عندما تفكر في أساليب الجواسيس والمخربين ربما تتخيل عمليات اغتيال غامضة، أو زرع متفجرات في منشآت حيوية.
لكنك على الأغلب لن تتخيل أن يكون الكسل وتأخر الحافلات عن مواعيدها وتولي الأشخاص غير ذوي الكفاءة المناصب هي إحدى طرق التجسس والتخريب التي استخدمتها الولايات المتحدة لزعزعة استقرار بعض الدول خلال الحرب العالمية الثانية، ولا تزال تستخدمها إلى يومنا هذا.
عام 1942، أثناء الحرب العالمية الثانية، أنشأت الولايات المتحدة "مكتب الخدمات الاستراتيجية"، وهي وكالة استخبارات تهدف إلى جمع المعلومات وتنفيذ بعض العمليات الخاصة والسرية خلف خطوط العدو، وكانت الوكالة أيضاً تعمل لأغراض الدعاية والتأثير على الرأي العام والتخطيط للمعارك.
قرَّر ضباط مكتب الخدمات الاستراتيجية حينها أنهم بحاجة إلى المزيد من القوات والمزيد من التعاون المحلي، لإحداث الاضطرابات في البلدان الأوروبية التي لم تكن متحالفة معها، لذا عملوا على إنشاء جيش من المواطنين الأوروبيين الساخطين على حكوماتهم، وذلك عن طريق إعطاء الأوامر لعملائهم والجواسيس المتعاونين معهم لأداء وظائفهم اليومية بشكل سيئ.
"الدليل الميداني البسيط للتخريب"
أصدر "مكتب الخدمات الاستراتيجية" كتيباً تحت عنوان "الدليل الميداني البسيط للتخريب"، كان هذا الكتيب سرياً حتى 2008، حين رفعت السرية عنه، وكان الكتيب مليئاً بالأفكار البسيطة والمؤثرة للجواسيس والمخربين لجعل الأمور أكثر صعوبة على حكوماتهم.
جاء في مقدمة الكتيب "هناك أعمال بسيطة لا حصر لها يمكن أن يقوم بها المخرب"، من الممكن التدمير باستخدام "ملح، أو مسامير، أو شموع، أو حصى، أو خيوط، أو أي مواد أخرى يُتوقع عادةً امتلاكها".
بحسب الكتيب فإن استخدامات هذه المواد محدودة فقط بخيال المخربين والجواسيس وظروفهم.
يمكن حشر أي قفل بدبوس شعر، أو إسقاط مسمار داخل آلة في مصنع لتعطيلها، ويمكن لأي عامل في مصنع عسكري سكب مجموعة من المواد العادية داخل آلات خط التجميع؛ ما يؤدي إلى إفساد قطع غيار مخصصة لتجهيز أسطول عسكري كامل.
لكن المثير في الكتيب هو تعليمات النوع الثاني من التخريب، والذي له أثر كبير على المجتمع، حيث كانت تلك التعليمات متعلقة بالتصرفات التي تعرقل الحياة اليومية، وتعطل عمل المؤسسات الحكومية والشركات والمصانع وبث الفوضى في المجتمع بأبسط الطرق.
على المديرين إلقاء خطب مطولة وتشكيل لجان لتعطيل حل أي مشكلة
1- إن كنت مديراً، فعند تعيين مهام العمل، تأكد من تخصيص الوظائف المهمة للعمال غير الأكفاء.
2- الإصرار على إنجاز عمل مثالي في منتجات غير مهمة نسبياً، وطلب إعادة عمل تلك المنتجات أو المهام غير المهمة بسبب ومن دون سبب بحجة الحرص على جعلها مثالية.
3- لخفض الروح المعنوية كن لطيفاً مع العمال والموظفين غير الأكفاء، وامنحهم ترقيات غير مستحقة، ولا تنسَ التمييز ضد الأفراد الأكفاء؛ حتى يكرهوا عملهم ويتركوا الوظيفة.
4- عندما يكون هناك عمل أكثر أهمية يتعين القيام به، تَجَاهلْه؛ وبدلاً من ذلك احرص على عقد المؤتمرات من دون مناسبة.
