يعتبر حليب الثدي مصدراً مثالياً لتغذية الأطفال في أول سنتين، وله العديد من الفوائد لنمو أدمغتهم وجهاز المناعة والجهاز الهضمي. ويعتبر حليب الأم خياراً طبيعياً آمناً لتغذية الطفل.
لكن العديد من الأمهات قد لا يستطعن إرضاع أطفالهن لأسباب صحية، أو يخترن ذلك لأسباب شخصية. وبذلك يلجأن للحليب الصناعي الموجود في الأسواق.
وعلى الرغم من كثرة الأنواع المتوفرة في الأسواق لشركات كبيرة ومعروفة، محلياً وعالمياً، فإنه معرض للتلوث بالمواد الكيميائية السامة أو البكتيريا أو المعادن الثقيلة التي قد تكون ضارة، مما أدى إلى مخاوف كبيرة من بعض الأنواع وسحبها في السنوات الأخيرة.
لكن ماذا يوجد حقاً في الأطعمة الأولى التي يستهلكها أطفالنا؟ من المكونات الأكثر فائدة إلى المكونات المخفية، أو غير المرغوب فيها، أو حتى السامة، تعرَّفوا معنا في هذا التقرير.
حليب الثدي يتغيَّر خلال يوم
يعتبر حليب الأم الخيار الأفضل لطعام الطفل الأول، وتوصي منظمة الصحة العالمية بضرورة إرضاع الأطفال من الثدي حصرياً خلال الأشهر الستة الأولى من العمر.
يتكون حليب الأم بشكل أساسي من الماء والدهون والبروتين، وكذلك الفيتامينات والمعادن والإنزيمات الهاضمة والهرمونات. كما أنه غني بالأجسام المضادة، وله خصائص مضادة للعدوى.
لكن إحدى الحقائق المثيرة وغير المعروفة عن حليب الأم، هي أنه أيضاً غذاء ديناميكي وطبيعته تتغير، فهو أكثر دهوناً في فترة ما بعد الظهر والمساء منه في الصباح، على سبيل المثال.
كما أنه يختلف أثناء الرضعة الواحدة، إذ عندما يلتقم الطفل الثدي بفمه، فإن أول تدفق للحليب، يكون رقيقاً وغنياً باللاكتوز، ما يجعله يروي العطش ويسهل شربه.
لكن الحليب الذي يأتي بعد ذلك يكون أكثر دسامة وكثافة، ما يجعله أكثر إشباعاً. هذا الجانب الديناميكي هو أحد أسباب صعوبة استنساخ حليب الثدي، على الرغم من التقدم الكبير في جودة حليب الأطفال الصناعي.
لكن وفقاً لدراسة قامت بها جامعة لندن البريطانية عام 2020، هناك ايضاً مكونات غير مغذية في حليب الثدي، مثل الهرمونات والخلايا الجذعية ومواد وراثية، تمنح الحليب خصائص فريدة تختلف من أُم لأخرى.
لا يزال الباحثون غير قادرين على تحديد دور هذه المكونات، ولكنهم يفترضون أن هذه المكونات هي المسؤولة عن الجانب النفسي والعاطفي والإدراكي بدءاً من الرضاعة.
فمن المحتمل أن هذه المواد تسمح للأم بنقل المعلومات إلى الرضيع عنها وعن البيئة من حوله، ولهذا السبب توصف الرضاعة الطبيعية أحياناً بأنها" تغذية شخصية" وليست فقط طريقة تغذية.
لماذا قد تتوقف الأمهات عن الرضاعة الطبيعية بشكل كامل أو جزئي؟
في حين أن الكثير من الأطفال يرضعون من الثدي في بداية حياتهم، لكن هذا المعدل ينخفض بعد عمر ستة أشهر. ويقل أكثر بكثير عند بلوغ العام الأول.
قد لا تتمكن بعض النساء من الرضاعة الطبيعية أو يخترن عدم القيام بذلك، وقد تختار بعض الأمهات الرضاعة جزئياً، بالاستعانة بالحليب الصناعي.
وتتأثر مدة إرضاع الأم لطفلها بعدة عوامل منها:
- مشاكل في طريقة الإرضاع والتقام الثدي.
- مخاوف بشأن تغذية الرضع ووزنهم تلجأ الأم بسببها للحليب الصناعي.
- قلق الأم من تناول الأدوية أثناء الرضاعة الطبيعية.
- سياسات العمل غير الداعمة لفترة الأمومة، ونقص الإجازة الوالدية.
- انعدام الدعم الأسري.
- ممارسات وسياسات المستشفى غير الداعمة، التي قد تجبر الأم أو تشجعها على استخدام الحليب الصناعي.
في حال قررت الأم عدم إرضاع الطفل كلياً أو جزئياً، فإن البديل الآمن الوحيد إذا لم يرضع الطفل رضاعة طبيعية بشكل كامل، خاصة تحت عمر السنة، هو حليب الأطفال المصمم لتلبية الاحتياجات الغذائية للرضع ودعم النمو والتطور الطبيعي. وهنا تكمن صعوبة إيجاد خيارات مناسبة ومغذية وخالية من المواد الضارة.
