عادة ما ينتهي نزال الملاكمة بفوز أحد اللاعبين من خلال تجميع أكبر عدد من النقاط أو من خلال الضربة القاضية، لكن أن ينتهي النزال بقضم أحدهما أذن الآخر، فهي واقعة أبعد ما تكون عن الحقيقة، ولكنها حدثت فعلاً مع الملاكم مايك تايسون.
من هو مايك تايسون، وكيف كانت نشأته، ولماذا يعتبر ملاكماً مثيراً للجدل، وما الدافع القوي الذي يجعله يشهر إسلامه؟
مايك تايسون ضد هوليفيلد في معركة "الصوت والغضب"!
في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، كان الملاكم الأمريكي مايك تايسون في أوج عطائه في الملاكمة، لكنه صُدم بعد خسارته من الأمريكي الآخر إيفاندر هوليفيلد بالضربة القاضية في الجولة الـ11 من النزال الأول الذي جمع بينهما في لاس فيغاس خلال بطولة العالم للوزن الثقيل WBA.
وفي 28 يونيو/حزيران 1997، جاء هوليفيلد إلى مباراة العودة المُنتظرة أقوى مما كان عليه في المعركة الأولى وقد أطلق عليها اسم معركة "الصوت والغضب"، وفقاً لما ذكره موقع History الأمريكي التاريخي.
فاز هوليفيلد بالجولتين الأولى والثانية، وبدا كأن الأمر على وشك الخروج من يد تايسون، فالفوز بالنسبة لهوليفيلد متوقف على هذه الجولة؛ لذا حدث ما لم يتوقعه أحد.
فبينما كان النزال مشتعلاً بين الغريمين، قام تايسون بقضم أذن هوليفيلد بعنف، لكن الحَكم لم يرَ ما حدث.
بعد القضمة بدقيقة تقريباً بدأ هوليفيلد يشعر بالألم يعتري أذنه بشدة، ففحصه الطبيب ومعه الحَكم، وقررا خصم نقطتين من تايسون، كما قال هوليفيلد إنه يمكنه استكمال المباراة وهزيمة تايسون.
وبعدما استُكملت المباراة، كرر تايسون العضة مرة أخرى، لكن هذه المرة في الأذن الثانية وبصورة أشد وأعنف، حتى استحوذ الألم هذه المرة على إيفاندر، ثم رأى النزيف ينبعث على كتفه؛ إذ بدأت أذنه في النزف وبشدة.
في تلك اللحظة، أوقف الحَكم المباراة وأعلن استبعاد تايسون وفوز هوليفيلد.
وسرعان ما دخل رجال الأمن والفريق المصاحب لكلا الملاكمين إلى الحلبة وبدأت مرحلة جديدة من العنف؛ حيث إن الاشتباكات كانت على وشك البدء بينهما، إلا أن التدخل الأمني أوقف الأمر وأخرج اللاعبين من الحلبة.
وبدلاً من طموح تايسون إلى الفوز بالمباراة والحصول على 30 مليون دولار، تم سحب رخصته لمزاولة الرياضة وتغريمه 3 ملايين دولار، لكنه استطاع بعد 15 شهراً من الإيقاف أن يستعيد رخصته، ودخل عدة مواجهات فاز في بعضها وخسر في البعض الآخر.
نشأة مايك تايسون من الطفولة إلى احتراف الملاكمة
وُلد مايك تايسون واسمه الحقيقي مايكل جيرارد تايسون في 30 يونيو/حزيران 1966 في بروكلين بولاية نيويورك الأمريكية، لعائلة فقيرة، والداه هما جيمي كيركباتريك ولورنا تايسون.
عندما كان مايك يبلغ عامين فقط، تخلى والده عن العائلة، تاركاً مسؤولية مايك وإخوته كاملة على والدته لورنا.
