مصير أكبر طائرة ركاب في العالم متوقف على قرار منتظر من دولة عربية؛ بعد أن أدى انتعاش الطيران التجاري بعد نهاية إغلاقات كورونا إلى تزايد الآمال في عودة طائرة الركاب العملاقة "إيرباص إيه 380" إلى التحليق في الأجواء من جديد، رغم فشلها السابق في سوق الطيران
وبدت هذه الطائرة العملاقة خارج الخدمة قبل عامين فقط؛ حيث كانت شركات الطيران تصارع لكبح انتشار فيروس كورونا؛ حيث توقف أسطولها بالكامل عن العمل ودخل العديد منها في مرافق تخزين طويلة الأجل، حتى إنَّ بعض شركات الطيران استغلَّت الفرصة للتخلص من هذا الطراز تماماً؛ حيث أحالت شركة الخطوط الجوية الفرنسية أسطول طائراتها من طراز "إيرباص إيه 380" إلى التقاعد في مايو/أيَّار 2020.
وأوقفت شركة إيرباص خط إنتاج الطائرة A380، بعد 14 عاماً من الإنتاج، مقارنة بالطائرات الأخرى طويلة المدى مثل بوينج 747، التي استمر إنتاجها لما يقرب من 50 عاماً.
لكن الآن، مع ارتفاع أعداد الركاب وعودة الحركة الجوية إلى مستويات ما قبل الجائحة، يعود أكثر من نصف الأسطول العالمي من طراز "إيه 380" إلى الخدمة الفعلية من جديد، وذلك وفقاً لبيانات موقع "فلايت رادار 24".
كانت شركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" أحدث ناقل جوي يعلن عودة طائرة "إيرباص إيه 380" إلى أسطول طائراتها العاملة -وإن لم يكن ذلك قبل عام 2023- وثمة أسباب للاعتقاد بأنَّ المزيد من طائرات "إيه 380" ستعاود مرة أخرى التحليق تدريجياً في السماء، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
يقول جيف فان كلافرين، محلل بيانات الطيران والمدير الإداري للخدمات الاستشارية لدى شركة "IBA": "تستعد الطائرة بالتأكيد لعودة قوية. كان المشغلون مترددين في إعادة تشغيلها لأنَّها مكلفة للغاية، لكن أعتقد أنَّنا شهدنا تعافي الطلب على نحو أسرع مما كان متوقعاً".
كيف تحولت أكبر طائرة في العالم إلى مشروع فاشل؟
كانت "إيرباص إيه 380" أكبر طائرة تجارية تم إنتاجها على الإطلاق وكانت مذهلة من نواحٍ عديدة، وكان الغرض منها تجاوز طائرة بوينج 747 الأمريكية الشهيرة.
تتسع الطائرة "إيرباص إيه 380" إلى نحو 853 راكباً في تشكيلة اقتصادية؛ نظراً لكونها الطائرة التجارية الوحيدة التي تحتوي على طابقين كاملين، فإن طائرة إيرباص A380 هي أعجوبة هندسية. منذ أول رحلة تجارية لها في عام 2007 ، حصلت طائرة إيرباص A380 على 251 طلبية، 123 منها تخص طيران الإمارات.
أحب الركاب والطيارون الراحة وسهولة الطيران، ولكن الإدارات المالية لشركات الطيران كانت أقل إعجاباً بها، بسبب تكلفتها الكبيرة، حسب تقرير لموقع Aviation Week.
فعلى الرغم من كونها أعجوبة هندسية، إلا أن طائرة إيرباص A380 كانت فاشلة في سوق الطيران، حسب موقع Travel Radar.
كانت فترة إنتاج الطائرة، التي امتدت 14 عاماً فقط، مليئة بالدراما ، بما في ذلك إعادة تصميم أجنحتها المكلفة والحملات اليائسة المتزايدة لبيع المزيد من الطائرات العملاقة وإطالة عمرها. كانت مليئة بالمفاوضات حول نسخة أكبر تدعى Neos.
