قتل أكثر من 15 مليون جندي، في حين لقي 45 مليون مدني مصرعهم في أقل من 6 أعوام، وتشير تقديرات أخرى إلى وصول عدد القتلى إلى 85 مليون إنسان خلال الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، خصوصاً مع نشوب عدد من أكثر المعارك دموية في تلك الحرب، بل وقد تكون أكثرها دموية في التاريخ.
وقد كان نشوب الحرب العالمية الثانية شبه مؤكد بعدما غزا أدولف هتلر والنازيون بولندا في أغسطس/آب 1939، بعد أشهر من توقيع هتلر وجوزيف ستالين ميثاق عدم الاعتداء الألماني – السوفييتي، لضمان ألا يحارب هتلر السوفييت في بولندا.
وبعد أيام قليلة فقط من غزو بولندا، أعلنت بريطانيا العظمى وفرنسا الحرب على ألمانيا، واجتاحت الحرب أرجاء أوروبا. وبعد غزو فرنسا، شكَّل هتلر تحالفاً مع ديكتاتور إيطاليا الفاشي بينيتو موسوليني، وتحالف الطرفان مع اليابان، وشكَّلت البلدان الثلاثة "دول المحور"، بينما تألف الحلفاء من بلدان قوية مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، ثم اشتعلت الحرب في مختلف أنحاء العالم حتى عام 1945، حين ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين، إحداهما على هيروشيما والأخرى على ناغازاكي.
أكثر المعارك دموية في الحرب العالمية الثانية
1- حصار لينينغراد.. 842 يوماً ومقتل 1.2 مليون!
يُعد حصار لينينغراد أحد أحلك فصول الحرب العالمية الثانية؛ إذ حاصرت القوات الألمانية والفنلندية التابعة للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر مدينة لينينغراد في الاتحاد السوفييتي؛ ما أدى إلى خسائر في الأرواح قُدرت بـ1.2 مليون شخص خلال حوالي 842 يوماً.
بدأ الحصار في 8 سبتمبر/أيلول 1941، واستمر حتى 7 يناير/كانون الثاني 1944.
رغم أنَّ مدينة لينينغراد جهزت سراً دفاعاتها درءاً للقوات الألمانية والفنلندية المُقتربة، صارت المدينة محاطة من كل جانب بقوات العدو بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 1941. قُطعت الإمدادات الأساسية عن المدينة، وعانى سكانها أشد معاناة، فتوفي 650 ألف شخص من سكان لينينغراد في عام 1942 فقط.
كانت المجاعة والأمراض والقصف، التي تسببت بها قوات هتلر، مسؤولة جزئياً عن الأعداد الهائلة من الوفيات التي حدث خلال حصار لينينغراد. إذ إن الإمدادات القليلة التي حصلت عليها المدينة عبر بحيرة لادوغا هي وحدها التي أبقت السكان على قيد الحياة (وإن كان ذلك قد حدث بصعوبة بالغة) خلال هذه المدة.
وفي عام 1943، نجحت القوات السوفييتية في اختراق التطويق الألماني للمدينة؛ ما سمح بوصول الإمدادات إليها. وفي نهاية المطاف، وتحديداً في يناير/كانون الثاني، أخرج الجيش السوفيتي الألمان ودفعهم باتجاه الغرب؛ ما أنهى حصار لينينغراد القاسي.
2- معركة ستالينغراد.. أكثر من مليون قتيل
في 22 يونيو/حزيران 1941، شنَّت ألمانيا النازية "عملية بارباروسا"؛ إذ كانت ستالينغراد مدينة صناعية واقعة على نهر الفولغا، لا تنتج فقط الإمدادات العسكرية، بل كانت تمثِّل أيضاً محوراً استراتيجياً رئيسياً في غزو روسيا، ومن شأن السيطرة عليها أن تؤمِّن الجناح الأيسر للجيش الألماني فيما يتقدَّم إلى منطقة القوقاز الغنية بالنفط، وكان الهدف هو قطع الوقود عن جيش ستالين.
هاجم النازيون المدينة أولاً عبر الجو، فقصفوا نهر الفولغا ثم مدينة ستالينغراد، وهو ما حوَّل معظم المدينة إلى خراب، بينما طالب ستالين العمال بتولي القتال، وحفرت النساء الخنادق على خطوط الجبهة. وفي 28 يوليو/تموز، أعلن ستالين "الأمر رقم 277" الشهير، الذي حظر على القوات مغادرة المدينة وإلا واجهوا المحاكمة العسكرية وربما الإعدام.
زحفت القوات البرية الألمانية في النهاية إلى داخل ستالينغراد، وسيطرت على معظم المدينة. لكنَّ الجيش السوفيتي شديد البأس صمد بقوة واستعر القتال. وحين حلَّ الشتاء السوفييتي القاسي، واجهت القوات الألمانية مشكلة. وكان السوفييت يخنقون خطوط الإمداد ويهاجمونها من منازلهم وأبنيتهم، بل وحتى من نظام الصرف الصحي. لكنَّ هتلر رفض الاستسلام، حتى حين كان رجاله يتضورون جوعاً.
وبحلول مطلع 1943، كانت القوات السوفييتية قد أسرت 100 ألف جندي ألماني وسيطرت على ستالينغراد، وكانت تلك معركة حاسمة غيَّرت مجرى الحرب لصالح الحلفاء، مع أنَّ السوفييت استعادوا ستالينغراد، كان هذا أول فشل علني يُقِرُّ به هتلر. وقد قُتِلَ أكثر من مليون و100 ألف من القوات السوفييتية وقرابة 40 ألف مدني خلال المعركة. وتُقدَّر أعداد ضحايا قوات المحور بنحو 800 ألف، وقد صنفها موقع Army Technology واحدة من ضمن أكثر 10 معارك دموية في القرن العشرين.
