شهدت الفترة الماضية جدلاً واسعاً في البرلمان المصري حول جدوى استمرار وزارة الهجرة المصرية والعاملين بالخارج، التي ترأسها السفيرة نبيلة مكرم عبيد، أو إلغائها وإعادة دمجها مع وزارة القوى العاملة كما كانت قبل إنشاء وزارة مستقلة عام 2015، أو تضمينها في وزارة الخارجية المصرية، بحكم تشابه الأدوار التي تقوم بها الوزارتان تجاه المصريين المقيمين في الخارج.
الجدل انتهى إلى تمرير ميزانية الوزارة دون تغيير مع إصدار توصية برلمانية للحكومة بضرورة النظر في دمج وزارة الهجرة مع وزارة الخارجية، لكن سبقت الموافقة على الميزانية نقاشات حادة بين أعضاء لجنة الخطة والموازنة حول تقييم فعالية دور الوزارة مقارنة بميزانيتها التي تضخمت من 3 ملايين جنيه مصري فقط حينما كانت قطاعاً من قطاعات وزارة القوى العاملة لتصل إلى 128 مليون جنيه في الميزانية التي تم إقرارها دون نتائج حقيقية تبرر هذا الارتفاع المخيف في التكلفة.
وأوضحت آمال عبد الحميد، عضو لجنة الخطة والموازنة، أن استمرار وزارة الهجرة بمثابة إهدار للمال العام نتيجة توجيه هذه الأموال نحو إطلاق المبادرات والمؤتمرات ومكافآت مالية للجاليات بالخارج لغض الطرف عن مشاكلهم، والتعاقد على برنامج تلفزيوني للوزارة مقابل 3 ملايين جنيه شهرياً على إحدى القنوات لا جدوى منه.
علمت "عربي بوست" من مصادرها في البرلمان المصري أن هناك ما يشبه الرفض الجماعي لاستمرار السفيرة نبيلة مكرم عبيد في منصبها بسبب جملة من المشاكل؛ آخرها تورط ابنها رامي هاني فهيم في قتل اثنين من أصدقائه في أمريكا حيث يقيم ويعمل هناك.
وسبق ذلك تصريح الوزيرة قبل عامين تقريباً، خلال اجتماعها مع أعضاء الجالية المصرية في كندا، حين قالت باللهجة العامية: "مصر بلدنا ملناش بلد غيرها، وأي حد يتكلم عنها بره بالسوء يتقطع". وأشارت بعلامة الذبح وهي تنطق الجملة الأخيرة، ما تسبب في تفجير موجة من السخط على الوزيرة والنظام المصري كله بدعوى أنه نظام دموي لا يعرف سوى تصفية المعارضين له، وأن تصريحات الوزيرة تتضمن تهديداً مباشراً لأفراد الجاليات المصرية في الخارج، إذا انتقدوا الأوضاع في مصر أو شاركوا في فعاليات تناقش سجل حقوق الإنسان في البلاد.
ورغم نفي الوزيرة لتصريحاتها المنشورة بالفيديو، وزعمها أن جماعة الإخوان المسلمين قامت بتحريفها عن سياقها، إلا أنها تورطت مجدداً في تأليب السلطات المصرية على الباحثين المصريين المقيمين في الخارج، حين رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير تصريحات أطلقتها في يوليو/تموز من العام الماضي، حول هؤلاء الباحثين، حذرت فيها من أن الدارسين المصريين بالخارج هم أخطر شريحة من المهاجرين، نتيجة عدة عوامل على رأسها الأفكار المغلوطة التي يتعرضون لها من أصحاب التوجهات المعادية لمصر.
وذكرت المؤسسة في تقرير لها صدر في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي أن خطاب الكراهية والتحريض الذي تمارسه مكرم ضد الدارسين المصريين بالخارج، خاصة أولئك الذين يحملون آراءً نقدية لسياسات الحكومة المصرية، ويعبرون عنها بأي من طرق التعبير المختلفة تحول إلى إستراتيجية يجري العمل على تطبيقها على قدم وساق، مشيرة في تقريرها إلى تعرض الباحثين المصريين من دارسي الماجستير أو الدكتوراه وكذلك الحاصلين على منح تعليمية مختلفة لأشكال متعددة من التضييقات والانتهاكات التي لم تتوقف منذ أكثر من 5 سنوات تقريباً.
الوزيرة لا تحظى بدعم الأجهزة السيادية
مسؤول سابق بجهاز سيادي مصري أكد في اتصال مع "عربي بوست" ضيق الأجهزة السيادية بالفعل من تصرفات الوزيرة، التي لم تقدم ما يشفع للوزارة بالاستمرار، ولا ما يوازي الميزانية الضخمة التي تخصص لها سنوياً، متوقعاً أن يتم إلغاء الوزارة في التشكيل الوزاري المرتقب، ودمجها مع وزارة الخارجية أو القوى العاملة من جديد.
لكنه نفى في الوقت نفسه أن تكون السفيرة نبيلة مكرم مدعومة أو تتمتع بحماية جهاز المخابرات العامة، مشيراً إلى أن هناك من يردد هذا الكلام استناداً على عملها لفترة في القنصلية المصرية في دبي، في الوقت نفسه تقريباً الذي كان يقيم فيه محمد دحلان المسؤول المطرود من حركة فتح في الإمارات، لكن من يرددون هذا الكلام لا يدركون أن دحلان كان مقيماً في أبوظبي ومحسوباً على حاكمها الحالي الشيخ محمد بن زايد وليس على حاكم دبي، كما أن التعاون بين جهازي المخابرات في مصر والإمارات ليس في حاجة لوساطة دحلان أو غيره، وحتى إذا كانت علاقة تعاون أو ثقة نشأت بين السفيرة وبين الأخير فهي ليست مسوغاً كافياً لكي تحظى بدعم المخابرات المصرية إذا لم تكن تدعمها وتثق فيها بالفعل.
لكن المسؤول لم يستبعد أن تكون الوزيرة على علاقة طيبة مع المخابرات العامة، بحكم أن عمل الوزارة يتداخل مع اهتمامات الجهاز الأمني، وهو أمر لا يعيب الطرفين، لكن من المستبعد، وربما من المستحيل عملياً، أن تكون المخابرات تحارب من أجل الإبقاء عليها في منصبها الوزاري، ببساطة لأن أي شخصية تتولى الوزارة سترحب بالتعاون مع الجهاز لصالح خدمة المصالح المصرية.
وعن أسباب ضيق الأجهزة السيادية بالوزيرة قال المسؤول إن أهم الأسباب زلات لسانها المتكررة، التي أوقعت الدولة المصرية بالكامل في مآزق مجانية لم يكن لها أي داعٍ، هذه الزلات أمدت الجهات المعارضة للنظام بفرص بلاتينية وليست ذهبية فقط لتعزيز صورته كنظام دموي يطارد المعارضين له في الخارج مثلما يسجن من هم في الداخل.
ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج لا علاقة له بوزارة الهجرة!
أحد أهم الإنجازات التي يعزوها البعض لوزارة الهجرة هي تنامي تحويلات المصريين بالخارج بشكل لافت منذ إنشاء الوزارة عام 2015؛ حيث ارتفعت التحويلات من 18.3 مليار دولار في عام 2015 إلى 31.5 مليار دولار بنهاية العام الماضي 2021، مع توقعات بزيادة إضافية في العام الحالي خصوصاً بعد بيان البنك المركزي المصري الذي كشف أن التحويلات تجاوزت 3 مليارات دولار خلال شهر مارس/آذار الماضي، لكن باحثاً اقتصادياً بمركز خاص للدراسات في مصر علق على هذا الأمر لـ"عربي بوست" قائلاً إن نسب زيادة التحويلات إلى وزارة الهجرة تزوير واضح، مطالباً من ينسبون ذلك الإنجاز للوزارة أن يقدموا ما لديهم مما قامت به الوزارة من جهد لإقناع المصريين بزيادة تحويلاتهم.
ويفسر الباحث بدوره تلك الزيادة فيقول إن سببها الأساسي هو ارتفاع أعداد المصريين المغتربين في السنوات الأخيرة؛ نتيجة الصعوبات المعيشية المتزايدة في مصر، حيث ارتفعت أعداد المهاجرين بحسب إحصاءات غير رسمية إلى 15 مليون مصري مغترب، وأغلب هؤلاء من أفراد العمالة البسيطة الذين يسافرون بمفردهم تاركين خلفهم أسرهم، وبالتالي يقوم هؤلاء بتحويل أموال شهرية إلى أسرهم في مصر لتدبير احتياجاتهم المعيشية منها.
السبب الثاني من وجهة نظر الباحث هو تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، ثم رفع أسعار الفائدة في البنوك المصرية بشكل متتالي؛ ما شجع العديد من المصريين المقيمين بالخارج على زيادة تحويلاتهم إلى بلدهم الأم طمعاً في الاستفادة من فرق العملة عند التحويل إلى الجنيه المصري، ثم الاستفادة مجدداً من سعر الفائدة المرتفع الذي لا يوجد مثله في دول الخليج التي تمثل تحويلات المصريين المقيمين هناك أكثر من 68% من إجمالي التحويلات، مثلما لا يوجد سعر الفائدة المرتفع في الدول الغربية التي تمثل تحويلات المصريين المقيمين فيها نسبة 28% من إجمالي التحويلات.