ولكن بعد أن سحبت طيران الإمارات طلب شراء كبيراً كان من شأنه أن ينقذ البرنامج في شتاء 2018 ، قرر الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص السابق توم إندرز إنهاء إنتاج الطائرة A380؛ حيث أصبح من الواضح أن شركة إيرباص لن تسترد 25 مليار يورو (30 مليار دولار) من تكاليف البحث والتطوير التي وجهت للبرنامج على مر السنين.
وأصبح برنامج "إيرباص إيه 380" الفشل الأكبر في صناعة الطيران المدني الأوروبية بعد برنامج طائرة كونكورد الأسرع من الصوت ومثالاً رئيسياً على قراءة الإدارة للسوق بشكل غير صحيح.
الحجم الكبير الذي لم يستطع أحد أن يملأه
لم يشترِ العديد من شركات الطيران طائرة "إيرباص إيه 380" نظراً لحجمها الهائل. فمع جناحيها بحجم 3 طائرات بوينج 737 تقريباً، كان من المستحيل تقريباً ملء "إيرباص إيه 380" بالركاب حتى في خطوط الطيران الأكثر شعبية. وبسبب الحجم الكبير أيضاً، لم تتمكن طائرة إيرباص A380 من الهبوط إلا في 140 مطاراً مختاراً، وكان لا بد من تجديد هذه المطارات لتكون لها بوابات أكبر تتوافق مع "إيرباص إيه 380".
استهلاك الوقود
مع الحجم يأتي المزيد من المشاكل، تعمل "إيرباص إيه 380" بواسطة أربعة محركات، وهو ما كان غير فعال للغاية لشركات الطيران بسبب زيادة حرق الوقود.
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ارتفعت أسعار الوقود فجأة، مما قلل من شعبية الطائرات ذات الأربع محركات.
ولكن بحلول ذلك الوقت، كانت شركة إيرباص قد أنفقت بالفعل الكثير من الأموال في البحث والتطوير على "إيرباص إيه 380" التي فات الأوان للتراجع عنها.
ظهرت أجيال جديدة من الطائرات توفر الاستهلاك بنسبة 10 إلى 12% مما جعل إيرباص A380 لا تستطيع منافستها.
الرهان على استراتيجيات خاطئة
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، توقعت شركة إيرباص أن مستقبل الطيران سيكون للطائرات الكبيرة القادرة على قطع مسافات طويلة، بين مطارين كبيرين، على أساس أن الركاب يمكن أن ينتقلوا من المطارات الكبيرة إلى مدنهم عبر السفر إلى مطارات أخرى صغيرة.
ولكن هذا الرهان لم يتحقق، في العشرين عاماً الماضية، قطعت شركتا إيرباص وبوينغ خطوات هائلة لتقديم طائرات أصغر يمكنها أن تقطع مسافات طويلة، وبالتالي أصبحت هذه الطائرات تستخدم بين المطارات الصغيرة المتباعدة، وبطبيعة الحال يفضل الركاب التحرك من مدنهم مباشرة إلى وجهاتهم النهائية، وليس عن طريق مطار وسيط.
تعدد الشركاء المصنعين للطائرة
عندما أطلقت شركة إيرباص برنامج A380 في عام 2000، توقعت تسليم أول طائرة في عام 2005.
لم يحدث ذلك أبداً بسبب مشكلات الشركاء داخل إيرباص؛ حيث نشرت الشركة الأوروبية مصانعها ومهندسيها ومصمميها في جميع أنحاء أوروبا لإرضاء الحكومات الوطنية المساهمة في الشركة، خلق هذا مشاكل في التواصل أثرت على الإنتاج.
في النهاية، أدت مشاكل إنتاج A380 إلى إجبار إيرباص على إعادة تنظيم نفسها، وهي العملية التي نجحت في تسليم A350.
ولكن كان قد فات الأوان لبرنامج A380، حيث أدت مشكلات التصميم إلى عدم طرح طائرة A380 حتى عام 2007 ، متأخرة 2-3 سنوات عن موعدها المحدد، عندما كان سفر العمل في طريقه للانهيار؛ مما أضر بشركات الطيران مالياً.
