جاء إعلان روسيا عن سيطرتها على مقاطعة لوهانسك الأوكرانية بعد استيلاء قواتها على مدينة ليسيتشانسك ليشكل نكسة كبيرة لكييف في ظل الأهمية البالغة لهذه المدينة استراتيجياً، كما أثار سقوط ليسيتشانسك تساؤلات حول المسار القادم للحرب وسط قلق أمريكي حول قدرة أوكرانيا على الصمود أمام الهجوم الروسي.
وأبلغ وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن القوات الروسية والانفصاليين الموالين للكرملين في جمهورية لوهانسك الشعبية المعلنة من جانب واحد "فرضوا سيطرة كاملة" على ليسيتشانسك "وعدد من المستوطنات المجاورة"، واصفاً دخول المدينة بأنه تحرير لها.
لوهانسك أصبحت في يد بوتين
قلل وزير الدفاع الأوكراني، ألكسي ريزنيكوف، الأحد، من الإعلان الروسي، قائلاً إنه "من المستحيل القول إن ليسيتشانسك تحت السيطرة الروسية"، مؤكداً "استمرار القتال في ضواحي المدينة التي أعلنت موسكو في وقت سابق السيطرة عليها".
ولكن هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني، اليوم الأحد، قالت إن قواتها الأوكرانية أجبرت على الانسحاب من ليسيتشانسك، آخر معقل لها في منطقة لوهانسك، بعد خوض معركة شرسة.
وفي عام 2014، أسس الانفصاليون الموالون لموسكو في منطقة الدونباس المتاخمة لروسيا جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك الشعبيتين في الإقليمين الأوكرانيين اللذين يحملان ذات الاسم، وكانت الجمهوريتان اللتان لم يعترف بهما أحد سوى روسيا تسيطران على نحو ثلث الإقليمين فقط، ولكن أصبح إقليم لوهانسك خاضعاً لروسيا وحلفائها، إضافة إلى مساحة كبيرة من دونيتسك.
وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مزاعم بارتكاب "إبادة جماعية" أوكرانية ضد السكان الناطقين بالروسية في مقاطعتي لوهانسك ودونتيسك، كمبرر لغزوه لأوكرانيا.
معركة ليسيتشانسك قد تصبح نقطة تحول رئيسية في الحرب
وتمثل هذه المعركة نقطة تحول محتملة في الحرب، حسب وصف صحيفة The Washington Post الأمريكية، حيث كانت تعد المدينة هدفاً رئيسياً في معركة روسيا للاستيلاء على منطقة دونباس.
إذ تضيف المعركة وما سبقها من معارك أخيرة خسرها الأوكرانيون، مزيداً من الشكوك الزاحفة بين المشرعين والمراقبين الأمريكيين بشأن قدرة الجيش الأوكراني على منع بوتين من الاستيلاء على مزيد من أراضيها، وهزيمة الروس في الميدان، كما كان المسؤولون الأمريكيون والأوكرانيون يقولون.
إذ تلاشى التفاؤل الذي أشعله تعثر القوات الروسية في بداية الحرب فيما سماه الأوكرانيون والغرب معركة كييف في الربيع.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي إن دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا لا يتزعزع وسيستمر "طالما استغرق الأمر" لضمان هزيمة روسيا، فيما سبق أن قال وزير دفاعه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن هدف واشنطن من الحرب الأوكرانية، هو إضعاف روسيا لدرجة تجعلها غير قادرة على تنفيذ أي هجوم مماثل على دولة أوروبية أخرى.
وجاء تفسير الجيش الأوكراني لقرار الانسحاب، ليعزز من الشكوك بأن ميزان الحرب يختل لصالح أوكرانيا، إذ برر الانسحاب بأن البقاء في المدينة سيؤدي إلى "عواقب وخيمة"، بالنظر إلى "التفوق الساحق للقوات الروسية في المدفعية والطيران والذخيرة والأفراد".
الجيش الأوكراني عزا القرار إلى رغبته في "إنقاذ حياة المدافعين الأوكرانيين"، بحسب بيان نُشر على فيسبوك، قال: "نواصل القتال. لسوء الحظ، قوة الإرادة الفولاذية والوطنية ليستا كافيتين لتحقيق النجاح، فنحن بحاجة إلى الموارد التقنية".
وقال متحدث عسكري أوكراني: "بالنسبة للأوكرانيين، تعتبر قيمة الحياة البشرية أولوية قصوى، لذلك قد نتراجع أحياناً عن مناطق معينة حتى نتمكن من استعادتها في المستقبل".
في خطابه التلفزيوني المسائي يوم السبت، حث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأوكرانيين على الحفاظ على عزيمتهم وإلحاق الخسائر بـ"المعتدي، حتى يتذكر كل روسي أنه لا يمكن كسر أوكرانيا".
وقال: "إن الحرب لم تنتهِ بعد". "لسوء الحظ، تزداد حدة الوضع في أماكن مختلفة، ويجب ألا ننسى ذلك".
الآن الروس أصبحوا قادرين أكثر على الاستيلاء على مقاطعة دونيتسك
وارتفعت الأعلام السوفييتية الحمراء في مدينة ليسيتشانسك الأوكرانية، التي يمنح الاستيلاء عليها لروسيا انتصاراً رئيسياً في سعيها للاستيلاء على منطقة دونباس بأكملها في شرق أوكرانيا.
كانت القوات الروسية قد استولت الشهر الماضي على سيفيرودونتسك وهي المدينة الشقيقة لليسيتشانسك بعد بعض من أعنف المعارك في الحرب.
