لبق، ولديه كاريزما قوية، ويستطيع التلاعب بالمفاهيم والمعاني، وامتلك شخصية محتال، وفنان إقناع أكثر منه، قاتل مهووس مثل مشاهير القتلة المتسلسلين. تشارلز سوبراج أجاد أكثر من لغة، ووُصف بأنه مراوغ ومثقف، وداهية، ويحب حياة المشاهير، بل وكان يرى أنه أحدهم.
عدد ضحاياه الحقيقي غير محدد حتى اليوم، ولكن على لسانه، وفي لقاء متلفز نادر قال إنه قد تجاوز المئات، المجرم الفيتنامي الفرنسي لُقب بـ"الأفعى"، و"قاتل البكيني"، وقاتل "الهيبيين"، فمن هو تشارلز سوبراج؟ هذا ما سنعرفه عنه من خلال تقريرنا التالي.
كيف نشأ قاتل البكيني؟
ولد تشارلز سوبراج في سايجون في فيتنام، في منتصف أبريل/نيسان عام 1944، قبل عام من رحيل الاستعمار الفرنسي، وكان أبوه رجل أعمال هندياً، وأمه مساعدة في الأعمال المكتبية، ولكن بعد سنوات قليلة لا تتعدى 5 سنوات رحل أبوه وهجر أمه، التي عاشت تربي الصغير بمفردها، حتى التقت أحد ضباط الاستعمار الفرنسي وتزوجته، وقام بتبنّي تشارلز الصغير، ثم انتقلت الأسرة إلى فرنسا عقب نهايات الأربعينيات، بالتزامن مع بدء التوترات والانقسام السياسي في فيتنام بين الشيوعية الموالية للسوفييت والتقدمية الموالية للغرب.
بدأ تمرد تشارلز في سن مبكرة، عندما تكرر هروبه من مدرسته الداخلية في فرنسا، وشغفه بحياة العصيان والحرية المطلقة، وكونه يتمتع بشخصية لبقة آسرة وذكاء عالٍ أتقن سوبراج عدة لغات في سن مبكرة، وبدأ في ارتكاب جرائم سرقة ونصب صغيرة في فرنسا، بعد أن هجر من منزل والده بالتبني، والذي بدوره نسي الطفل المتبني بعد أن أنجب من أم تشارلز عدة أطفال آخرين.
وفي عام 1963 سُجن تشارلز في إحدى ضواحي باريس بتهمة السرقة المسلحة، وفي أثناء سجنه تعرّف على أحد أثرياء عالم الجريمة في باريس، والذي مكنّه من دخول عالم الجريمة المنظمة، بعد أن أظهر سوبراج صفات المحتال المحترف لبق اللسان ذي الجاذبية القوية بجوار ثقافته في اللغات التي أجيدها بطلاقة مثل الفيتنامية والهندية والفرنسية والإنجليزية، وكانت بدايات ارتحاله المثيرة للجدل بعد أن التقى حبيبته شانتال كومبانون، التي لم تستطع الإفلات من عالمه السام وجرائمه المتكررة، خاصة بعد أن أنجبت منه طفلة هي ابنته الوحيدة.
رحلات "الأفعى" حول العالم
بدأ تشارلز سوبراج رحلاته وأسفاره حول العالم -أحياناً بصحبة أخيه النصف شقيق- بعد أن حاولت صديقته الهرب منه أكثر من مرة بصحبة ابنته، فسافر بهدف ارتكاب الجرائم مثل الاحتيال أو السرقة، وبدأها برحلات بحرية من أحد الموانئ الفرنسية إلى القرن الإفريقي، حيث فشل في إيجاد ضحايا مناسبين للاحتيال، فارتحل بين البلاد في آسيا، وسُجن في أفغانستان بتهمة الاحتيال، ثم ارتحل إلى تركيا واليونان، حيث سُجن في الأخيرة سنتين، استطاع بعدها الفرار بعملية بارعة، إذ ادّعى الإصابة بالزائدة الدودية، واستطاع ترتيب خطة هرب بعد إقناع شقيقه بأن يُسجن بدلاً منه.
وفي مطلع السبعينيات كان سوبراج قد علم بفرار حبيبته وابنته إلى أمريكا، فبدأ في الارتحال في دول آسيا مرة أخرى، بهدف ممارسة القتل والاحتيال والسرقة، ونُسبت إليه أولى جرائمه في باكستان عام 1972، في مقتل سائق تاكسي باكستاني، وإن فشلت السلطات في إثبات الجريمة عليه رغم اعترافه في التحقيقات، ولكنه كان قد عاد لينكر قوله، ونسب إلى السلطات الباكستانية تلفيق الجريمة له.