بداية تصنيع الحليب الصناعي
لقد قطع تصنيع حليب الأطفال شوطاً طويلاً خلال العقود الأخيرة. خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لم تكن الرضاعة الصناعية خياراً آمناً. وفي دور الأيتام خلال أوائل القرن العشرين، مات ما يصل إلى 80٪ من الأطفال الذين يرضعون صناعياً خلال السنة الأولى من العمر بسبب العدوى من الزجاجات غير المعقمة أو سوء التغذية.
ومنذ أن تم إنتاج حليب الأطفال تجارياً لأول مرة عام 1865 باستخدام أربعة مكونات رئيسية فقط: حليب الأبقار، والقمح، ودقيق الشعير، وبيكربونات البوتاسيوم، تم تنقيح محتوياته الغذائية بطرق كثيرة.
إذن ماذا يوجد في الحليب الصناعي اليوم؟
الدهون والأحماض الدهنية: غالباً ما تستخدم مصادر الدهون المتعددة في الحليب الصناعي، بما في ذلك حليب الأبقار أو الماعز، وغالباً ما يكون منزوع الدسم، وهو ليس دهنياً مثل حليب الثدي. بالإضافة إلى الزيوت النباتية مثل النخيل أو عباد الشمس أو بذور اللفت، وكذلك الأحماض الدهنية.
أحد الأحماض الدهنية يسمى DHA (حمض الدوكوساهيكسانويك، وهو نوع من دهون أوميغا 3) ، والذي يلعب دوراً مهماً في نمو الرضع، وأصبح الآن مكوناً إلزامياً في الاتحاد الأوروبي.
الكربوهيدرات: الكربوهيدرات الأساسية في حليب الثدي هي اللاكتوز، أما في الحليب الصناعي، فتضاف عادة مادة مالتوديكسترين (كربوهيدرات مشتقة من الذرة أو البطاطس). وتتمثل إحدى مشكلات هذه الإضافة في أنها يمكن أن تزيد من خطر تسوس الأسنان عند الرضع عند ظهور أسنانهم.
البروتين: بروتينات حليب الثدي الرئيسية هي مصل اللبن والكازين، والتي تتغير بالتناسب مع نمو الطفل، بالإضافة إلى اللاكتوفيرين الذي يوجد بتركيزات أعلى في اللبأ، وهو الحليب الأول الذي تنتجه الأم بعد الولادة مباشرة.
تختلف كمية البروتين وتكوينه في الصيغ التي تعتمد على حليب الأبقار والماعز، والتي تحتوي على نسبة أعلى من الكازين إلى مصل اللبن مقارنة بحليب الأم. والتي تصنع غالباً من بروتين الصويا.
معادن وفيتامينات: تحتوي الصيغة أيضاً على مزيج من الفيتامينات (بما في ذلك A و D و B و K) والمعادن مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والزنك والعديد من العناصر النزرة الأخرى.
لكن لسوء الحظ، يمكن أن تحتوي التركيبة أيضاً على مكونات كامنة وغير آمنة تماماً.
معادن ثقيلة قد تكون مخبأة في حليب الأطفال الصناعي
في عام 2017، وجد مشروع Clean Label، وهو مؤسسة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة تختبر المنتجات بحثاً عن المواد السامة مثل مبيدات الآفات والمعادن الثقيلة، أن ما يقرب من 80٪ إلى 86 عينة من حليب الأطفال أثبتت وجود الزرنيخ فيها.
واكتشفت أيضاً أن التركيبات التي تحتوي على فول الصويا تحتوي على الكادميوم، وهو معدن مسرطن موجود في البطاريات، أكثر بسبع مرات مقارنة بأنواع أخرى.
بعد ذلك بعامين، نشر باحثون من المشروع نفسه، وقسم علم الأعصاب في جامعة ميامي دراسة حول محتوى المعادن الثقيلة في 91 من التركيبات الخاصة بالرضع.
ووجدوا أن 22٪ من عينات حليب الأطفال التي تم اختبارها تجاوزت حد التعرض للرصاص الذي حدده قانون ولاية كاليفورنيا، بينما تجاوز 23٪ حد التعرض للكادميوم.
وخلصت الدراسة إلى أن "تلوث المعادن الثقيلة منخفض المستوى منتشر" في أغذية الأطفال والحليب الصناعي، وأن "هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم الآثار الصحية طويلة المدى لهذا التعرض اليومي المنخفض المستوى للمعادن الثقيلة عند الأطفال".
ومع ذلك، تصر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على أنها تراقب بشكل روتيني أغذية الأطفال بحثاً عن العناصر السامة، وأنها تتخذ الإجراءات اللازمة إذا كانت تمثل مشكلة صحية.
وتقول إنها تعمل مع شركات الأغذية في محاولة لتقليل مستويات المعادن الثقيلة والمواد السامة الأخرى في أغذية الأطفال إلى أدنى مستوى ممكن. لكن تقريراً صدر مؤخراً عام 2021 عن لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب الأمريكي، انتقد إدارة الغذاء والدواء وشركات الأغذية لعدم القيام بما يكفي.
وجاء الرد بأن المستويات الموجودة هي ضمن الحدود الآمنة التي لا تشكل خطراً، وأن هذه المعادن موجودة بشكل طبيعي في البيئة، ولا يمكن إزالتها تماماً. وفي حال كان ذلك ممكناً فهذا يحتاج أساسيات عالية الجودة والكلفة للإنتاج.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.