عندما بدأ خبراء الترميم في المعارض الوطنية باسكتلندا بإجراء أشعة سينية روتينية لإحدى لوحات فنسنت فان جوخ، التي تحمل عنوان "رأس الفلاحة"، ضمن الأبحاث الدورية المعتادة، لم يتوقعوا العثور على مفاجأة من العيار الثقيل.
إذ تم اكتشاف عمل غير معروف من قبل للرسام الهولندي، فنسنت فان جوخ، أحد أهم الفنانين وأكثرهم شهرة في العالم اليوم.
وأعلن البروفيسور، فرانسيس فاول، كبير أمناء الفن الفرنسي في المعارض الوطنية في اسكتلندا، في تصريحات لـAljazeera الإنجليزية. ووصف الخبير الفني لحظة الاكتشاف تلك بأنها "نادرة بشكل لا يصدَّق".
وكان خبراء الترميم قد قاموا بهذا الاكتشاف يوم الخميس 14 يوليو/تموز أثناء فحصهم للوحة "رأس الفلاحة" كجزء من تمرين الفهرسة والتحضير لمعرض قادم للانطباعية الفرنسية، وفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية.
وكان قد تم التبرع باللوحة للمتحف عام 1960 من قِبَل محامٍ من إدنبره.
لوحة بورتريه ذاتي لفان جوخ
عندما قامت ليزلي ستيفنسون، كبيرة مسؤولي صيانة اللوحات في National Galleries of Scotland، بفحص الأشعة السينية للوحة، وجدت نفسها تحدق في عيني فنسنت فان جوخ شخصياً.
وأوضحت المؤسسة أن "الاكتشاف" يُظهر الرسام الشاب وهو ملتحٍ ويرتدي قبعة ذات حواف حادة، مع منديل ربطة للعنق غير مُحكم.
ويبدو فان جوخ في اللوحة المخفية جالساً في هدوء بنظرة شديدة، بينما الجانب الأيمن من وجهه في الظل، وأذنه اليسرى مرئية بوضوح.
وكان الرسام الهولندي كثيراً ما يُعيد استخدام اللوحات لتوفير المال، بدلاً من شراء ألواح جديدة للرسم. ونظرياً هو لم يرسم على الأعمال السابقة له التي رأى أنها لا تستحق، بل كان يرسم على جانبي قماش في لوحات الكانفاس.
ويرى خبراء الترميم أن هذا ما حدث تحديداً في تلك الحالة.
كيف تم إخفاء اللوحة بهذا الشكل؟
وبعد مرور 15 عاماً تقريباً على وفاة فان جوخ في عام 1890، أي قبل أن يتم تقدير أعماله، ويُصبح معروفاً كواحد من عظماء الفن الحديث – يبدو أن أحد مالكي الرسمة غطى لوحة البورتريه الذاتي في خلفية لوحة رأس الفلاحة التي انتهت عام 1885، بالورق المقوَّى والغراء لإخفائها؛ لأنها بدت غير مكتملة.
وأوضح البيان الصحفي للمؤسسة الفنية في اسكتلندا أنه "حوالي عام 1905، عندما تم إقراض لوحة رأس الفلاحة لمعرض في متحف ستيديليك بأمستردام، حينها تم اتخاذ قرار بإلصاق القماش على الورق المقوى قبل تأطيرها في بروازها النهائي.
وبالفعل، تم إخفاء اللوحة الذاتية تحت الغراء والكرتون منذ ذلك الحين، ولا يمكن رؤيتها إلا من خلال الأشعة السينية، لكي لا يتم تدمير اللوحة في حال إزالة هذا الورق المقوى الملصق فوقها.
رحلة لوحة "رأس الفلاحة"
تم تغيير مقر اللوحة المعروفة باسم "رأس الفلاحة" عدة مرات، وفي عام 1923 حصلت عليها إيفلين سانت كروا فليمينغ، التي أصبح ابنها، إيان، صانع شخصية "جيمس بوند" السينمائية.
وفي عام 1951، وصلت اللوحة إلى اسكتلندا، بعد أن تم شراؤها لتنضم إلى مجموعة ألكسندر وروزاليند ميتلاند الفنية للوحات الانطباعية، بحسب Aljazeera.
وتشير الأبحاث الإضافية إلى أن اللوحة السرية تلك تُعد واحدة من سلسلة من الصور الذاتية التجريبية – التي تضم خمسة أعمال مماثلة، معروضة في متحف فان جوخ في هولندا – تم رسمها على الجزء الخلفي من اللوحات القديمة من الوقت الذي عاش فيه في نوينين، في الجنوب الهولندي، في الفترة من ديسمبر/كانون الأول عام 1883 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 1885.
وهناك أجرى عدداً من دراسات الفلاحين، استعداداً لعمله الفني المبكر (The Potato Eaters)، أو "آكلو البطاطس"، وهي اللوحة الشهيرة التي رسمها عام 1885.
أعمال كثيرة لفان جوخ لم تُكتشف بعد
وفي كل عام تقريباً، يستقبل متحف فان جوخ في أمستردام ما يصل إلى 300 استفسار من أشخاص يعتقدون أنهم اكتشفوا لوحة نادرة أو مفقودة لفان جوخ، ولكن يتضح أن القليل جداً منها حقيقي.
ففي عام 2013، تم اكتشاف لوحة "غروب الشمس في مونت ماجور"، التي رسمها قبل عامين من وفاته عام 1890 ونُسيت في علية منزل بالنرويج لعقود، قبل أن يتم عرضها أخيراً في أمستردام.
بينما تم عرض رسم بالقلم الرصاص عام 2021 لـ"عامل منهك" Worn Out، بعد أن ظلت في مجموعة خاصة لعائلة هولندية منذ أكثر من قرن من الزمان. ومن يدري؟ ربما يحمل المستقبل الكثير بعد لنكتشفه من إبداعات هذا الرسام الغامض!