تعد الدراجات الهوائية جزءاً من الحياة اليومية لعدد كبير من سكان العالم، هولندا مثلاً أكثر بلد يستخدم الدراجات الهوائية، بينما تمتلك مدينة مالمو السويدية وحدها أكثر من 510 كيلومترات من المسارات المخصصة للدراجات، أما في الدول الشرق آسيوية فإن الدراجة وسيلتهم الوحيدة للتخلص من الزحام الخانق.
ولكن هل سألت نفسك يوماً عن الشخص الذي يقف وراء قصة اختراع الدراجات الهوائية؟
قصة اختراع الدراجات الهوائية
قد تعتقد أن اختراعاً بسيطاً مثل الدرّاجة سيكون له ماضٍ غير معقد، ولكن كما اتضح فإن هذا الاختراع المشهور له تاريخ حافل بالجدل والمعلومات ذات المصادر المشتتة.
في حين أن القصص حول من اخترع الدرّاجة غالباً ما تتناقض مع بعضها البعض، هناك شيء واحد مؤكد وهو أن الدراجات الأولى لم تكن مثل تلك التي تراها تنطلق في الشارع اليوم.
الطليان أول من مهّد لاختراع الدراجات بجهاز يعمل بـ4 عجلات!
وفقاً لما ذكره موقع Live Science الأمريكي، فقد تم إنشاء أول دراجة هوائية تعمل بالعجلات بالطاقة البشرية قبل وقت طويل من أن تصبح الدرّاجة من وسائل النقل.
في عام 1418، قام المهندس الإيطالي جيوفاني فونتانا (أو دي لا فونتانا) ببناء جهاز يعمل بالطاقة البشرية يتكون من 4 عجلات وحلقة حبل متصلة بواسطة التروس، وفقاً لما ذكره موقع الصندوق الدولي للدراجات IBF.
وفي عام 1813، أي بعد حوالي 400 عام من قيام فونتانا ببناء جهازه ذي العجلات، بدأ الأرستقراطي الألماني والمخترع كارل درايس العمل على نسخته الخاصة من سيارة آلة الجري التي أطلق عليها اسم "Laufmaschine"، وهي مركبة بـ4 عجلات تعمل بالطاقة البشرية، ثم في عام 1817، ظهر درايس لأول مرة بمركبة ذات عجلتين، معروفة بأسماء عديدة في جميع أنحاء أوروبا.
أما سبب بناء درايس ماكينته فكان استجابة لمشكلة خطيرة للغاية كانت تهدد العالم في ذلك الوقت، وهي ندرة الخيول الحقيقية، فكيف ذلك؟
انفجار بركان جبل تامبورا الإندونيسي وعلاقته باختراع الدراجات
في عام 1815، أدى انفجار بركان جبل تامبورا الإندونيسي الذي كان واحداً من أقوى الثورات البركانية في التاريخ المسجل، إلى تغيير كبير في المناخ العالمي، كما أدت سحابة الرماد المنتشرة حول العالم إلى خفض درجات الحرارة العالمية.
ووفقاً لما ذكرته مجلة Smithsonian الأمريكية، فقد تسبب البركان بفشل المحاصيل الزراعية، وموت الكثير من الحيوانات وأبرزها الخيول التي ماتت جوعاً، وهو السبب الذي دفع العالم الألماني درايس لاختراع الدراجات الهوائية ليتم استخدامها بالتنقل بدلاً من الخيول.
ومع ذلك كانت الدراجات التي اخترعها درايس بعيدة كل البعد عن آلات السرعة الديناميكية الهوائية التي أصبحت عليها دراجات اليوم.
كانت دراجة درايس تزن نحو 23 كيلوغراماً، لها عجلتان مصنوعتان من الخشب ومتصلتان بإطار خشبي، وضع عليها سرج جلدي للجلوس عليه.
فيما لم يكن للدراجة تروس ولا دواسات، حيث كان الراكبون يدفعون الجهاز للأمام بأقدامهم.
بعد ذلك أخذ درايس اختراعه إلى فرنسا وإنجلترا، حيث أصبحت شائعة هناك، لاسيما بعد أن قام صانع دراجات بريطاني يُدعى دينيس جونسون بتسويق نسخته الخاصة للأرستقراطيين في لندن الباحثين عن المتعة، لكن فيما بعد تم حظرها لأنها كانت تسبب خطراً على المشاة.