المسمار الأخير.. فيروس كورونا
وضع Covid-19 المسمار الأخير في نعش العديد من الطائرات الكبيرة؛ حيث خزنت شركات الطيران في جميع أنحاء العالم أو أحالت للتقاعد أساطيل طائراتها النفاثة ذات المحركات الأربعة، مثل طائرات بوينج 747 و A380.
وتحول العديد من شركات الطيران إلى طائرات أصغر وأكثر كفاءة، مثل إيرباص A220 بعد تراجع السفر بشكل هائل.
ولكن لماذا تعود الآن إلى الخدمة؟
لا يزال هناك 238 طائرة من طراز "إيه 380" متاحة حالياً للدخول إلى الخدمة؛ حيث تحظى هذه الطائرة -التي أوقفت الشركة المصنعة لها "إيرباص" إنتاجها- بشعبية بين الركاب والأطقم الجوية، ولكن ليس لدى شركات الطيران؛ إذ أعطت 14 شركة فقط حتى الآن الأمر بتشغيلها.
ومع ذلك، ثمة 9 شركات فقط حالياً تستخدم طائرة "إيه 380" في تسيير رحلاتها، وهي الخطوط الجوية البريطانية وخطوط أول نيبون الجوية (اليابان) وطيران الإمارات والخطوط الجوية السنغافورية والخطوط الجوية القطرية وخطوط كانتاس الجوية وخطوط طيران آسيانا والخطوط الجوية الكورية وخطوط جنوب الصين الجوية. تخطط بعض هذه الشركات بالفعل لإعادة تشغيل المزيد من طائراتها "إيه 380" .
تُشغّل الخطوط الجوية السنغافورية، على سبيل المثال، حالياً 10 طائرات "إيه 380" من أسطولها من هذه الطائرة المكوّن من 12 طائرة، لكن الشركة أكدَّت لشبكة "CNN Travel" الأمريكية أنَّ الطائرتين المتبقيتين تخضعان للتحديث حالياً وستعودان قريباً إلى الخدمة. من جانبها، قالت الخطوط الجوية الكورية أيضاً إنَّها ستعيد تشغيل طائرة ثالثة "إيه 380" من أسطولها المكوّن من 10 طائرات، لتنضم إلى الطائرتين الموجودتين بالفعل في الخدمة.
وأكدت شركة الطيران الأسترالية "كانتاس"، التي تُشغّل 3 طائرات من أصل 12 طائرة "إيه 380″، لشبكة "CNN Travel" أنَّها تهدف إلى إعادة تشغيل 6 طائرات أخرى قبل نهاية العام الجاري، مع وجود خطة لإعادة 4 طائرات أخرى إلى الخدمة الفعلية بحلول عام 2024 -بينما تقرَّر إنهاء خدمة الطائرتين الباقيتين.
تعمل أيضاً شركة طيران الإمارات، أكبر مشغل لطائرات "إيه 380" بأسطول مكوَّن من 123 طائرة، على زيادة عدد طائراتها العاملة. يقول ريتشارد يهودسبري، نائب رئيس طيران الإمارات في المملكة المتحدة: "نُشغّل اليوم أكثر من نصف أسطول طائراتنا طراز (إيه 380) ونهدف بحلول نهاية العام إلى تشغيل ما يقرب من 90 طائرة أخرى عبر شبكة رحلاتنا بالكامل".
ليس من المستغرب أن طيران الإمارات كانت أكبر زبون لطائرة A380؛ حيث أصبحت دبي مركزاً مهماً للطيران في العالم، في وقت بدأ فيه النشاط الاقتصادي العالمي في التحول بعيداً عن الغرب باتجاه الشرق؛ مما استلزم سفراً كبيراً بين شرق وغرب العالم ودبي كانت تقع في منتصف الطريق.
تجدر الإشارة إلى أنَّ آخر دفعة طائرات "إيه 380″، أنتجتها شركة "إيرباص" في أواخر عام 2021، ذهبت إلى طيران الإمارات وكانت من بين عدد قليل من طائرات "إيه 380" التي تتضمن درجة اقتصادية ممتازة -وهي درجة وسط بين الدرجة الاقتصادية العادية ودرجة رجال الأعمال.