بعد ذلك اضطرت الأم إلى الانتقال إلى حي براونزفيل في بروكلين، وهي حيٌّ معروف بارتفاع معدلات الجريمة فيه، فأصبح تايسون الذي كان معروفاً بخجله عرضة للتنمر بشكل كبير.
يقول موقع Biography التاريخي إنّ تايسون بدأ بتطوير أسلوبه الخاص في قتال الشوارع للتخلص من التنمر، والذي تحول في نهاية الأمر إلى نشاط إجرامي انغمس خلاله في السرقات الصغيرة والقتال رغم أنّ عمره لم يكن قد تجاوز الـ11 عاماً.
بداية حبّه لرياضة الملاكمة
وبحلول سن الـ13، تم اعتقال مايك تايسون أكثر من 30 مرة، وتم إرساله إلى مدرسة تريون الإصلاحية في شمال ولاية نيويورك، وهناك التقى بالمستشار بوب ستيوارت الذي كان بطل ملاكمة للهواة.
أراد تايسون من ستيوارت أن يعلمه كيفية استخدام قبضتيه، وقد وافق ستيوارت على مضض، بشرط أن يبقى تايسون بعيداً عن المشاكل ويعمل بجد أكبر في المدرسة، سيما أن تايسون كان يصنف سابقاً على أنه يعاني من صعوبات التعلم، وتمكن من رفع قدراته على القراءة إلى مستوى الصف السابع في غضون أشهر.
فضل قسطنطين داماتو على مايك تايسون!
في عام 1980، شعر ستيوارت أنه علم تايسون كل ما يعرفه، ومن ثمّ قدم الملاكم الطموح إلى مدير الملاكمة الأسطوري قسطنطين داماتو الذي كان لديه صالة ألعاب رياضية في كاتسكيل في نيويورك.
اشتهر داماتو باهتمامه الشخصي بالمقاتلين الواعدين، حتى إنه وفر لهم مكاناً وطعاماً في المنزل الذي كان يتقاسمه مع رفيقه كاميل إيوالد.
وقد تعامل مع العديد من الملاكمين الناجحين، بمن في ذلك باترسون وخوسيه توريس، وأدرك على الفور أن تايسون سيكون منافساً قوياً، وقال له: "إذا كنت تريد البقاء هنا، وإذا كنت تريد الاستماع، فقد تكون يوماً ما بطل العالم في الوزن الثقيل".
كانت العلاقة بين تايسون وداماتو أكثر من علاقة مدرب محترف وملاكم – لقد كانت أيضاً علاقة أب وابنه.
وضع داماتو جدول تدريب صارماً للرياضي الشاب، وأرسله إلى مدرسة كاتسكيل الثانوية خلال النهار وجعله يتدرب في الحلبة كل مساء، كما جعله يشارك في مباريات الملاكمة للهواة.
تأثره الكبير بوفاة والدته
عندما بدأت حياة تايسون الرياضية تبدو وكأنها سترى النجاح قريباً، بدأ الملاكم الأمريكي يتكبد العديد من الخسائر على الصعيد الشخصي.
ففي العام 1982، عندما كان يبلغ من العمر 16 عاماً فقط، توفيت والدة تايسون بسبب السرطان وفقاً لما ذكره موقع Totally History.
وقال للصحفيين في وقت لاحق: "لم أرَ والدتي سعيدة معي وفخورة بي لقيامي بشيء ما، لقد عرفت فقط أنني طفل جامح يركض في الشوارع، عائد إلى المنزل بملابس جديدة كانت تعلم أنني لم أدفع ثمنها".
في نفس الوقت تقريباً، تم طرد تايسون من مدرسة كاتسكيل لسلوكه العنيف وغير المنتظم، ليكمل تعليمه من خلال مدرسين خاصين أثناء إجرائه تدريبات التجارب الأولمبية 1984.
لم يكن عرض تايسون في التجارب نجاحاً، فقد خسر أمام تيلمان، الحاصل على الميدالية الذهبية.
