ما حقيقة حلف "الناتو الآسيوي" الذي تقول كوريا الشمالية إن أمريكا تسعى لتأسيسه في منطقة الشرق الأقصى، بالتعاون مع كوريا الجنوبية واليابان، ومن هو العدو المفترض لهذا الحلف، بيونغ يانغ فقط أم أنه يستهدف الصين وروسيا أيضاً.
وهاجمت كوريا الشمالية بشدة الجهود الأمريكية لتسوية الخلافات بين حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية، وتحقيق تقارب بينهما، والتي أدت إلى عقد قمة بين قادة واشنطن، وطوكيو، وسيول على هامش اجتماعات حلف الناتو لتصبح أول لقاء يجمع بين قيادتي اليابان وكوريا الجنوبية منذ عام 2019.
وقارنت وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية تحالفات أمريكا في آسيا بحلف الناتو وأطلقت عليه اسم "الناتو الآسيوي"، حسبما ورد في تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الرسمية يوم الأربعاء، 29 يونيو/حزيران، ، إن "الولايات المتحدة حريصة على التعاون العسكري مع عملائها، في تجاهل للمطلب الأمني الأساسي وقلق دول آسيا والمحيط الهادئ".
وانتقد تقرير وكالة الأنباء المركزية الكورية التحالف، ووصفه بأنه "مدفوع بتملُّق اليابان وكوريا الجنوبية للولايات المتحدة"، واصفةً إياه بأنه "مقدمة خطيرة لإنشاء نسخة آسيوية من الناتو". واستمر البيان في انتقاد الناتو ووصفه بأنه "ليس أكثر من خادم لتحقيق إستراتيجية الهيمنة الأمريكية وأداة للعدوان المحلي".
حقيقة حلف الناتو الآسيوي
اليابان وكوريا الجنوبية ليستا عضوين في الناتو، لكن قادتهما حضرا قمة الناتو "كمراقبين". وفقاً لمجلة Time الأمريكية، تُعد هذه "علامةً أخرى على أن حليفي أمريكا الآسيويين يتعاونان مع الدول الغربية لمواجهة التحدي الروسي وترسيخ بكين لمكانتها العالمية المتزايدة".
وقال رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا: "باعتبارها الدولة الآسيوية الوحيدة في مجموعة السبع، فإن القدرات الدبلوماسية اليابانية توضع قيد الاختبار".
كانت هناك منظمة من حقبة الحرب الباردة تسمى منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا (سياتو)، والتي أُنشئت في الخمسينيات من القرن الماضي. وشملت في الغالب دولاً من خارج المنطقة لها مصلحة هناك، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا. ومع ذلك، تم حلَّ منظمة سياتو عام 1977، وحلَّت محلها منذ ذلك الحين رابطة دول جنوب شرق آسيا.
لا توجد نسخة آسيوية من الناتو، ولا يبدو أن هناك أي خطط لإنشاء مثل تلك النسخة، حسب التقارير الغربية، ولكن التقارب الذي تحاول أمريكا تحقيقه بين اليابان وكوريا الجنوبية، يثير تساؤلات حول حقيقة أهداف واشنطن، وهل تصل إلى تشكيل الناتو الآسيوي، والأهم هل هذا تحالف يستهدف التصدي للتهديدات القادمة من كوريا الشمالية كما تقول البلدان الثلاثة، أم أن الهدف احتواء صعود الصين.
وأسست الولايات تحالف"كواد" بمعنى الرباعية في آسيا لمواجهة الصين، والأطراف الأربعة التي يضمها هي الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، وفي أواخر عام 2017 تم إحياء الحوار غير الرسمي بين الحلفاء الأربعة لأول مرةٍ بعد انقطاعٍ دام لحوالي عقدٍ كامل.