صعوبة بيع الطائرة تدفع الشركات لتشغيلها
ثمة العديد من الأسباب وراء عودة شركات الطيران إلى تشغيل هذه الطائرة العملاقة. يقول محلل بيانات الطيران، جيف فان كلافرين: "هناك نقص في الطائرات ذات البدن العريض التي توفر سعة أكبر، حيث إنَّ بعض المشغلين مثل الخطوط الجوية البريطانية تحيل طائرات قديمة مثل "بوينج 747" للتقاعد. كانت هناك أيضاً بعض مشكلات الإنتاج في طائرات "إيه 350″ الجديدة؛ لذا تحتاج بعض شركات الطيران إلى السعة الأكبر".
وهذا ليس كل شيء. يعتبر قرار إعادة الطائرة إلى الخدمة منطقياً للغاية بالنسبة لبعض شركات الطيران؛ بسبب انخفاض قيمة الطائرة لدرجة أنَّه لم يعد من الممكن بيعها.
يقول كلافرين: "أدرك بعض المشغلين الصعوبة الشديدة في بيع الطائرة، لأسباب عديدة مختلفة. إذا لم يكن لديك طائرة "إيه 380″ ضمن أسطولك الجوي، فلن تفكر بالتأكيد في شرائها، لأنَّها مجازفة كبيرة ومكلفة للغاية".
انخفضت قيمة طائرة "إيه 380" بنسبة 60% لتصل إلى 30 مليون دولار، مقارنةً بحوالي 76 مليون دولار في فترة ما قبل جائحة كورونا؛ لذا، يعتقد الكثير من شركات الطيران أنَّه من الأفضل تشغيلها.عرضت الخطوط الجوية التايلاندية والماليزية جميع طائراتها من طراز "إيه 380" للبيع، لكن لم يظهر أي مشترين حتى الآن.
مصير "إيرباص إيه 380" متوقف على قرار ستتخذه دولة عربية
مقارنة بالتنبؤات القاتمة قبل عامين ماضيين، قد يكون الوقت قد حان لتخيّل مستقبل أكثر تفاؤلاً لطائرة "إيرباص إيه 380" العملاقة.
يقول كلافرين: "أعتقد أنَّ معظم شركات الطيران ستواصل تشغيل الطائرات حتى نهاية صلاحيتها. يبقى السؤال هنا بشأن ما إذا كان عمرها الافتراضي 18 عاماً بدلاً من 25 عاماً، وهو العمر الافتراضي لمعظم الطائرات". وأضاف أنَّ "هذه الطائرة غير فعّالة للغاية فيما يتعلق بحرق الوقود، مقارنةً بطائرات الجيل الجديد، الأمر الذي يشير إلى أنَّ متوسط عمرها الافتراضي سينخفض".
يتوقف مصير طائرة "إيه 380" إلى حدٍ كبير على شركة طيران الإمارات، في ضوء حقيقة امتلاكها عدداً كبيراً منها. يقول كلافرين: "أعتقد أنَّ الشركة ستعيد تشغيل جميع الطائرات، لأنَّها مهمة جداً لنموذج أعمالها".
من جانبها، تواصل شركة طيران الإمارات، التي تتخذ من دبي مقراً لها، إظهار دعمها القوي للطائرة. قال تيم كلارك، رئيس طيران الإمارات، لموقع "إيرلاين ريتنغ" إنَّ "تقاعد الطائرة سيترك فراغاً لا تستطيع أي طائرة أخرى قيد الإنتاج حالياً أن تملأه".
في السياق ذاته، يقول ريتشارد يهودسبري، نائب رئيس طيران الإمارات في المملكة المتحدة، إنَّ طائرة "إيه 380" لا تزال "تحظى بترحيب كبير حالياً من العملاء في جميع أنحاء العالم وستبقى الطائرة الرائدة لشركتنا لسنوات عديدة قادمة".