين 18 يوليو/تموز في أول زيارة يقوم بها رئيس أركان إسرائيلي على الإطلاق منذ تطبيع العلاقات بين البلدين في عام 2020.
لكن العلاقة بين إسرائيل والمغرب تعود إلى ما قبل مرحلة التطبيع الحالية، إذ حافظت تل أبيب والرباط على علاقات عسكرية سرية على مدار العقود الماضية، بحسب تقرير صحيفة هآرتس، كما لم تتوقف زيارات السياح الإسرائيليين إلى المغرب.
وكانت العلاقات بين البلدين قد توطدت بمجرد توقيع اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي، وانقطعت تلك العلاقات مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم تجددت في نهاية عام 2020، عندما أصبح المغرب رابع بلد ينضم إلى اتفاقات أبراهام، أو قطار التطبيع الذي أطلقه ترامب.
وتتمتع إسرائيل والمغرب بتاريخ طويل من التعاون الأمني والدبلوماسي. كان الموساد يدير محطة في الرباط. وبعد حرب الأيام الستة عام 1967، باعت إسرائيل للمغرب فائض أسلحتها الفرنسية، خاصة الدبابات والمدفعية، والعهدة على الصحيفة الإسرائيلية. كما جاء مستشارون عسكريون إسرائيليون إلى المغرب لمساعدة الحكومة في محاربة جبهة البوليساريو الانفصالية التي تقاتل من أجل استقلال الصحراء الغربية.
وقدم تقرير "هآرتس" رصداً لبعض أنظمة الأسلحة التي باعتها إسرائيل للمغرب على مر السنين -من الطائرات المسيَّرة إلى الأسلحة الإلكترونية.
طائرة هيرون
في عام 2014، اشترى المغرب ثلاث طائرات مسيَّرة من طراز هيرون من صنع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية مقابل 50 مليون دولار. طائرة هيرون، التي طُرِحَت في السوق عام 2000، يمكنها البقاء في الهواء لمدة 45 ساعة والوصول إلى ارتفاع 35 ألف قدم.
ووفقاً للمعلومات المتاحة للجمهور، لم تكن الصفقة لطائرات مسيَّرة مسلحة، بل لطائرة هيرون-1 المجهزة بأجهزة استشعار، والتي يُقال إنها تتيح "جمع المعلومات الاستخبارية المعقدة والمراقبة والدوريات، وتحديد الأهداف وتنفيذ المهام على تضاريس مختلفة".
تشمل الطائرة، من بين أشياء أخرى، أنظمة التصوير التي تمكِّنها من العمل في الليل، والتقاط الصور بالحرارة التي تشعها، وتنشئ صوراً ثلاثية الأبعاد للتضاريس والمركبات على الأرض، ولديها معدات لجمع المعلومات الاستخبارية الإلكترونية واعتراض الإرسال.
وأفادت أنباء بأن الطائرات المسيَّرة التي دخلت الخدمة في الجيش المغربي منذ ثلاث سنوات، تُستخدم لمحاربة جبهة البوليساريو، التي تقاتل من أجل استقلال الصحراء الغربية. واتهمت جماعات حقوق الإنسان المغرب بقائمة انتهاكات في الحرب.
طائرة هاروب
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أفاد حاييم ليفينسون من صحيفة Haaretz الإسرائيلية بأن شركة الطيران الإسرائيلية باعت طائرات هاروب المسيَّرة إلى المغرب.
وعلى عكس الطائرات المسيَّرة التي طُوِّرَت للمراقبة أو الهجمات المصممة للعودة إلى الوطن بعد الانتهاء من مهامها، فإن طائرة هاروب هي من طراز ما يُعرَف بـ"الطائرة الانتحارية المسيَّرة". فهي بمعنى آخر تدمر نفسها عندما تهاجم هدفاً. وإذا فشلت في العثور على هدف، يمكن إعادتها إلى قاعدتها الرئيسية.
يبلغ طول الطائرة 2.5 متر، ويبلغ طول جناحيها ثلاثة أمتار. وهي تحمل رأساً حربياً يبلغ وزنه 15 كيلوغراماً ويمكن أن تبقى في الهواء لمدة ست ساعات، وفي بعض الحالات تصل إلى تسع ساعات.
والدرون الإسرائيلية مجهزة بنظام تصوير متقدم يمكِّنها من تحديد أهدافها بناءً على المعايير الموضوعة قبل إرسالها. وتهاجم هدفها عن طريق الاصطدام به والانفجار، ولكن فقط بعد أن يمنحها مشغِّلها (الذي يمكن أن يكون على بُعد 200 كيلومتر) تصريحاً للقيام بذلك.
من بين الدول التي اشترت طائرات هارون المسيَّرة أذربيجان، التي استخدمتها لمهاجمة أنظمة صواريخ أرض-جو إس-300 التي استخدمها الجيش الأرميني عندما خاض البَلَدان الحرب عام 2021.
نظام الدفاع الصاروخي باراك إم إكس
في فبراير/شباط الماضي، أفادت تقارير بأن المغرب زُوِّدَت بنظام الدفاع الصاروخي باراك إم إكس، وهو نظام متكامل لمواجهة مجموعة واسعة من التهديدات الجوية التي تتراوح من طائرات الهليكوبتر والطائرات إلى الطائرات المسيَّرة وصواريخ كروز.
وقال تقرير الصحيفة الإسرائيلية إن دول الخليج العربي مهتمة بالحصول على النظام الإسرائيلي، في إطار الحديث عن نظام دفاع إقليمي يجري العمل على تأسيسه مع إسرائيل، رغم عدم وجود تقارير مؤكدة بخصوص ذلك التحالف حتى الآن.
كان النظام الإسرائيلي قد تم تطويره في الأصل ليُنشَر على متن السفن واستخدم مؤخراً لإسقاط طائرات حزب الله المسيَّرة التي تهدد منصة الغاز الطبيعي كاريش في البحر الأبيض المتوسط. كما صُمِّمَ النظام حول تكامل أنواع مختلفة من الصواريخ التي تمكِّنه من التعامل مع التهديدات من مسافة تصل إلى 150 كيلومتراً.
وُضِعَت صفقة بيع باراك إم إكس، التي تُقدَّر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات، خلال زيارة قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى المغرب. وتشمل الصفقة بيع أنظمة الرادار التي تنتجها شركة IAI Elta Systems التابعة لشركة IAI Elta Systems ونظاماً مضاداً للطائرات المسيَّرة من إنتاج شركة Skylock.
بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على مشروع لتحديث طائرات إف-5 المقاتلة التابعة لسلاح الجو المغربي. الطائرة، التي دخلت الخدمة مع القوات الجوية الأمريكية خلال حرب فيتنام، وصلت إلى المغرب خلال السبعينيات. واستُخدِمَت الطائرات القديمة منذ ذلك الحين وتحتاج إلى تحديث.
بيغاسوس
بيغاسوس Pegasus عبارة عن برنامج اختراق -أو برنامج تجسس– طورته شركة NSO Group الإسرائيلية وكانت تسوقه لحكومات دول العالم، ولديه القدرة على اختراق مليارات الهواتف التي تعمل بأنظمة تشغيل iOS أو أندرويد.
وأصبحت الأدوات التي طورتها مجموعة NSO الإسرائيلية رمزاً إشكالياً لصناعة الحرب الإلكترونية في البلاد. يمكِّن برنامج التجسس بيغاسوس، الذي يُباع فقط لأجهزة الدفاع والاستخبارات الحكومية، بموافقة وكالة مراقبة الصادرات الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع، المستخدم من مسح جميع المعلومات الموجودة في الهاتف الذكي المستهدف والعمل عن بُعد من خلال الميكروفون والكاميرا الخاصة به، دون أن تدري الضحية المستهدفة بذلك. وفي بعض الحالات، يمكن اختراق الهواتف المستهدفة دون أي إجراء من قبل المستخدم، مثل النقر على رابط ضار.
أدى بيع بيغاسوس إلى المغرب، والذي أُبلِغَ عنه من قِبَلِ العفو الدولية ومنظمة "قصص محرَّمة" غير الربحية، إلى تعقيدات دبلوماسية مع فرنسا بعد أن تبين أن من بين أهداف المغرب وزراء في حكومة إيمانويل ماكرون. وأكدت المخابرات الفرنسية الاختراق.
وكانت تقارير سابقة قد كشفت عن استخدام بيغاسوس ضد صحفيين ونشطاء حقوقيين في المغرب. إذ نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، قبل عام، نتائج تحقيق أجرته 17 مؤسسة إعلامية أفاد بأن برنامج التجسس الإسرائيلي قد انتشر على نطاق واسع حول العالم، "ويتم استخدامه لأغراض سيئة"، وأضاف التحقيق أن حكومات 10 بلدان على الأقل من بين عملاء شركة NSO، بينها المغرب والسعودية والإمارات.
ورغم نفي المغرب لما سماه المزاعم، أعلنت الجزائر أنها تحتفظ بحق الرد، على ما وصفته بـ"الاعتداء الممنهج على حقوق الإنسان"، عبر استخدام برنامج التجسس "بيغاسوس"، ضد بعض مسؤوليها.
في يوليو/تموز 2021، هبطت طائرة شحن مغربية من طراز هيركوليز تحمل قوات كوماندوس خاصة في قاعدة حاصور الجوية الإسرائيلية، كجزء من مناورة دولية لمحاربة الإرهاب شارك فيها المغرب وإسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة.
وقبل ثلاث سنوات، قام موقع menadefense.net بتحميل مقطع فيديو يُظهر ضباط شرطة مغاربة مسلحين ببندقية تافور عيار 9 ملم.
ونفى المغرب حصوله على الأسلحة من إسرائيل. وذكرت بعض التقارير أن الأسلحة اشتراها المغرب من شركات أوكرانية تصنع الأسلحة بموجب ترخيص، لكن أوكرانيا نفت تورطها في هذه الصفقة. وعلى أي حال، لا تنتج أوكرانيا هذا الإصدار المحدد من تافور، بحسب تقرير "هآرتس".
الجدير بالذكر هنا هو أن العلاقات العسكرية بين المغرب وإسرائيل لا تشمل فقط بيع الأسلحة، إذ شهد الشهر الماضي مشاركة ضباط من الجيش الإسرائيلي لأول مرة كمراقبين في مناورة "الأسد الإفريقي 2022″، التي جرت في المغرب بين 20 و30 يونيو/حزيران. بينما كانت وحدة مغربية لمكافحة الإرهاب قد شاركت في تدريبات عسكرية متعددة الجنسيات في إسرائيل العام الماضي.