"دولة فقيرة ومعزولة في آسيا الوسطى"، كانت محطة أول زيارة خارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ بداية حرب أوكرانيا، حيث أثارت زيارة بوتين لطاجيكستان التي تعد واحدة من أفقر دول آسيا الوسطى، تساؤلات عما إذا كان لديه خطط جديدة لهذه المنطقة بعدما أصبح معزولاً عن أوروبا.
وازدادت أهمية منطقة آسيا الوسطى بالنسبة لروسيا منذ أن تعرضت الأخيرة لحصار غربي شامل، بعد أن أرسل بوتين قوات بلاده المسلحة إلى أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
ولكن هناك في آسيا الوسطى دول تبدو أكثر أهمية من طاجيكستان، فهناك كازاخستان الدولة شاسعة المساحة المجاورة لروسيا والغنية بالنفط والغاز واليورانيوم والقمح والتي يمثل ذوو الأصول الروسية فيها نسبة كبيرة من سكانها.
كما توجد تركمانستان، البلد شبه الصحراوي شديد العزلة والغني بالطاقة لاسيما الغاز، والذي يتشاطر مع روسيا ودول أخرى بحر قزوين، وهناك أيضاً أوزبكستان أكبر جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة سكاناً، والبلد الذي يمكن وصفه بـ"مصر آسيا الوسطى"، بحضارتها الإسلامية العريقة التي ازدهرت في بخارى وسمرقند لقرون، ونهريها الكبيرين اللذين يمثلان أهمية كبيرة في المنطقة شبه الصحراوية تشبه أهمية النيل ودجلة والفرات في العالم العربي.
في المقابل تبدو طاجيكستان وقرغيزستان، البلدين الجبليين، الأفقر في المنطقة، والأقل جاذبية للقوى العظمى في ظل افتقارهما إلى موارد طاقة كبيرة أو مناطق زراعية واسعة أو حتى عدد سكان كبير.
ولذا فقليلون من هم متأكدون تماماً من سبب زيارة بوتين لطاجيكستان، حسب وصف تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
أجندة زيارة بوتين لطاجيكستان تبدو عادية، فهل يريد ضمها للاتحاد الأوراسي؟
بدت الأجندة الرسمية لزيارة عمل بوتين في 28 يونيو/حزيران، غير استثنائية في الغالب.
وقال الكرملين، في بيان قبل الرحلة، إنَّ المحادثات مع الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمون ستتناول التحالف الاستراتيجي بين موسكو ودوشنبه والوضع في أفغانستان، دون تقديم أية تفاصيل.
وقال يوري أوشاكوف، مستشار بوتين للشؤون الخارجية، إنَّ روسيا ستحاول مرة أخرى عرض قضية انضمام طاجيكستان إلى الكتلة التجارية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة موسكو. وهذا أيضاً ليس شيئاً جديداً.
يضم هذا الاتحاد، روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان.
هل يمكن أن تساعد طاجيكستان روسيا على التغلب على الحصار الغربي؟
وهناك تكهنات، بأنَّ الطرفين قد ناقشا بعض الموضوعات الأخرى الأكثر حساسية. وأشارت الإذاعة إلى أنَّ بوتين وعلي رحمون سيلتقيان وجهاً لوجه، وهو تنسيق يشير إلى أنَّ المناقشة ستتطرق إلى ملفات حساسة، حسبما قالت خدمة Radioi Ozodi الطاجيكية، التابعة لإذاعة Radio Free Europe/Radio Liberty الأمريكية.
وتضمنت بنود جدول الأعمال التي توقعها المحللون، "الوضع الداخلي" في طاجيكستان، والمساعدة المحتملة التي يمكن أن تقدمها دوشنبه لموسكو في سبيل تجنُّب التأثير الكامل للعقوبات الغربية، وضرورة أن يتصالح رحمون مع حكم طالبان في أفغانستان المجاورة، والسؤال المشحون عن مسألة من سيخلف رحمون في الرئاسة.
من المؤكد أنَّ هذه التأويلات تبدو أكثر إثارة للاهتمام وإقناعاً؛ بالنظر إلى أنَّ طاجيكستان شريك من الدرجة الثانية نسبياً لروسيا في معظم النواحي الأخرى، حسب موقع Responsible Statecraft.
ومع ذلك، حاول الرئيسان ترويج قصة حول العلاقات المزدهرة. وأشارا إلى أنَّ التجارة الثنائية في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022 شهدت زيادة بنسبة 46.2% على أساس سنوي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021. وقال مكتب رحمون إنَّ منتدى الاستثمار المقرر عقده في دوشنبه في سبتمبر/أيلول، ينبغي أن يبني على ذلك.
طاجيكستان قد تتعرض لأزمة كبيرة بسبب العقوبات الغربية ضد موسكو
تعمل روسيا على توسيع نفوذها بطرق أخرى أيضاً، من خلال بناء المدارس. إذ من المقرر افتتاح خمس مدارس جديدة باللغة الروسية بُنِيَت بتمويل من موسكو في سبتمبر/أيلول.