استيلاء القوات الروسية على ليسيتشانسك بمقاطعة لوهانسك، سيسهل عملية وصولها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة كييف من مقاطعة دونيتسك، المنطقة الأخرى التي تشكل إقليم دونباس ذي الأغلبية الناطقة بالروسية.
تعني السيطرة على سيفيرودونتسك وليسيتشانسك أن روسيا يمكن أن تضع قواتها لشن هجمات على مدن في الجنوب الغربي، ولا سيما سلوفيناسك وكارماتورسك وباخموت.
السيطرة على دونباس هي الهدف الأساسي للعملية العسكرية لموسكو في أوكرانيا، بعد أن فشلت القوات الروسية في الاستيلاء على العاصمة كييف ومناطق أخرى في الأسابيع الأولى من الحرب.
ولكن الآن، تحقق القوات الروسية وحلفاؤها مكاسب مطردة في الشرق، حيث يقول المسؤولون في كييف إنهم يتفوقون في قوة وعدد الأسلحة وإن الذخيرة تنفد من الجيش الأوكراني.
وبينما يقول مسؤولو إدارة بايدن إن مكاسب بوتين كانت متفاوتة وجاءت بتكلفة كبيرة، حيث يسلطوت الضوء على عدد القتلى الفادح بين القوات الروسية، لكن القوات الأوكرانية تدفع أيضاً ثمناً باهظاً نادراً ما يعترف به المسؤولون العسكريون الأمريكيون، حسب وصف صحيفة The Washington Post.
قالت سيرهي هايداي، حاكم منطقة لوهانسك، إن المقاتلين الروس استخدموا تكتيكات أكثر وحشية من هجوم سيفيرودونتسك للتغلب على المقاومة هناك. وأظهرت صور المباني السكنية تعرضها للقصف في ليسيتشانسك في ساعة مبكرة من صباح الأحد، وسط وابل مما يذكرنا بتدمير سيفيرودونتسك.
وتعرضت سلوفيانسك، وهي بلدة تقع على بعد حوالي 50 ميلاً إلى الغرب في دونيتسك، لقصف مكثف أدى إلى مقتل ستة أشخاص على الأقل، حسب مسؤولين أوكرانيين محليين.
والآن هم يسيطرون على معظم إقليم دونباس
ويشكل إقليم دونباس حوالي 9% من أراضي أوكرانيا ولكنه يحمل أهمية بالنسبة للصناعة الأوكرانية حيث يحتوي على مصانع كبيرة ومناجم ضخمة للفحم، إضافة إلى موقعه، الأمر الذي يجعله ورقة مساومة قوية في يد موسكو، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ويقع نهر دونباس على حدود روسيا ويمتد من خارج ماريوبول في الجنوب إلى الحدود الشمالية بالقرب من خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا.
وإضافة لكونه موطن لمناجم الفحم والصلب، كان ما يقدر بنحو 6.2 مليون شخص يعيشون في المنطقة قبل الغزو الروسي، وفقاً لأحدث بيانات التعداد السكاني.
في عام 2014، استولت القوات الموالية لروسيا على أكثر من ثلث دونباس، الآن تسيطر القوات الروسية وحلفاؤها الانفصاليون على حوالي 80 إلى 90% من دونباس، وفقاً لمسؤولين أوكرانيين.
وتسيطر روسيا بشكل فعال على كل منطقة لوهانسك الغنية بالموارد ويمكنها إعادة التجمع للتوجه لدونيتسك عبر خطوط القتال المتقاطعة.
كراماتورسك هي واحدة من آخر المدن الكبرى التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية في دونيتسك، إذا سقطت كراماتورسك، فإن القوات الروسية ستسيطر فعلياً على منطقة دونباس بأكملها.
هذا أمر بالغ الأهمية من وجهة نظر عسكرية ورمزية، حيث يمكن لبوتين أن يعلن ساعتها عن انتصار عسكري ملموس أمام شعبه، وأن يستخدم المنطقة كوسيلة ضغط في أي مفاوضات سلام مستقبلية مع أوكرانيا أو قد يضمها لروسيا، فيحقق هدفه في أن يقتدي ببطرس الأكبر مؤسس روسيا الحديثة الذي ضم ساحل البلاد الحالي على بحر البلطيق وأسس سان بطرسبرغ ثاني أكبر مدن البلاد، كما قال بوتين نفسه في حديث له مؤخراً.
هل تدفع أوكرانيا ثمن انسياق رئيسها وراء الحلم الأمريكي؟
سيؤدي احتلال دونباس بالكامل أيضاً إلى توسيع "الجسر البري" لموسكو الذي يربط الأراضي الروسية بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014.
بعد سيطرة روسيا على لوهانسك ومع تزايد احتمال سيطرة على مقاطعة دونتيسك بالكامل، فإن بوتين قد يعلن وقفاً لإطلاق النار، فإذا وافقت عليه كييف، فهذا يعني أنها كرست الاحتلال الروسي، وأما إذا واصلت القتال، فإنها ستعطي مبرراً أكبر لبوتين لتوجيه ضربات أكثر شراسة لقلب أوكرانيا، بعدما انحصرت المعارك نسبياً مؤخراً في الدونباس.
تثير تطورات المعارك في لوهانسك تساؤلات جدية بدأت تسري في الغرب حتى لو بين السطور، حول ما إذا ما كان يجب على أوكرانيا العمل على التركيز على المفاوضات بعد تراجع الروس عن هجومهم على كييف، حيث كان الأوكرانيون في وضع أفضل، ولكنهم فضلوا بتشجيع من الولايات المتحدة العمل على هزيمة روسيا في أرض المعركة، وهو احتمال يبدو بعيد المنال الآن رغم استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية.