يُظهر مقطع مسجل التُقط بواسطة هاتف محمول رجلين مضرجَين بالدماء، يتوسلان للإبقاء على حياتيهما قبل أن يُقتلا على أيدي حشد غاضب، ليصبحا بذلك ضحيتين جديدتين لشائعات تنتشر على موقع فيسبوك وتطبيق واتساب في الهند.
وهذان الشابان هما المثقفان نيلوتبال داس (29 عاماً) الموسيقي البارع، وصديقه رجل الأعمال أبيجيت ناث )30 عاما)، وهما من غواهاتي عاصمة ولاية آسام في شمال شرقي الهند.
وكان الرجلان قد تعرضا الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018) للضرب حتى الموت، على يد قرويِّين غاضبين انهالوا عليهما بعصي الخيزران والسواطير والحجارة، عندما كانا عائدين بعد قضاء يوم في الريف، بالقرب من منطقة شلالات تعد وجهة سياحية.
وفي منزله حيث تحولت طاولة التلفاز إلى ضريح لابنه، قال غوبال تشاندرا داس (68 عاماً)، والد نيلوتبال، لوكالة الأنباء الفرنسية: "كان يحب الاستماع إلى أصوات الطبيعة، يستلهم منها موسيقاه".
وأدى انتشار إشاعات عن خاطفين على "فيسبوك" و"واتساب" إلى إعدام نحو 20 شخصاً خارج القانون في الشهرين الأخيرين بالهند، بحسب حصيلة تقارير نشرتها وسائل الإعلام المحلية.
وسارعت السلطات الهندية إلى التصدي لهذه الظاهرة، لكن حملات التوعية والتحذيرات وقطع الإنترنت، الهادفة إلى منع انتشار المعلومات المضللة، جاءت محدودة النتائج.
وحمّل مسؤولون تطبيق واتساب مسؤولية "الرسائل غير المسؤولة والمتفجرة" التي يتناقلها مستخدموه، البالغ عددهم 200 مليون بالهند، أكبر سوق للتطبيق في العالم.
ووصف "واتساب" أعمال العنف بأنها "مروعة" ووعد بالتحرك لمواجهتها. ونشر التطبيق إعلانات على صفحة كاملة في الصحف الهندية، عرض فيها "إرشادات سهلة" لكشف الحقائق من الإشاعات على منصته، كما نشر التطبيق إعلاناته تحت شعار "معاً يمكننا التصدي للمعلومات الخاطئة".
خاطفا أطفال
وخلال رحلتهما في 8 يونيو/حزيران 2018، لم يكن الشابان على علم بانتشار "أخبار كاذبة" على وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة عن أشخاص يخطفون أطفالاً بهدف الاتجار بهم.
وفي محافظة كاربي أنغلونغ الفقيرة والنائية، أصبح "فيسبوك" و"واتساب" الوسيلة الفضلى لنقل الأخبار، حيث نادراً ما يتم التشكيك في صحة الرسائل المنشورة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي ذلك اليوم كان الشابان يجلسان بالقرب من جدول مائي عندما واجههما أحد القرويين؛ ما أدى إلى حدوث شجار. وركب الشابان سيارتهما وغادرا على عجل، لكن من تشاجرا معه قام بإبلاغ القرية المجاورة بشأنهما.
وقال نائب رئيس مركز الشرطة في كاربي أنغلونغ غلشان داولاغوبو: "أجرى اتصالاً هاتفياً. وقال إن خاطفي أطفال في طريقهما (إلى القرية) ويجب توقيفهما".
وحاصر القرويون المحتشدون السيارة على الطريق المؤدي إلى القرية. وشنوا هجوماً ضارياً؛ لاقتناعهم بأنهم قبضوا على خاطفي أطفال، ونشروا على الإنترنت تسجيلات فيديو لعملية القتل. وهزت المشاهد الهند بأكملها.
وفُتح تحقيق لكشف ما إذا كان الرجل الذي حرض على الهجوم، وهو سائق سيارة أجرة يبلغ 35 عاماً، يُعتقد أنه قبض على خاطفي أطفال مزعومين أو كانت لديه دوافع أخرى. كما تم توقيف نحو 50 شخصاً على خلفية الهجوم.
وقال مفوض شرطة محافظة كاربي أنغلونغ ج. ف. سيفا براساد: "لو أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن موجودة، لو كنا في عام 2014 ولم يكن فيسبوك موجوداً، ولم تكن أسعار الهواتف الذكية رخيصة لما حدث ذلك"، مضيفاً: "لا أحد يمكنه التحكم في الانتشار الذي يسير تقريباً بسرعة الضوء".
وبعد شهر من الحادث، تبدو قرية بنجوري كتشاري مقفرة. لا ترى هناك سوى نساء واطفال وشيوخ؛ إذ إن الرجال في السجون أو هاربون.
"كان يمكن أن أكون مكانهما"
وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، المبنيّة على سوء تقدير أو معلومات مغلوطة، ليست بجديدة في الهند. إلا أن انتشار الهواتف الذكية ووجود الإنترنت في المناطق النائية والأكثر فقراً فاقم المشكلة.
ويستخدم ما يقارب نصف مليار هندي الإنترنت، غالبيتهم بواسطة هواتفهم في السوق الأسرع نمواً للهواتف الذكية في 2017.
ونحو 20% من المناطق الريفية في الهند تصل إليها شبكة الإنترنت، إلا أن هذه النسبة إلى ارتفاع. ويشجع تراجع أسعار الهواتف الذكية بعضها إلى ما دون 100 دولار، بالإضافة إلى اشتراكات شهرية بأسعار متهاودة على الاتصال عبر عالم الإنترنت.
ويعتبر الباحث عبد الكلام أزاد أن الإعدامات خارج نطاق القانون في بنجوري كتشاري يجب أن توضع في إطار واقع ولاية آسام، التي تضم خليطاً من القبائل العرقية ودائماً ما تشهد أعمال فتنة.
وقال الباحث لوكالة الأنباء الفرنسية: "آسام تشهد أعمال عنف من مدة طويلة. في هذا الوضع المتأزم تصبح الأخبار الكاذبة أكثر خطورة وأكثر عنفاً، وهذا جلي الآن".
وانتشر خبر قتل الشابين في المدن الهندية وبصفوف الهنود المثقفين؛ وأدى إلى اعتبار المحافظات الريفية متخلفة وخارجة على القانون.
وقالت صديقة أحد الشابين إيتيشا سارة (25 عاماً): "كل واحد قد يقول: كان يمكن أن يحصل ذلك لابني أو حتى لي أنا. هذا هو الشعور الطاغي؛ بأنه كان يمكن لأي كان أن يقع ضحية هذا الهجوم الوحشي".