وأضاف الباحث قائلاً حتى محاولات الحكومة لاجتذاب التحويلات، سواء عبر إصدار شهادات دولارية للمصريين بالخارج باسم "شهادة بلادي"، أم طرح أراضٍ وشقق للمصريين بالخارج مع تسديد أثمانها بالدولار لم يكن لوزارة الهجرة أي دخل بهما، بينما كان المفترض أن تتولى الوزارة اقتراح هاتين المبادرتين، لكن يبدو أن الوزيرة تكتفي بدور رجل المرور الذي يشير بيده للسيارات حتى تتحرك بعد إضاءة الإشارة الخضراء، دون أن يعي أن السيارات سوف تتحرك بمجرد رؤية الإشارة سواء أشار لها أم لم يشر!
محاولة السادات لامتصاص غضب أقباط المهجر وراء إنشاء وزارة الهجرة
المثير في أمر وزارة الهجرة، التي تأسست لأول مرة في عام 1981، أنها لم تحدد لها أية مهام واضحة مثل باقي الوزارات الأخرى، وإنما تم الاكتفاء بعبارات فضفاضة مثل أن الوزارة هي الجهة المختصة بإدارة ورعاية شؤون المصريين المقيمين خارج الحدود الجغرافية للدولة المصرية فى إطار من التنسيق والتعاون مع الوزارات والهيئات والجهات التي تهتم بالشأن ذاته في ظل رعاية مجلس الوزراء.
وتعتبر الجهة الرئيسية للتواصل مع المصريين بالخارج، فهى وزارة جاءت تلبية لنداءات المصريين بالخارج بهدف تكوين رأي عام وطني يساند القضايا الوطنية والقومية، والاستفادة من خبرات المصريين فى الخارج فى شتى مجالات التنمية، وتدعيم الروابط القومية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بينهم وبين الوطن الأم وبينهم وبين بعضهم، ولكي تضع سياسة شاملة لهجرة المصريين للخارج في ضوء أهداف التنمية القومية وصالح البلاد، وهذه العبارات تحديداً هي التي تصف بها الوزارة دورها وعملها على الموقع الإلكتروني الخاص بها.
محامٍ قبطي وناشط في مجال حقوق الأقباط قال لـ"عربي بوست"، معلقاً على ضبابية دور الوزارة، إن غياب الدور والرؤية أمر طبيعي في وزارة أنشئت في الأساس دون حاجة ضرورية لإنشائها، مشيراً إلى أن الأمر بدأ في آخر أيام الرئيس الراحل أنور السادات باستحداث منصب وزير دولة للهجرة، وهو وزير دون حقيبة كما يعلم الجميع، وكان الهدف من ذلك محاولة لامتصاص غضب أقباط المهجر من تغوُّل التيار الإسلامي داخل مصر، وما كان يتعرض له الأقباط في مختلف محافظات الجمهورية، خصوصاً في محافظات الصعيد من اضطهاد وتهجير دون أي تدخل من الجهات المختصة بالدولة، وهو ما أدى لاندلاع مظاهرات ضد السادات نفسه في أمريكا، قبل أن يكمل الرئيس الراحل إزعاج الأقباط بتنحية البابا شنودة الثالث وتعيين مجلس خماسي لإدارة شؤون الأقباط في مصر.
وأضاف قائلاً إن الوزارة، التي تم تعيين ألبرت برسوم سلامة وزيراً لها، لم تقم بأي دور، سواء للتواصل مع المهاجرين المصريين في الخارج أم حتى في تهدئة أقباط المهجر واستيعابهم في إطار الدولة المصرية الرسمية كما كان السادات يأمل وكذلك مبارك، لهذا تم إلغاء الوزارة عام 1990، وبلغ عدم اهتمام الدولة بها أن قرار الإلغاء الرسمي صدر عام 1996، أي بعد 6 سنوات كاملة، وتم دمجها في وزارة القوى العاملة، لكن أعيد إطلاقها مجدداً عام 2015 كوزارة مستقلة وكاملة بحقيبة وزارية وليست وزارة دولة، بموجب رؤية لدى الدولة بضرورة جذب المصريين المهاجرين نحو النظام القائم، وإبعادهم عن تأثير جماعة الإخوان والموالين لها الذين يتمتعون بوجود قوي ومؤثر خصوصاً في أمريكا وأغلب دول أوروبا الغربية.