لكن شبح الانهيار السريع للازدهار الروسي، الناجم عن العقوبات، يهدد كلاً من الزوايا الاقتصادية والثقافية لهذه العلاقة. ويُقدِّر البنك الدولي أنَّ التحويلات المالية التي يرسلها العمال المهاجرون الطاجيكيون إلى بلادهم، والذين يذهب معظمهم عادةً إلى روسيا للعمل، قد تنخفض بنسبة 40% في عام 2022. وقد يتسبب هذا في انكماش الاقتصاد الطاجيكي بنسبة 2%، كما يقول البنك.
لطالما مثَّلت التحويلات المالية من مصادر روسية شريان حياة لحكام طاجيكستان الفاسدين وغير الأكْفاء، من خلال تمكين السكان من العيش على حد الكفاف، حسب وصف موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ومع ذلك، فإنَّ أحد الجوانب السلبية العديدة لوجود العمالة الطاجيكية في روسيا هو أنه يمنح موسكو نفوذاً قوياً للتأثير في الشؤون الداخلية لطاجيكستان، حيث يحتفظ الكرملين دائماً بالحق في إغلاق حدوده أمام العمال الطاجيك. وكثيراً ما وُجهت تهديدات مبطنة بتنفيذ هذا الاحتمال.
موسكو تقدم نفسها كحامٍ للنظام الطاجيكي
تصوِّر موسكو نفسها على أنها الشريك الذي لا غنى عنه من نواحٍ أخرى.
وتعد القاعدة العسكرية الروسية رقم 201 في طاجيكستان، أكبر قاعدة لها في أي مكان خارج حدودها. وتهدف التدريبات العسكرية المشتركة المنتظمة مع القوات الطاجيكية إلى إيصال رسالة، مفادها أنه إذا حدث اندفاع وقررت عناصر خطيرة من الجنوب التدفق عبر الحدود، فإنَّ القوات الروسية ستعيقهم.
ومع ذلك، أدت الأحداث في أوكرانيا إلى توتر خطير في هذه الرواية. فقد أثبت الجيش الروسي القوي أنه نمر من ورق وعرضة للاعتماد على الفظائع عند قتال خصوم متحركين وذوي دوافع عالية، حسب تقرير الموقع الأمريكي.
بوتين يريد من رحمون التطبيع مع طالبان
في غضون ذلك، تتجه روسيا ببطء نحو منح نظام طالبان شيئاً أقرب إلى الاعتراف به. طاجيكستان هي أقوى معقل ضد طالبان من بين حلفاء روسيا المقربين في آسيا الوسطى، وانتقدت بشدةٍ عداء طالبان المتصوَّر لمجموعات الأقليات العرقية، وعلى الأخص الطاجيك (الذين ينتمي إليهم بشكل كبير، المجموعة التي كانت مسيطرة على حكم أفغانستان الأول وأغلبهم من أتباع قائد التحالف الشمالي الراحل أحمد شاه مسعود).
وحاول بوتين طمأنة رحمون على هذه الجبهة، من خلال تأكيد أنَّ أي حوار مع حكومة طالبان سيتطلب منها الاعتراف بالتنوع العرقي في أفغانستان.
وقال بوتين: "نحاول بناء علاقات مع القوى السياسية التي تسيطر على الوضع. ونعمل من منطلق أنَّ جميع المجموعات العرقية في أفغانستان، كما قيل بالفعل، يجب أن تشارك كما يجب في إدارة البلاد"، حسبما ورد في تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية.
بينما الرئيس الطاجيكي يريد توريث السلطة لابنه
ومع ذلك، قد يكون الاستقرار الأمني والاقتصادي مصدر قلق ثانوياً لنظام رحمون.
يعتقد العديد من المراقبين أنَّ أولوية الرئيس الطاجيكي، البالغ من العمر 69 عاماً، هي رؤية عائلته الكليبتوقراطية تحتفظ بالسلطة، والثروة التي تأتي معها، وأن يحدث هذا عن طريق تولية ابنه رستم إيمومالي، البالغ من العمر 34 عاماً، مقاليد الحكم.
اقتربت هذه العملية من الاكتمال في أبريل/نيسان 2020، عندما انتُخِب إيمومالي رئيساً لمجلس الشيوخ في البرلمان؛ مما جعله بالواقع في مركز الصدارة لتولي مهام والده، الذي يدير البلاد منذ أوائل التسعينيات. وعند توليه هذا المنصب، أزاح محمد سعيد عبيد اللهوف، المساعد المخضرم لرحمون المعروف منذ فترة طويلة بأنه المفضل لدى الحكومة الروسية.
كانت هناك تكهنات بأنَّ إيمومالي قد يخوض انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2020، لكن هذه الفكرة تلاشت عندما أكد والده أنه سيترشح مرة أخرى للرئاسة.
ومن المعتقدات السائدة على نطاق واسع، أنَّ أي تسليم للسلطة سيحتاج، في أي حال، إلى مباركة الكرملين. وإذا منح بوتين تلك الموافقة المطلوبة، فقد يكون التغيير في طاجيكستان وشيكاً وقد يصبح المنطق وراء هذه الرحلة الهادئة أوضح.