عندما يتحول الزور إلى بهتان فتّش عن الإعلام.. قضايا الرأي العام والشعبوية في مصر

عدد القراءات
705
تم النشر: 2022/06/28 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/28 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
السلطات المصرية تحركت في قضية خطف الشابين المصريين - رويترز

"حينما يتحول الأبيض إلى رمادي، ويتحول الرمادي إلى أسود، ويتحول الأسود إلى عدوان، فتش عن الإعلام، وحينما يتحول الحق إلى شك، ويتحول الشك إلى زور، ويتحول الزور إلى بهتان فتش عن الإعلام". 

عذراً للإعلامي والصحفي الاستقصائي "يسري فودة" على استعارتي لمقولتك الذهبية المشهورة، واسمح لي أن أفتح قوسين في نهاية الجملة لأضيف شبكات التواصل الاجتماعي.

لقد كشف انحدار المستوى الإعلامي الرسمي وشعبوية شبكات التواصل الاجتماعي عن سوء عورات ما كان أحد يدري أنها موجودة فينا وبيننا، وحاكت الشك بالحقيقة، وصبغت الحقيقة بالبهتان، فراحت زوراً في أذهان العامة.
لا أقصد بالعامة البسطاء من الذين لم يتلقوا التعليم اللائق، فكثير ممن يضاف إلى أسمائهم لقب "باشا" و"أستاذ" لا ينطقون إلا بجهل، وفي أفضل الأحوال هم تفشي أنصاف متعلمين، وليس كل متعلم مثقفاً"؛ و"ليس كل مثقف إنساناً".

إن الغوغائية والشعبوية التي تسبح مصر في مدادها الآن ما هي إلا نتاج تاريخ طويل من إهمال التعليم، وتحول ساحات المدارس إلى باحات للعراك والتنمر وتخريج أطفال تملؤهم العقد النفسية، وحقيقة الأمر أيضاً أن ما يتم تدريسه في المدارس المصرية ليس علماً بل معرفة، قشور المعرفة. مع تدهور التعليم، وتدهور الثقافة المصرية، وتغييب الأدب والشعر والفنون عن الحياة العامة، وانحدار الذوق العام، لم يعد للنفس المصرية مذهب للتهذيب والتشذيب.

 
مع وسائل التواصل الاجتماعي صار للجميع رأي لا بد أن يدلي به مع كل قضية تندلع أو مشكلة تنفجر، فيالق من الجهلاء يشكلون الرأي العام بلا غضاضة. 

في فاجعة مقتل الطالبة "نيرة" أمام جامعة المنصورة سادت حالة من الفوضى على شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على المجتمع. تركت القضية الرئيسية وأسبابها البنيوية التي أدت إليها ومثيلاتها، ونشبت صراعات هامشية أقل ما توصف به بالتفاهة والضحالة الفكرية. 

يا عزيزي الذي تركت قضية القتل، وتتحدث عن سفاسف الأمور، أنت ممنوع من دراسة العديد من العلوم لأسباب أمنية، ومحروم من الأدب والفن، ومحروم من الكلام والتعبير، وفي ظل الشعبوية الجارفة قد تكون أنت الضحية القادمة!

أتذكر محاكمة الفيلسوف اليوناني وأحد أقطاب الفلسفة الغربية، سقراط، الذي رفض الهرب من السجن وفضل الإعدام على النجاة، احتراماً لأفكاره ومبادئه، ولقوانين الدولة؛ ونحن لا نحترم أي قانون!

نقطة أخرى مهمة، تتمثل في ضمانات المحاكمة العادلة التي يجب أن يوفرها القضاء؛ وكيف يمكن أن يضمن المتهم محاكمة عادلة بينما يضغط الرأي العام أمام قاضي التحقيق، وهو إنسان وبشر في النهاية.

مهما كانت عدالة القاضي فهو يتأثر بالجو العام المشحون، كذلك محامي المتهم، وأنا هنا لست للدفاع عن المتهم، فكيف يؤدي دوره المنوط به في الدفاع بدقة وإتقان تحت وطأة هذا الرفض والتخوين.

قبل التحقيق والتفكير، أصبح العامة قضاة وأصدروا الحكم قبل انعقاد الجلسة. 

لكل  قضية أسبابها ودوافعها عند مرتكبها، هل كانت من أجل السرقة أم "الشرف"، أو خلافات عائلية "ثأر"، كذلك مفهوم الجريمة والعقاب، عند الفلاسفة تختلف في المفهوم الفلسفي ولكل مدرسة تفسيرها.

الجريمة عند الكاتب الروسي "دوستويفسكي" لها أسبابها التي سردها  في روايته المشهورة "الجريمة والعقاب"، كذلك للفيلسوف الألماني الكبير "هيغل" رؤية مميزة في العقاب والحق والأخلاق. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سعد عبداللطيف
متخصص فی علم الجغرافیا السیاسیة
تحميل المزيد