3- عملية باغراتيون.. أكثر من مليون قتيل
في الوقت نفسه الذي كان الحلفاء يقومون فيه بالإنزال على شواطئ النورماندي في فرنسا، كان ستالين والاتحاد السوفييتي يشنَّان هجوماً آخر، استمر من 22 يونيو/حزيران حتى 19 أغسطس/آب من عام 1944، وكان هجوماً هائلاً؛ إذ ضم أكثر من 2.3 مليون جندي. وكان هدفه هو دعم عمليات الحلفاء في فرنسا وتحرير الأراضي الروسية.
استخدم الهجوم قصفاً مدفعياً هائلاً وأطناناً من الذخيرة. وشنَّت القاذفات السوفيتية أكثر من 1000 هجوم لإضعاف الدفاعات الألمانية واستنزاف الروح المعنوية. وقضى السوفييت تماماً على 5 فرق ألمانية، نحو 28 ألف جندي، في غضون 3 أيام فقط، حسب موقع History.
دحر السوفييت في النهاية القوات الألمانية إلى بولندا، وهو ما كان يعني أنَّ ألمانيا كانت تخوض الحرب على الجبهة الشرقية ضد السوفييت، وعلى الجبهة الغربية ضد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وبحلول نهاية الشهر، كان الجيش الألماني الرابع، وتقريباً كل جيشيْ الدبابات التاسع والثالث قد دُمِّرت.
وأخيراً، كلَّفت عملية باغراتيون هتلر والجيش الألماني 350 ألف جندي، بما في ذلك 31 جنرالاً. وكانت تلك أسوأ هزيمة عسكرية في الحرب. وعلى الرغم من الضربة الساحقة التي وُجِّهَت لهتلر، قُتِلَ أيضاً أكثر من 765 ألفاً من القوات السوفييتية.
4- معركة برلين.. 380 ألفاً من الطرفين وانتحار هتلر
في أوائل ربيع عام 1945، زحف الجيش السوفييتي باتجاه برلين، حيث كان هتلر قد تحصَّن وسط البقايا المتداعية للرايخ الثالث الذي كان يوماً ما عظيماً. كان أمام هتلر خياران: الموت أو القتال. وقد اختار هتلر الثانية. وأصبحت هذه الحرب واحدة من أكثر 10 معارك دموية في الحرب العالمية الثانية، وفق قائمة موقع How Stuff Works الأمريكي.
حاولت القوات السوفييتية تطويق برلين في 16 أبريل/نيسان، وكان هتلر قد جهَّز قواته، بما في ذلك قوة "فيرماخت" (قوة الدفاع)، و"فولكس شتورم" (ميليشيا)، و"فافن إس إس" (قوة نخبة الشرطة)، والآلاف من "شباب هتلر"، من أجل معركة أخيرة يائسة. وكان هناك في العموم 300 ألف من القوات الألمانية. ومن ناحية أخرى، كان تعداد القوات السوفييتية بالملايين.
بدأ القصف السوفييتي في 21 أبريل/نيسان 1945، ودخلت القوات المدينة، فيما أصبح يمثل هجوماً برياً. وكانت سنوات من قصف الحلفاء قد أحالت المدينة إلى حطام. واستسلمت حامية برلين للجيش السوفيتي بعد أيام قليلة، وبالتحديد في 2 مايو/أيار 1945.
انتحر هتلر والعديد من أتباعه، لكن لم يحدث ذلك إلا بعد مقتل 80 ألف سوفييتي وما يُقدَّر بـ300 ألف ألماني.
5- معركة سنغافورة.. 130 ألف أسير من قوات التحالف!
كانت القوات البريطانية متمركزة في سنغافورة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وكانت هذه الجزيرة لا تزال تُعتَبَر قاعدة معيارية للمراكز البريطانية في جنوب شرق آسيا. وفي حين كان وقوع هجوم من جانب اليابانيين خلال تلك الفترة يُعتَبَر أمراً مُرجَّحاً، كان من المرجح كذلك أن يكون النصر حليف البريطانيين.
لكن في عام 1941، هزم اليابانيون البريطانيين وأخرجوهم من الملايو، ووجَّهوا أنظارهم صوب سنغافورة، فيما سيطر اليابانيون على الجزيرة بعنصر المفاجأة وكانوا قساة. وعلى الرغم من التفوق على اليابانيين بنسبة أكثر من اثنين إلى واحد (كانت هناك قوات بريطانية وكندية وهندية وأسترالية هناك)؛ فإنَّهم كانوا يملكون التفوق في سلاح الجو والاستخبارات الحربية، وفق موقع Historic البريطاني.
وقد دمروا القدرات الجوية والبحرية البريطانية قبل حتى أن تطأ أقدامهم الجزيرة. وفي 8 فبراير/شباط 1942، دخل 23 ألفاً من القوات اليابانية سنغافورة، وسقطت الجزيرة بحلول 15 فبراير/شباط 1942. وفي غضون أسبوع واحد، كان الجنرال آرثر بيرسيفال قد استسلم للقائد الياباني، فيما لا تزال تمثل أكبر عملية استسلام في التاريخ البريطاني.
أُسِرَ أكثر من 130 ألفاً من قوات الحلفاء، بما في ذلك 15 ألف جندي أسترالي و50 ألفاً من الإثنية الصينية، ولو أنَّ الأعداد تتباين بحسب المصدر. وأُرسِلَ العديد من قوات الحلفاء إلى معسكرات الاعتقال اليابانية، ولم تتمكن الغالبية العظمى منها من العودة إلى الديار.
قد يهمك أيضاً: النزاع الذي قضى على حياة 85 مليون إنسان.. لماذا اندلعت الحرب العالمية الثانية؟