حشد المصريين بالخارج
باحث بأحد المراكز الحكومية للدراسات السياسية والاستراتيجية قال في اتصال مع "عربي بوست" إن في غياب تكليفات محددة للوزيرة والاكتفاء بكلام عائم لا يمكن قياس دور الوزارة بشكل محدد، ومن ثم المحاسبة على أدائه من عدمه.
ولفت إلى أن الوزارة تتباهى برعايتها للمصريين المقيمين في الخارج مع أنه ليس من مهامها رعايتهم أو الحفاظ على حقوقهم؛ كون ذلك من المهام الأصيلة لوزارة الخارجية، أما بخصوص المشاكل التعاقدية والعمالية التي تقع لهم فهي مهمة وزارة القوى العاملة والعمال، وبالتالي ليس لوزارة الهجرة أي دور.
وأضاف قائلاً إن الدور الأساسي للوزارة وقت إنشائها هو حشد دعم المصريين بالخارج للرئيس عبد الفتاح السيسي، في مواجهة عمليات الحشد المضاد التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين في العديد من الدول الغربية ضد النظام المصري الحالي، لكن هذا الدور أيضاً لم تحقق فيه الوزيرة نجاحاً يذكر، وهناك أكثر من دليل على عدم النجاح.
أولها إحجام المصريين المقيمين في الخارج عن المشاركة في الانتخابات بأنواعها، سواء البرلمانية أم الرئاسية، رغم أن الوزيرة أنفقت عشرات الملايين لدعم اتحادات المصريين في عدة دول لحشد الناخبين وإظهار دعمهم للسيسي، لكن المحصلة كانت مخيبة للآمال؛ حيث حضر ما يقرب من 157 ألف ناخب فقط للتصويت في الانتخابات الرئاسية 2018 من إجمالي 15 مليون مصري مغترب، وحتى هذا العدد يقل عمن صوتوا في انتخابات 2014 الرئاسية والذين بلغ عددهم 318 ألفاً.
الوزارة أخفقت في رعاية المصريين بالخارج
كذلك لم تقم الوزارة، التي تتباهى برعايتها للمصريين المقيمين في الخارج، بأي دور في الدفاع عن 5 باحثين تم توثيق رواياتهم بتعرضهم للاضطهاد وأحكام قضائية من محاكم استثنائية، دون توافر ظروف محاكمة عادلة.
منهم طالب الماجستير المصري أحمد سمير سنطاوي، وطالب الماجستير بجامعة بولونيا، باتريك جورج، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وعلياء مسلم الباحثة المختصة بالتاريخ الشفاهي، بجانب إسماعيل الإسكندراني الباحث المصري المتخصص في شؤون المجتمعات المهمشة، الذي تركز نشاطه البحثي قبل القبض عليه على النشاطات العسكرية في شبه جزيرة سيناء، وأخيراً وليد سالم باحث الدكتوراه بجامعة واشنطن، الذي ألقي القبض عليه أثناء وجوده في مصر بعد لقاء أجراه مع أحد أعضاء هيئة التدريس المصريين كجزء من عمله على بحث الدكتوراه الخاص به، والذي يتناول تاريخ القضاء المصري.
وأضاف قائلاً إن الوزارة لم تنجح حتى في استيعاب الطلاب المصريين العائدين من الدراسة في أوكرانيا بعد اندلاع الحرب فيها، رغم وجود بروتوكول تعاون بينها وبين وزارة التعليم العالي، حيث أصرت الأخيرة على خضوع الطلاب العائدين لاختبار قدرات قبل التحاقهم بالجامعات المصرية، وهو اختبار أخفق أكثر من 90% من الطلاب في اجتيازه، ولم يجدوا أي دعم أو مساندة من وزارة الهجرة التي تركتهم ليواجهوا المجهول؛ حيث لا يوجد أمامهم سوى انتظار انتهاء الحرب والعودة لأوكرانيا، أو البحث عن جامعات في دول أخرى لاستكمال دراستهم.
ويختم الباحث قائلاً إن الوزيرة بعد 7 سنوات في منصبها لا تعرف حتى الآن عدد المصريين المقيمين بالخارج، وترجع صعوبة حصر المصريين في الخارج إلى أن أغلبهم سافر دون تسجيل، وأنها تتواصل مع عدد من النقابات المهنية، للتعرف على أعداد أعضائها ممن سافروا للخارج، في محاولة للوصول إلى حصر تقريبي عن أعداد المصريين في الخارج.