جرائم البكيني
بعد أن استطاع سوبراج الإفلات من السلطات الباكستانية، بجانب هروبه من اليونان وعدة جرائم أخرى لم يُدل بتفاصيلها في بلاد مختلفة، أكسبه هذا لقب "الأفعى"؛ نظراً لصعوبة الإمساك به، فرّ إلى جنوب شرق آسيا، وتحديداً تايلاند، وفي عام 1975 جاءت أشهر جرائمه وأبرزها، عندما قتل السائحة الأمريكية "تيريزا نولتون"، والتي نُسب إلى مقتلها لقب "قاتل البكيني"؛ إذ إن أغلب ضحاياه كنّ من السائحات على الشواطئ والمسابح.
بعدها بعدة أشهر عُثر على جثة امرأة فرنسية بملابس السباحة أيضاً مقتولة خنقاً، وأظهرت التحقيقات لاحقاً أن كلتا المرأتين كانتا على علاقة بتجار مخدرات محليين لشراء وتوزيع المخدرات على الأجانب في تايلاند، وكان لهما نشاط في جماعات "الهيبيز"، (حركة ثقافية اجتماعية نشأت في بداية ستينيات القرن الماضي في الجامعات، رفضاً للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع الأمريكي، وانتهاج أنماط المعيشة اللامكترثة بأي شيء سوى الحب والسلام والتخلي عن الماديات)، التي انتشرت في السبعينات في كل أنحاء العالم.
النرجسي الذي يصعب الإمساك به
استمر بعدها تشارلز سوبراج في اصطياد ضحاياه من المرتحلين الهيبيين والأجانب الهائمين في جنوب شرق آسيا، وخاصة الأجانب الذين كان يعرف سوبراج أنهم من متعاطي المخدرات أو السائحين العابثين، الذين لا تبدو عليهم أمارات الثراء تجنباً للفت أنظار السلطات آنذاك، ولاحقاً في اعترافاته أقر سوبراج بأنه كان يقتل "المدمنين" و "تجار المخدرات"، أي المجرمين فقط، وليس الأشخاص الأخيار الطبيعيين.
وحاول أكثر من مرة أن يجعل جرامه تبدو وكأنها نضال ضد الغرب، الذي أغرق آسيا بالمخدرات في السبعينيات، وكان شغوفاً بأن يظهر جرائمه بأنها لأسباب "بطولية"، وكان يتشدق طيلة الوقت بمصطلحات مثل "عنصرية الغرب"، و"الإمبريالية الغربية" لإظهار نفسه مناضلاً، بجوار إظهاره النرجسية الشديدة وعلامات الثبات الانفعالي، وهي من الصفات المنسوبة للشخصيات السيكوباتية.
سقط الأفعى ولكن..
في عام 1976، وفي مدينة دلهي بالهند اعتقل تشارلز سوبراج بعد أن أبلغ عن نشاطاته وتتبع جرائمه المريبة دبلوماسي هولندي هو هيرمان كنيبرينج، الذي شك في شخصية سوبراج، بعد أن قام بتخدير مجموعة من السائحين الفرنسيين بقصد سرقتهم ثم قتلهم.
سجن في دلهي بتهم السرقة ومحاولة القتل، ولكن نظراً لقصور أنظمة القانون في أغلب دول شرق آسيا لم تتمكن السلطات من ربط جرائمه في كل الدول ببعضها، وسجن في دلهي بحكم 12 عاماً، ولكنه استطاع الفرار من سجنه في الهند أكثر من مرة، بتخدير الحراس أو بتزييف المرض، ولكن أحكامه تراكمت بعد عدة سنوات، ومكث في سجن دلهي حتى عام 1997، ولكن من المثير للدهشة أنه عقب إطلاق سراحه عاد إلى فرنسا، وبدأ في ممارسة حياته كشخصية مشهورة، ووقّع عقد بيع قصة حياته مقابل 15 مليون دولار، ولكن في مطلع الألفينات اعتقل في فرنسا، وأرسل للمحاكمة في نيبال عن جرائم قتل 12 ضحية، حكم عليه بالسجن المؤبد.
في عام 2021 أطلقت شبكة البث الشهيرة نتفليكس مسلسلاً من نوع الجريمة المثيرة بثماني حلقات، باسم Serpent، والذي تمحور حول جرائم تشارلز سوبراج.