وصحيحٌ أن تحالف كواد لم يذكر قط الصين صراحةً، ولكن الأمر واضح، ولا يحتاج نية الرباعي لاحتواء الصين إلى مزيد من التفسير، ففي سبتمبر/أيلول الماضي، عندما التقى قادة الدول الأربعة وجهاً لوجه في واشنطن، التزموا بـ"تعزيز النظام الحر المنفتح المستند إلى القواعد، والمتجذر في القانون الدولي غير الآبه بالإكراه"، وهو توبيخ واضح لسلوك الصين في المنطقة.
التدريبات العسكرية أكثر ما يُغضب كوريا الشمالية
في وقت سابق من يونيو/حزيران 2022، وافق رؤساء دفاع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان على استئناف تدريبات التحذير والتتبع الصاروخية المشتركة، كجزء من جهودهم للتعامل مع اختبارات الأسلحة المتصاعدة لكوريا الشمالية.
وردت بيونغ يانغ بغضب على خطط الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية لإجراء تمرين مشترك للكشف عن الصواريخ وتتبع الصواريخ بالقرب من هاواي في أغسطس/آب القادم.
وترى كوريا الشمالية في المناورات العسكرية المشتركة بين القوات الأمريكية والكورية الجنوبية، باعتبارها تدريبات على غزو محتمل يستهدفها، وتؤكد أن قيامها بتطوير أسلحة نووية وصواريخ يأتي رداً على ذلك.
وقالت وزارة الخارجية الكورية الشمالية في نهاية الأسبوع إن استئناف التدريبات الأمريكية واليابانية والكورية الجنوبية كشف النفاق وراء دعوات واشنطن للعودة إلى المفاوضات النووية دون شروط مسبقة، بعد ثلاث سنوات من المحادثات بين دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، انتهى ذلك بالفشل.
وأضافت وزارة الخارجية أن التدريبات "كشفت مرة أخرى أنه لا يوجد تغيير في طموح الولايات المتحدة لقلب نظامنا بالقوة".
الهدف الصين وروسيا أيضاً
ومن وجهة نظر كوريا الشمالية فإن قمة الناتو الأخيرة تثبت وجود خطة أمريكية مزعومة لاحتواء روسيا والصين من خلال تحقيق "عسكرة أوروبا" وتشكيل تحالف شبيه بحلف شمال الأطلسي في آسيا.
وقالت إن "التحركات العسكرية المتهورة للولايات المتحدة والقوات التابعة لها" يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة مثل الحرب النووية التي تحدث في وقت واحد في كل من أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ.
وأجرت كوريا الشمالية 31 تجربة صاروخاً باليستياً، مما يشكل رقماً قياسياً هذا العام، بما في ذلك تجربة شملت أكبر صاروخ باليستي عابر للقارات حتى الآن. تتزايد التكهنات بأن النظام يستعد لاختبار سلاح نووي لأول مرة منذ عام 2017.
ويعتقد بعض المحللين أن بيونغ يانغ قد تستخدم تجربة نووية؛ لتزعم أنها اكتسبت القدرة على بناء رؤوس حربية نووية صغيرة بما يكفي لتوضع على صواريخ قصيرة المدى قادرة على ضرب اليابان وكوريا الجنوبية.
القمة الثلاثية تريد التصدي لبرنامج كوريا الشمالية الصاروخي
وخلال قمتهم التي عُقدت الأربعاء الماضي، أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعماء كوريا الجنوبية واليابان عن مخاوف جديدة بشأن التهديد النووي الكوري الشمالي خلال اجتماعهم على هامش قمة الناتو في مدريد.
كانت القمة التي عقدت على هامش اجتماعات الناتو، هذا أول لقاء مباشر بين كبار قادة كوريا الجنوبية واليابان منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، ومنذ ذلك الحين، تراجعت العلاقات بسبب الخلافات المستمرة المتعلقة باحتلال اليابان الوحشي لكوريا في الفترة من 1910 إلى 1945.
وجاء عقد هذه القمة ليمثل تغييراً كبيراً في العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، بعد تولي رئيس جديد لكوريا الحكم، ما أعطى زخماً جديداً نحو تحسين العلاقات الثنائية المتوترة بين طوكيو وسيول.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن التعاون الثلاثي "ضروري" لتحقيق "الهدف المشترك" المتمثل في إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية وفتح منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو مفهوم يُنظر إليه على أنه مصمم لمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد.