5- مضاعفة الإجراءات والتصاريح في إصدار التعليمات ودفع الرواتب وما إلى ذلك، تأكد من أن 3 أشخاص على الأقل يجب أن يوافقوا على كل شيء قبل إنجاز أي مهمة.
6- قم بإحالة جميع الأمور إلى اللجان "لمزيد من الدراسة والنظر"، وحاول جعل اللجان كبيرة قدر الإمكان، وألا تقل عن 5 أشخاص.
إن كنت موظفاً اعمل بكسل وأَكثِر من الشكوى
1- إن كنت موظفاً اعمل ببطء، وفكِّر في طرق لزيادة عدد الخطوات اللازمة للقيام بعملك، مثلاً استخدم مطرقة خفيفة بدلاً من مطرقة ثقيلة، حاول استخدام مفتاح ربط صغير بدلاً من مفتاح كبير.
2- قم بعملك بشكل سيئ، وألقِ اللوم على الأدوات أو الآلات أو المعدات، وأكثِر الشكوى من أن هذه الأشياء تمنعك من القيام بعملك بشكل صحيح.
3- لا تنقل مهارتك وخبراتك إلى عامل جديد أو أقل مهارة، ولا تساعد زملاءك في إنجاز مهامهم، وتبني موقف غير تعاوني.
تخريب الاجتماعات وتعطيل إصدار القرارات بحجة الحذر
1- أياً كان منصبك عليك الإصرار على فعل كل شيء من خلال "القنوات"، لا تسمح مطلقاً بالاختصارات من أجل الإسراع في اتخاذ القرارات.
2- لا تنس إلقاء الخطب أثناء الاجتماعات، "تحدَّث بشكل متكرر قدر الإمكان وبإسهاب ممل، أوضّح "نقاطك" بالحكايات الطويلة، وروايات التجارب الشخصية.
3- اطرح القضايا غير ذات الصلة بشكل متكرر قدر الإمكان، وشتِّت الموجودين عن الهدف الحقيقي للاجتماع أو المؤتمر.
4- ارجِع إلى المسائل التي تم البت فيها في الاجتماع الأخير، وحاول إعادة فتح مسألة مدى صواب ذلك القرار، واجعل الجميع يشك في صحته.
5- بحجة "الحذر" أظهِر نفسَك على أنك شخص "منطقي"، وحُثّ زملاءك في الاجتماعات على أن يكونوا "منطقيين"، وبحجة تجنُّب التسرع الذي قد يؤدي إلى الإحراج أو الصعوبات في وقت لاحق، عطِّل أي إنجاز حقيقي.
خطوط هواتف مشغولة ومواصلات متأخرة وتخريب عروض الأفلام
1- إذا كنت تعمل مسؤولاً عن اتصالات الهواتف في المكاتب أو حتى الفنادق، قم بتأخير إجراء المكالمات، زوّد العملاء الذين يبحثون عن الأرقام بأرقام خاطئة، واقطع اتصال الأشخاص "عن طريق الخطأ".
2- إن كنت تعمل في مجال النقل العام، سواء القطارات أو الحافلات، اجعل السفرَ غير مريح قدر الإمكان، قم بإصدار تذكرتين لنفس المقعد من أجل إشعال المشاجرات بين الركاب.
3- يمكن لأيٍّ من الجواسيس أن يُفسد فيلماً دعائياً بإحضار كيس من العث إلى المسرح: "خذ الحقيبة معك إلى السينما"، وأطلقها أثناء عرض الفيلم.
عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، تم حل "مكتب الخدمات الاستراتيجية" عام 1945، واستبداله بوكالة الاستخبارات المركزية الـ"CIA"، ووفقاً لوكالة الاستخبارات المركزية نفسها تظل هذه التعليمات قائمة.
وكتب عدد من رجال الأعمال إرشادات تستند إلى دليل التخريب البسيط، وتهدف إلى مساعدة المسؤولين المحبطين على "اكتشاف وتقليل تأثير" أساليب التخريب.وبالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في دول تعاني من ظروف مشابهة لتلك الموجودة في الكتيب، تظل ذات صلة بشكل مدهش "باعتبارها تذكيراً بمدى سهولة تقويض الإنتاجية والنظام".