بعد فشله في تكوين الفريق الأولمبي، قرر داماتو أن الوقت قد حان لمقاتله أن يصبح محترفاً، فوضع له خطة لعب من أجل أن يكسبه بطولة الوزن الثقيل قبل عيد ميلاده الـ21.
أول فوز رسمي لمايك تايسون
في 6 مارس/آذار 1985، ظهر تايسون في أول مباراة احترافية وهو بعمر الـ18 في نيويورك ضد هيكتور مرسيدس، وقد أطاح به بجولة واحدة.
أرهبت قوة تايسون والقبضات السريعة والقدرات الدفاعية البارزة خصومه، الذين كانوا يخشون في كثير من الأحيان ضرب المقاتل. أعطى هذا تايسون القدرة الخارقة على تسوية خصومه في جولة واحدة فقط، وأكسبه لقب "إيرون مايك".
صحيح أنّ هذا العام كان ناجحاً بشكل كبير لتايسون، لكنه لم يكن أيضاً خالياً من المآسي، ففي 4 نوفمبر/تشرين الثاني توفي مدربه ووالده الروحي داماتو بسبب إصابته بالالتهاب الرئوي.
تولى كيفين روني منصب داماتو، وبعد أقل من أسبوعين، واصل تايسون صعوده في تصنيفات الوزن الثقيل.
يقول المقربون من تايسون إنه لم يتعافَ تماماً من وفاة داماتو، ونسبوا سلوك الملاكم المستقبلي إلى فقدان الرجل الذي كان قد أوقفه ودعمه سابقاً.
مايك تايسون بطل رسمي في مسابقات الوزن الثقيل
بحلول عام 1986، كان تايسون قد حقق رقماً قياسياً من خلال الفوز في 22 مباراة دون أي خسارة، 21 مباراة منها فاز بها بالضربة القاضية.
في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1986، وصل تايسون أخيراً إلى هدفه عندما حصل على لقبه الأول ضد تريفور بيربيك في بطولة مجلس الملاكمة العالمي للوزن الثقيل، عندما فاز تايسون باللقب بالضربة القاضية في الجولة الثانية، وذلك عندما كان في سن 20 عاماً وأربعة أشهر، متجاوزاً الرقم القياسي لفلويد باترسون ليصبح أصغر بطل للوزن الثقيل في التاريخ.
نجاح تايسون في الحلبة لم يتوقف عند هذا الحد، دافع عن لقبه ضد جيمس سميث في 7 مارس/آذار 1987، مضيفاً بطولة الاتحاد العالمي للملاكمة إلى قائمة انتصاراته.
في 1 أغسطس/آب من العام ذاته، أصبح أول ملاكم في الوزن الثقيل يمتلك أحزمة الملاكمة الثلاثة الرئيسية عندما حصل على لقب الاتحاد الدولي للملاكمة من توني تاكر.
في حين انتهت سلسلة انتصارات تايسون في 11 فبراير/شباط 1990، عندما خسر حزام البطولة أمام الملاكم باستر دوغلاس بالضربة القاضية في العاصمة اليابانية طوكيو.
السجن والعودة إلى الملاكمة
في يوليو/تموز 1991، اتهم تايسون باغتصاب ديزيريه واشنطن، ملكة جمال أمريكا السوداء.
وفي 26 مارس/آذار 1992، أي بعد ما يقرب من عام من إجراءات المحاكمة، وجد تايسون نفسه مذنباً بتهمة الاغتصاب وتهمة السلوك الجنسي المنحرف، وبسبب قوانين ولاية إنديانا، أُمر بسجن تايسون مدة 6 سنوات.
مايك تايسون في السجن
تعامل تايسون في البداية مع الفترة التي قضاها في السجن بشكل سيئ؛ إذ أدين بتهديد حارس، ما تسبب بإضافة 15 يوماً إلى عقوبته.
في نفس عام سجنه، توفي والد تايسون، ولكنه رغم ذلك لم يقدم أي طلب مغادرة لحضور الجنازة.