وقال بيان لاحق للبيت الأبيض حول الاجتماع: إن بايدن "أكد التزام الولايات المتحدة الراسخ بالدفاع" عن كل من اليابان وكوريا الجنوبية.
وقال رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، إنه "يشعر بقلق عميق إزاء احتمال قيام كوريا الشمالية بمزيد من الاستفزازات، بما في ذلك التجارب النووية. من خلال هذا الاجتماع، آمل أن يتم تعزيز التعاون الثلاثي فيما يتعلق باستجابتنا لكوريا الشمالية".
كما أعرب رئيس الوزراء الياباني عن أمله في أنه في حالة إجراء تجربة نووية، فإن الرد سيكون على المستوى الثلاثي، بما في ذلك التدريبات المشتركة.
وقال رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، إن استفزازات كوريا الشمالية يجب أن تقابل "بردٍّ قوي"، لكن يجب على الدول الثلاث أيضاً أن تتعاون عن كثب حتى تتمكن بيونغ يانغ من العودة إلى الحوار الهادف إلى نزع السلاح النووي، وفقاً لحكومة كوريا الجنوبية.
واشنطن تسعى لحل الخلافات التاريخية بين اليابان وكوريا الجنوبية
تعد كل من كوريا الجنوبية واليابان حليفين رئيسيين للولايات المتحدة، لكنهما غالباً ما يكونان متشككين في بعضهما البعض. وقد شكلت الخلافات المتعلقة النزاعات التاريخية بين البلدين تحدياً كبيراً للتعاون الثلاثي في قضايا مثل التعامل مع كوريا الشمالية أو الصين.
ولكن رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، الذي ينتمي للتيار المحافظ وتولى منصبه الشهر الماضي، وعد بتعاون أكبر مع اليابان في قضايا مثل كوريا الشمالية التي سرعت من تطوير أسلحتها النووية.
وقال يون لكيشيدا خلال القمة الثلاثية إنه يعتزم "حل القضايا العالقة بين كوريا واليابان في أقرب وقت ممكن"، حتى يتمكن البلدان من "المضي قدماً بطريقة موجهة نحو المستقبل"، كما قال مسؤولون في سيول.
ونقلت وكالة كيودو اليابانية للأنباء عن كيشيدا قوله إنه يأمل في أن يعيد الرئيس الكوري الجنوبي العلاقات إلى "حالة صحية".
وشجعت واشنطن مراراً سيول وطوكيو على تسوية خلافاتهما في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية وزيادة النشاط العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي والشرقي.
تحالف دون إطار رسمي
وتريد سيول تريد "تطبيع" اتفاقية ثنائية لتبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية مع اليابان تُعرف باسم GSOMIA في أقرب وقت ممكن، حسبما قال وزير خارجية كوريا الجنوبية بارك جين.
كان أجل هذا الاتفاق على وشك الانتهاء خلال إدارة الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي إن.
ومن الواضح أن البلدين يتجهان تحت ضغط أمريكي للتنسيق بشكل غير مسبوق في المجال العسكري مع بعضهما البعض، إضافة إلى شراكتهما العسكرية الوثيقة مع واشنطن، والتي تفوق حتى شراكة أمريكا مع بعض دول الناتو، ما يجعل حديث كوريا الشمالية عن الناتو ليس مجرد هراء، كما تحاول وسائل الإعلام الغربية واليابانية أن تصوره.
كما أن هذا التحالف الثلاثي بين واشنطن وطوكيو وسيول، لا يبدو أنه يستهدف كوريا الشمالية فقط، ولكنه أيضاً وسيلة للتصدي لتصاعد النفوذ الصيني، الذي أصبح يمثل الهاجس الأمني الأول للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة عندما يوضع في الاعتبار تحالف كواد.