مراحل تطوير الدراجة الهوائية
في أوائل ستينيات القرن الـ19 عادت الدراجات إلى الشوارع بإدخال تطوير على صنعها من خلال أداة خشبية مع عجلتين فولاذيتين ودواسات ونظام تروس ثابت.
أما عن الشخص صاحب فكرة إدخال نظام التروس والدواسات فهو لا يزال غامضاً بعض الشيء، لكن هناك من يقول إنه رجل ألماني يُدعى كارل كيش.
لماذا يُنسب فضل اختراع الدراجة الهوائية إلى الفرنسي بيير لالمان؟
في عام 1862 بينما كان بيير لالمان يعمل في بناء عربات الأطفال في مدينة نانسي الفرنسية، رأى شخصاً يركب دراجة خشبية يدفعها بقدميه من أجل المشي فيها، وهنا دارت بباله فكرة: "لماذا لا تتحرك هذه الدراجة عن طريق دواسات ترتبط بالعجلة؟".
انتقل لالمان إلى باريس عام 1863 وعقد شراكة مع الأخوين أوليفييه، وهما ابنان لرجل صناعي باريسي ثري، واللذان وجَدَا أن اختراع لالمان له إمكانات تجارية عالية ومربحة، فقرروا جميعاً أن ينشئوا عجلة خاصة بهم.
إضافة إلى لالمان والأخوين أوليفييه تمت الاستعانة بشخص يدعى بيير ميشو، وهو حداد وصانع عربات، وجورج دي لا بوغليز صديق لالمان، وبدأوا جميعاً بإنتاج الدراجات الحديثة.
ويُظهر رسم براءة اختراع الدراجة الهوائية التي اخترعها لالمان أنها تشبه كثيراً دراجة البريطاني دينيس جونسون، لكن الاختلافات الوحيدة بينهما هي أن درّاجة لالمان كانت تحوي دواسات وسواعد وشريطاً رفيعاً من الحديد فوق الإطار يعمل بمثابة زنبرك ثبت فوقه السرج لتوفير قيادة أكثر راحة.
وبحلول عام 1870، سئم راكبو الدراجات من تصميم لالمان، لاسيما أن المصنعين بدأوا بإنتاج تصميمات جديدة.
وبحلول عام 1870 أيضاً، تقدم علم المعادن بدرجة كافية بحيث يمكن تصنيع إطارات الدراجات من المعدن، الذي كان أقوى وأخف من الخشب.
التحول من الإطارات الخشبية والمعدنية إلى المطاطية!
مُنحت أول براءة اختراع للعجلات المطاطية إلى المهندس الفرنسي كليمان آدر في عام 1868 عندما كان يحاول تخفيف وزن الدراجة الهوائية من خلال العجلات الخشبية داخل المطاط بدلاً من الحديد.
فيما بعد صنع المخترع الإسكتلندي جون بويد دنلوب أول إطار هوائي عملي في عام 1887 لدراجة ابنه، في محاولة لمنع الصداع الذي أصيب به ابنه أثناء الركوب على الطرق الوعرة، ولهذا يُنسب إلى دنلوب اختراع العجلات المطاطية المليئة بالهواء، هو ما دفعه إلى إنشاء شركة خاصة متخصصة بصنع العجلات في عام 1889.
وبحلول عام 1890، بدأت شركته في إضافة طبقة قماشية صلبة إلى المطاط لتقليل الثقوب.
أخيرًا، تم تقديم الإطار القابل للفصل بين المطاط والهواء في عام 1891 بواسطة إدوار ميشلان، عندما تم تثبيت الهواء بواسطة أنبوب مطاطي دائري يثبت على حافة الإطار المطاطي بمشابك، بدلاً من الغراء، ويمكن إزالته لاستبدال أو تصحيح الأنبوب الداخلي المنفصل.
من مليون دراجة فقط في العالم إلى أكثر من 100 مليون سنوياً
كانت الدراجات الهوائية مجرد هواية باهظة الثمن، لكن الإنتاج الضخم جعل الدراجة استثماراً عملياً للرجل العامل الذي بات بإمكانه ركوبها والذهاب إلى عمله والعودة إلى منزله.
وازدهرت أعداد الدراجات الهوائية في العام من حوالي مليون دراجة هوائية في عام 1899 إلى نحو مليار في وقتنا الحالي، في حين يقدر موقع تاريخ الدراجات أن هناك نحو 100 مليون دراجة هوائية تصنع سنوياً في العالم كل عام.