في 25 مارس/آذار 1995، أي بعد قضاء ثلاث سنوات من عقوبته، تم إطلاق سراح تايسون من مركز شباب إنديانا.
كان تايسون يخطط بالفعل لعودته إلى الملاكمة، وقد رتب معركته التالية مع بيتر مكنيلي في لاس فيغاس.
في 19 أغسطس/آب 1995، فاز تايسون بالقتال، حيث أطاح بماكنيلي في 89 ثانية فقط، كما فاز تايسون أيضاً بمباراته التالية في ديسمبر/كانون الأول 1995، حيث أطاح بباستر ماتيس جونيور في الدور الثالث.
إلغاء رخصته في ممارسة الملاكمة بسبب قضم أذن هوليفيلد
في 9 يوليو/تموز 1997، ألغت لجنة ولاية نيفادا الرياضية رخصة الملاكمة لتايسون في تصويت بالإجماع وفرضت غرامة على الملاكم 3 ملايين دولار لعضه هوليفيلد.
بعد عدة أشهر، تلقى تايسون ضربة أخرى عندما أُمر بدفع 45000 دولار للملاكم ميتش غرين مقابل حادثة قتال شوارع جرت بينهما في عام 1988.
بعد فترة وجيزة من حكم المحكمة، هبط تايسون في المستشفى بكسر في ضلعه وثقب في الرئة بعد أن خرجت دراجته النارية عن السيطرة في رحلة عبر ولاية كونيتيكت.
في أكتوبر/كانون الأول 1998، أعيدت له الرخصة، وعاد تايسون إلى الحلبة، لكنه بعد أشهر قليلة تهجم على سائقي السيارات في ولاية ماريلاند، وحكم القاضي عليه بالسجن مدة عامين، قبل أن يتم تخفيفها إلى عام فقط، وغرامة قدرها 5 آلاف دولار و200 ساعة من خدمة المجتمع.
إسلام مايك تايسون
ساعدت تمضيةُ 3 سنوات في السجن، أي نصف مدة العقوبة التي حُوكم بها وهي ست سنوات في سجن إنديانا للشباب؛ تايسون في التفكير الجدي في اعتناق الإسلام.إذ وجد في خلوة السجن فرصة سانحة في مراجعة مسار حياته داخل حلبة الملاكمة وخارجها، فصمم بعد دراسته للإسلام على أن هذا الدين هو الذي سيساعده على تجاوز كل مشكلاته في الحياة.
اعتنق تايسون الإسلام واتخذ اسم مالك عبد العزيز، لكنّ وسائل الإعلام الأمريكية استمرت بمناداته باسم مايك على الرغم من أنه نال ذات الصدى الذي حظي به الملاكم محمد علي كلاي بعد إسلامه في ستينيات القرن الماضي.
وقال تايسون وفقاً لما ذكره موقع EssentiallySports: "أنا مسلم، أنا أحب الله، أنا أصلي أكثر مما أستطيع، إيماني هو الله وعندما أموت سأموت مُسلماً".
كما قال أيضاً: "لقد قضى السجن على غروري، ومنحني الفرصة للتعرف على الإسلام، وإدراك تعاليمه السمحة التي كشفت لي عن حياة أخرى لها مذاق مختلف، وقد أمدني الإسلام بقدرة فائقة على الصبر،
لم أكن أقبل أن أسلم بدون اقتناع؛ ولهذا كنت متردداً في بداية الأمر حتى درست القرآن الكريم، ووجدت فيه إجابات على كل الأسئلة عن الحياة والموت".
اعتزال مايك تايسون
بعد خسارته أمام داني ويليامز في يوليو/تموز 2004 ومن كيفن ماكبرايد في يونيو/حزيران 2005، أعلن تايسون اعتزاله.
شارك تايسون في 58 معركة في حياته المهنية، فاز بـ50 نزالاً 44 منها بالضربة القاضية.